أبو مسلم الخرساني
أبو مسلم الخرساني اسمه عبد الرحمن بن مسلم ويقال عبد الرحمن بن عثمان بن يسار الخرساني
الأمير صاحب الدعوة وهازم جيوش الدولة الاموية والقائم بإنشاء الدولة العباسية
كان من أكبر الملوك في الإسلام كان ذا شأن عجيب ونبأ غريب من رجل يذهب على حمار بإكاف من الشام حتى يدخل خرسان ثم يملك خرسان بعد تسعة أعوام ويعود بكتائب أمثال الجبال ويقلب الدولة ويقيم دولة أخرى
ذكره القاضي شمس الدين بن خلكان فقال كان قصيرا أسمر جميلا حلوا نقي البشرة أحور العينين عريض الجبهة حسن اللحية طويل الشعر طويل الظهر خافض الصوت فصيحا بالعربية وبالفارسية حلو المنطق وكان راوية للشعر عارفا بالأمور لم ير ضاحكا ولا مازحا إلا في وقته وكان لا يكاد يقطب في شيء من أحواله تأتيه الفتوحات العظام فلا يظهر عليه السرور وتنزل به الفادحة الشديدة فلا يرى مكتئبا وكان إذا غضب لم يستفزه الغضب إلى أن قال وكان لا يأتي النساء في العام إلا مرة يشير إلى شرف نفسه وتشاغلها بأعباء الملك. قيل مولده في سنة مئة وأول ظهوره كان بمرو في شهر رمضان يوم الجمعة من سنة تسع وعشرين ومئة ومتولي خرسان إذ ذاك الأمير نصر بن سيار الليثي نائب مروان بن محمد الحمار خاتمة خلفاء بني مروان إلى أن قال فكان ظهوره يومئذ في خمسين رجلا وآل أمره إلى أن هرب منه نصر بن سيار قاصدا العراق فنزل به الموت بناحية ساوة وصفا أقليم خراسان لأبي مسلم صاحب الدعوة في ثمانية وعشرين شهرا قال وكان أبوه من أهل رستاق فريذين من قرية تسمى سنجرد وكانت هي وغيرها ملكا له وكان يجلب في بعض الاوقات مواشي إلى الكوفة ثم إنه قاطع على رستاق فريذين يعني ضمنه فغرم فنفذ إليه عامل البلد من يحضره فهرب بجاريته وهي حبلى فولدت له هذا فطلع ذكيا واختلف إلى الكتاب وحصل ثم اتصل بعيسى بن معقل جد الأمير أبي دلف العجلي وبأخيه إدريس بن معقل فحبسهما أمير العراق على خراج انكسر فكان أبو مسلم يختلف اليهما إلى السجن ويتعهدهما وذلك بالكوفة في اعتقال الأمير خالد بن عبد الله القسري فقدم الكوفة جماعة من نقباء الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس والد المنصور والسفاح فدخلوا على الأخوين يسلمون عليهما فرأوا عندهما أبا مسلم فأعجبهم عقله وادبه وكلامه ومال هو اليهم ثم إنه عرف أمرهم ودعوتهم يعني إلى بني العباس ثم هرب الأخوان عيسى وإدريس من السجن فلزم هو النقباء وسار صحبتهم إلى مكة فأحضروا إلى إبراهيم بن الإمام وقد مات الإمام محمد عشرين ألف دينار ومئتي ألف درهم واهدوا له أبا مسلم فأعجب به وقال إبراهيم لهم هذا عضلة من العضل فأقام مسلم يخدم الإمام إبراهيم ورجع النقباء إلى خرسان فقال إني جربت هذا الاصبهاني وعرفت ظاهره وباطنه فوجدته حجر الأرض ثم قلده الامر وندبه إلى المضي إلى خرسان فكان من امره ما كان
قال المأمون أجل ملوك الأرض ثلاثة الذين قاموا بنقل الدول وهم الاسكندر وازدشير وأبو مسلم
قال أبو القاسم بن عساكر ذكر أبو الحسن محمد بن أحمد بن القواس في تاريخه قدم أبو مسلم هو وحفص بن سلمة الخلال على إبراهيم بن محمد الإمام فأمرهما بالمصير إلى خرسان وكان إبراهيم بالحميمة من ارض البلقاء إذ ذاك سمع أبو مسلم من عكرمة. هكذا قال الحافظ أبو القاسم وهذا غلط لم يدركه قال وسمع ثابتا البناني وأبا الزبير المكي ومحمد بن علي الإمام وابنه وإسماعيل السدي وعبد الرحمن بن حرملة روى عنه إبراهيم بن ميمون الصائغ وابن شبرمة الفقيه وعبد الله بن منيب وعبد الله بن المبارك وغيرهم قلت ولا ادرك ابن المبارك الرواية عنه بل رآه
قال أبو أحمد علي بن محمد بن حبيب المروزي حدثنا أبو يوسف محمد ابن عبدك حدثنا مصعب بن بشر سمعت أبي يقول قام رجل إلى أبي مسلم وهو يخطب فقال ما هذا السواد عليك فقال حدثني أبو الزبير عن جابر ابن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء وهذه ثياب الهيبة وثياب الدولة يا غلام اضرب عنقه
وقال جماعة حدثنا أبو حاتم أحمد بن حسن بن هارون الرازي أنبأنا محمد بن محمد بن أبي خرسان حدثني أحمد بن محمد المروزي حدثنا عبد الله بن مصعب حدثنا أبو حامد الداوودي قال دخل رجل وعلى رأس أبي مسلم عمامة سوداء فقال ما هذا قال اسكت حدثني أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء يا غلام اضرب عنقه
ورويت القصة بإسناد ثالث مظلم
قلت كان أبو مسلم سفاكا للدماء يزيد على الحجاج في ذلك وهو أول من سن للدولة لبس السواد
قال محمد بن جرير في تاريخه ذكر علي بن محمد يعني المدائني أن حمزة بن طلحة السلمي حدثه عن أبيه قال كان بكير بن ماهان كاتبا لبعض عمال السند فقدم فاجتمعوا بالكوفة في دار فغمز بهم فأخذوا فحبس بكير وخلي عن الآخرين وكان في الحبس أبو عاصم وعيسى العجلي ومعه أبو مسلم الخرساني فحدثه فدعاهم بكير فأجابوه إلى رايه فقال لعيسى العجلي ما هذا الغلام قال مملوك قال تبعه قال هو لك قال أحب أن تأخذ ثمنه فأعطاه أربع مئة درهم ثم اخرجوا من السجن وبعث به إلى إبراهيم بن محمد فدفعه إبراهيم إلى موسى السراج فسمع منه حفظ ثم اختلف إلى خراسان
وقال غيره توجه سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم ولاهز وقحطبة بن شبيب من بلاد خراسان للحج في سنة أربع وعشرين ومئة فدخلوا الكوفة فأتوا عاصم بن يونس العجلي وهو في الحبس فبدأهم بالدعاء إلى ولد العباس ومعه عيسى بن معقل العجلي واخوه حبسهما عيسى بن عمر أمير العراق فيمن حبس من عمال خالد القسري هكذا في هذه الرواية قال ومعهما أبو مسلم يخدمهما فرأوا فيه العلامات فقالوا من أين هذا الفتى قال غلام معنا من السراجين وقد كان أبو مسلم إذا سمع عيسى وادريس يتكلمان في هذا الرأي بكى فلما رأو ذلك دعوه إلى ما هم عليه يعني من نصره آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب قال أبو الحسن بن رزقويه أنبأنا مظفر بن يحيى حدثنا أحمد بن محمد المرثدي حدثنا أبو إسحاق الطلحي حدثني أبو مسلم محمد بن المطلب ابن فهم من ولد أبي مسلم صاحب الدعوة قال كان اسم أبي مسلم إبراهيم بن عثمان بن يسار من ولد بزرجمهر وكان يكنى أبا إسحاق ولد بأصبهان ونشأ بالكوفة وكان أبوه اوصى إلى عيسى السراج فحمله إلى الكوفة وهو ابن سبع سنين فقال له إبراهيم بن محمد بن علي لما عزم على توجيهه إلى خرسان غير اسمك فإنه لا يتم لنا الامر إلا بتغير اسمك على ما وجدته في الكتب فقال قد سميت نفسي عبد الرحمن بن مسلم ثم تكنى أبا مسلم ومضى لشأنه وله ذؤابة فمضى على الحمار فقال له خذ نفقة قال ثم مات عيسى السراج ومضى أبو مسلم لشأنه وله تسع عشرة سنة وزوجه إبراهيم الإمام بابنة أبي النجم عمران الطائي وكانت بخراسان فبنى بها ابن دريد حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال حدثني رجل من خراسان عن أبيه قال كنت اطلب العلم فلا آتي موضعا إلا وجدت أبا مسلم قد سبقني اليه فألفته فدعاني إلى منزله ودعا بما حضر ثم لاعبته بالشطرنج وهو يلهو بهذين البيتين
ذروني ذروني ما قررت فإنني * متى ما اهج حربا تضيق بكم ارضي
وابعث في سود الحديد اليكم * كتائب سود طالما انتظرت نهضي
قال رؤبة بن العجاج كان أبو مسلم عالما بالشعر وقال أبو أحمد الجلودي حدثنا محمد بن زكوية قال روي لنا أن أبا مسلم صاحب الدولة قال ارتديت الصبر وآثرت الكتمان وحالفت الاحزان والاشجعان وسامحت المقادير والاحكام حتى ادركت بغيتي ثم أنشد
قد نلت بالحزم والكتمان ما اعجزت * عنه ملوك بني مروان إذا حشدوا
ما زلت اضربهم بالسيف فأنتبهوا * من رقدة لم ينمها قبلهم أحدا
طفقت اسعى عليهم في ديارهم * والقوم في ملكهم بالشام قد رقدوا
ومن رعى غنما في ارض مسبعة * ونام عنها تولى رعيها الاسد
ورويت هذه عن الحسن بن عقيل التبعي عن أبيه قال محمد بن عبد الوهاب الفراء سمعت علي بن عثام يقول قال إبراهيم الصائغ لما رأيت العرب وصنيعها خفت ألا يكون لله فيهم حاجة فلما سلط الله عليهم أبا مسلم رجوت أن تكون لله فيهم حاجة قلت كان أبو مسلم بلاء عظيما على عرب خراسان فإنه ابادهم بحد السيف قال أحمد بن سيار في تاريخ مرو حدثنا الحسن بن رشيد العنبري سمعت يزيد النحوي يقول اتاني إبراهيم بن إسماعيل الصائغ فقال لي ما ترى ما يعمل هذا الطاغية إن الناس معه في سعة غيرنا أهل العلم قلت لو علمت أنه يصنع بي إحدى الخصلتين لفعلت إن امرت ونهيت يقيل أو يقتل ولكني اخاف أن يبسط علينا العذاب وانا شيخ كبير لا صبر لي على السياط فقال الصائغ لكني لا أنتهي عنه فذهب فدخل عليه فأمره ونهاه فقتله وذكر بعضهم أن أبا مسلم كان يجتمع قبل أن يدعو بإبراهيم الصائغ ويعده باقامة الحق فلما ظهر وبسط يده دخل عليه فوعظه قال محمد بن سلام الجمحي دخل أبو مسلم على أبي العباس السفاح فسلم عليه وعنده اخوه أبو جعفر فقال له يا أبا مسلم هذا أبو جعفر فقال يا أمير المؤمنين هذا موضع لا يؤدى فيه إلا حقك وكانت بخراسان فتن عظيمة وحروب متواترة فسار الكرماني في جيش في سنة تسع وعشرين ومئة فالتقاه سلم بن احوز المازني متولي مروالروذ فانهزم أولا الكرماني ثم كر عليهم بالليل فاقتتلوا ثم انهم تهانوا ثم سار نصر بن سيار فحاصر الكرماني ستة اشهر وجرت امور يطول شرحها اوجبت ظهور أبي مسلم لخلو الوقت له فقتل الكرماني ولحق جموعه شيبان بن مسلمة السدوسي الخارجي المتغلب على سرخس وطوس فحاربم نصر بن سيار نحوا من سنة ونصف ثم اصطلح نصر وجديع بن الكرماني على أن يحاربوا أبا مسلم فإذا فرغوا من حربه وظهروا نظروا في امرهم فدس أبو مسلم إلى ابن الكرماني يخدعه ويقول إني معك فوافقه ابن الكرماني وانضم اليه فحاربا نصرا وعضم الخطب ثم إن نصر بن يسار كتب إلى أبي مسلم أنا ابايعك وانا احق بك من ابن الكرماني فقوي امر أبي مسلم وكثرت جيوشه ثم عجز عنه نصر وتقهقر إلى نيسابور واستولى أبو مسلم على اسبابه واهله ثم جهز أبو مسلم جيشا إلى سرخس فقاتلهم فقتل شيبان وقتلت ابطاله ثم التقى جيش أبي مسلم وجيش نصر وسعادة أبي مسلم في اقبال فانهزم أصحاب نصر وتأخر هو إلى قومس ثم ظفر أبو مسلم بسلم بن احوز الأمير فقتله واستولى على مدائن خرسان في اواخر سنة ثلاثين وظفر بعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الهاشمي فقتله ثم جهز أبو مسلم قحطبة بن شبيب فالتقى هو ونباتة بن حنظلة الكلابي على جرجان فقتل الكلابي وتمزق جيشه وتقهقر نصر بن سيار إلى وراء وكتب إلى متولي العراق يزيد بن عمر بن هبيرة والى الخليفة مروان يستصرخ به ولات حين مناص وكثرت البثوق على مروان من خوارج المغرب ومن القائمين باليمن وبمكة وبالجزيرة وولت دولته فجهز ابن هبيرة جيشا عظيما فنزل بعضهم بهمدان وبعضهم بماه فالتقاهم قحطبة ابن شبيب بنواحي اصبهان في رجب سنة إحدى وثلاثين فانكسر جيش ابن هبيرة ثم نازل قحطبة نهاوند يحاصرها وتقهقر نصر بن سيار إلى الري ذكر ابن جرير أن جيش ابن هبيرة كانوا مئة ألف عليهم عامر بن ضبارة وكان قحطبة في عشرين ألفا فنصب قحطبة رمحا عليه مصحف ونادوا يا أهل الشام ندعوكم إلى ما في المصحف فشتموهم فحمل قحطبة فلم يطل القتال حتى انهزم جند مروان ومات نصر بن سيار بالري وقيل بساوة وامر أولاده أن يلحقوا بالشام وكان ينشد لما ابطأ عنه المدد