محمد يونس نصير الفقراء
عندما نتحدث عن محاولة مساعدة الآخرين ومد يد العون لهم فكأننا نضيء شمعة في وسط ظلام دامس هذا ما فعله الاقتصادي المتميز محمد يونس عندما قرر مواجهة حالة الفقر المدقع التي يمر بها شعب بلاده من البنجاليين فهو آمن بالمثل الذي يقول "إذا أردت مساعدتي فلا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطادها" تعتبر حالة المثل هذه مشابهة بشكل أو بأخر لما فعله محمد يونس فلم يحاول أن يقدم النقود لأبناء شعبه كوسيلة للمساعدة بل أعطاهم الفرصة لأن يقوموا بمشاريعهم الخاصة والتربح منها دون القلق من كيفية سداد القروض وفوائدها وهذا ما سوف نتعرف عليه من خلال السطور القادمة ،ومن خلال تجربة فريدة قام بها هذا الاقتصادي المتميز من أجل مساعدة الآخرين فأصبح مثل وتجربة فريدة يسعى الكثيرين لتقليدها.
ونتيجة لجهود محمد يونس في توفير مستوى معيشي أفضل للفقراء من خلال إقراضهم لبدء مشاريعهم المتناهية الصغر استحق بجدارة الحصول على جائزة نوبل في السلام هو وبنكه "جرامين" تقديراً لإنجازاته في حل مشاكل الفقراء.
النشأة
ولد محمد يونس في عام 1940م بمدينة شيتاجونج ببنجلاديش لعائلة ميسورة الحال إلى حد ما حيث كان والده يعمل صائغاً، ووالدته هي السيدة صفية خاتون، عمل والده دائماً على الدفع بأولاده نحو العلم فكان حريصا على أن يجعلهم يرتقون أعلى الدرجات العلمية وقد كان له ما أراد.
ففي عام 1965م وبعد أن وصل يونس إلى مكانة علمية متميزة حصل على منحة من مؤسسة فولبرايت لدراسة الدكتوراه في جامعة فاندربيلت بولاية تينيسي بالولايات المتحدة الأمريكية، ليصبح بعد ذلك رئيساً لقسم الاقتصاد في جامعة شيتاجونج ببنجلاديش.
ظروف صعبة
شارك يونس أثناء فترة تواجده في البعثة العلمية ضمن الحركة الطلابية البنغالية المؤيدة للاستقلال وذلك عندما نشبت حرب تحرير بنجلاديش، وكان لهذه الحركة دور بارز ومهم في تحقيق الاستقلال.
عاد يونس إلى بلاده المستقلة حديثاً في عام 1972م ليجد الأهالي بها يعيشون في أسوء الظروف وتحت ضغوط معيشية صعبة، ثم جاء عام 1974م لتأتي معه مأساة جديدة لهذا الشعب الفقير حيث حدثت بالبلاد مجاعة راح فيها حوالي مليون ونصف من أبناء الشعب البنجالي.
كل هذه الظروف الصعبة التي مرت بها بنجلاديش والمعاناة التي عاشها الشعب كان من الممكن أن يمر عليها أي شخص عادي ببعض الحزن والتألم لأحوال هذا الشعب الفقير، ولكنها لم تمر على محمد يونس هكذا لقد أصر أن يتوقف عند هذه النقطة من أجل أن يجد حل لها، وحاول ساعياً بكل جهده من أجل تقديم العون والمساعدة للنهوض بمستوى المعيشة لهؤلاء الأفراد.
موقفه من معاناة شعبه
قرر يونس ألا يقف موقف المتفرج لهذه المجاعة التي يعاني منها الشعب بل قرر كرجل اقتصاد أن يستغل علمه والنظريات الاقتصادية المختلفة في محاولة إخراج هؤلاء الفقراء من دائرة الفقر هذه التي تفرض عليهم حصاراً قاسياً لا يستطيعون الإفلات منه.
فعمل على قيادة مجموعات من طلابه إلى جوالات ميدانية في العديد من القرى وكانت البداية بقرية قريبة من الحرم الجامعي وهي قرية جوبر وذلك لكي يضع يده على الأسباب المؤدية لهذه المشكلة، وبعد تفقد العديد من هذه القرى بدأ يستوضح الأسباب ويحصل على الإجابات المختلفة لأسئلته وكانت نتيجة هذه البحوث التي قام بها برفقة طلابه هي أن الفرد البنغالي الفقير حينما ينوي أن يعمل مشروعه الخاص يجد نفسه يحتاج لقرض لكي يبدأ مشروعه فيلجأ للمرابين الذين يقومون بإقراضه المال اللازم ولكن مع أعباء الفوائد والديون يجد نفسه عند نجاح المشروع مطالب بسداد القرض والفوائد الضخمة ولا يجد له في النهاية سوى أقل القليل الذي يكفي فقط لمطالب الحياة البسيطة.
ومن هنا وضع الاقتصادي محمد يونس يده على المشكلة وجاءت اللحظة التي سوف يقدم فيها الحل وكان الحل من وجهة نظره هي أن يقوم الفقراء بمشاريعهم الخاصة وفي نفس الوقت يجدون عائد مناسب من وراءها، الأمر الذي يوفر لهم المال اللازم لمستوى معيشة معقول مع عدم المعاناة من سداد الفوائد.
بداية جديدة
وبالفعل شرع في تنفيذ هذه الفكرة فقام بتقديم قرض من جيبه الخاص لعدد من النساء الفقيرات ليبدأن مشروعهن الخاص مع عدم تحديد وقت معين لسداد القرض وبدون فوائد، ولكن فكر أن هذا الوضع لن يضمن الاستمرار ولذلك بدأ في عرض الفكرة على عدد من البنوك منها البنك المركزي وعدد من البنوك التجارية وحاول إقناعهم بفكرة وضع نظام خاص لإقراض الفقراء، ولكن جميع محاولاته باءت بالفشل.
مشروع جرامين " القرية"
عندما فشل يونس في إقناع البنوك بتبني فكرته من أجل إقراض الفقراء قرر أن يخوض معركته بنفسه فقام باقتراض مبلغ من المال ليبدأ به مشروعه الخاص وقد كان، عمل في الفترة التالية على دراسة المشروع مع عدد من طلابه ومحاولة توفير عوامل النجاح له وذلك في الفترة من عام 1976م وحتى عام 1979م وبدأ المشروع في قرية جوبرا، وبالفعل أثبت يونس نجاح نظريته في إقراض الفقراء فلقد حقق مشروعه جرامين أو القرية نجاحاً ساحقاً وتمكن من خلال هذا المشروع من نقل أكثر من 500 أسرة من حالة الفقر المدقع إلى حالة جديدة من الاستقرار المعيشي.
بعد هذا النجاح المبهر الذي حققه مشروع "جرامين" قرر البنك المركزي تبني المشروع وتقديم المساعدة له، وبحلول عام 1981م تطور المشروع وزاد حجمه ليضم خمس مقاطعات، وفي عام 1983م عرف المشروع ببنك جرامين وانتشرت فروع كثيرة للبنك وأصبح يضم ما يقترب من 60 ألف عميل .
المقدرة على العطاء
جميل أن يكون الفرد عنده القدرة على العطاء، فعلى الرغم من وصول محمد يونس إلى مكانة علمية واجتماعية مميزة إلا أنه رفض التخلي عن أبناء شعبه من الفقراء فلم يبخل بعلمه عليهم وأستغل هذا العلم في إفادة غيره، تمكن هذا الرجل بتوجيه فكره الاقتصادي نحو هدف جديد وهو إقراض الفقراء ،وخاصة النساء منهم لبدء مشاريعهم الخاصة المتناهية الصغر بدل من أن يقوم بمنحهم المساعدات والهبات، وعدم قصر القروض البنكية على الأغنياء فقط لتمتعهم بالضمانات، فعمل يونس على فتح المجال أمام طبقة جديدة من المجتمع لممارسة أنشطتها الخاصة والاستفادة من عوائد هذا النشاط.
تفرغ يونس بعد أن وصل ببنك جرامين لمكانة متميزة من عمله الأكاديمي لمتابعة مشروعه المتميز الذي عم بالفائدة على المواطن البنجالي.
التكريم
رجل مثل محمد يونس يستحق بجدارة أن ينال التكريم في العديد من المحافل الدولية وجاءت جائزة نوبل للسلام الذي حصل عليها بنك جرامين مناصفة مع مؤسسه الاقتصادي العبقري محمد يونس في عام 2006 لتثبت للعالم أجمع مدى اهتمام هذا الرجل بشعبه ومحاولته من أجل النهوض بالفقراء وضمان مستوى معيشي متميز لهم بعيدا عن المساعدات والهبات، كما حصل على التكريم من الأمم المتحدة.
وعندما وجه إليه سؤال من أحد الصحفيين عن سبب حصوله على جائزة نوبل في السلام وليس في الاقتصاد قال: " القضاء على الفقر هو الذي يحقق السلام الحقيقي، فلا يوجد احترام للذات ولا المكانة عندما يكون المرء مكبلا بالفقر"، وأضاف " الآن الحرب ضد الفقر ستصبح أشد في أنحاء العالم، سوف نعزز الكفاح ضد الفقر من خلال تقديم قروض صغيرة في معظم بقاع العالم".