الجمهوريّة اللبنانيّة
الموقع
يقع لبنان في غربي قارة آسيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط الذي يحده من الغرب. ومن الشمال والشرق تحده سوريا ومن الجنوب تحده فلسطين المحتلة. تقع على ساحله الممتد على البحر المتوسط المدن التاريخية القديمة: بيروت، طرابلس، جبيل، صيدا، صور. تبلغ مساحة لبنان 10,452كم2، ويبلغ عدد سكانه المقيمين على أرضه حوالي 3,75 مليون نسمة، وهناك مثل هذا العدد من المغتربين اللبنانيين في مختلف أنحاء دول العالم. عاصمته بيروت التي تقع على ساحل البحر المتوسط.
نبذة تاريخية:
في التاريخ القديم:
استوطن العرب الكنعانيون في بلاد الشام قادمين إليها من شبه الجزيرة العربية. وقد استقروا على ساحل البحر المتوسط، فأنشؤوا مدناً كثيرة منها بيروت وصيدا (صيدون) وقد عرفوا باسم الفينيقيين، وهم لم يشكلوا دولة واحدة، بل شكلوا ممالك مدن مستقلة. واهتم الفينيقيون كثيراً بالزراعة والصناعة والتجارة، فازدهرت أحوالهم، وبلغت سفنهم التجارية مختلف أرجاء البحر المتوسط. فأسسوا عدة محطات تجارية لبضائعهم أصبحت فيما بعد مدنا كبيرة مشهورة وفي مقدمتها «قرطاجة» في تونس. والتي غدت فيما بعد دولة قوية نافست الرومان في السيطرة على البحر المتوسط. وكما نقل الفينيقيون تجارتهم إلى مختلف أنحاء العالم، كذلك نقلوا أبجديتهم التي اخترعوها والتي تعد أقدم أبجدية في التاريخ.
تعرضت هذه البلاد لغزوات آشورية وفارسية حتى جاء الإسكندر المقدوني حوالي 350 ق.م. ثم انتقلت السيطرة إلى الإمبراطورية الرومانية حوالي 64 ق.م. وقد تركوا عدة آثار ضخمة.
العهد الإسلامي:
بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم عام 11 هـ ـ 632م. بدأت الجيوش الإسلامية بالاتجاه شمالاً وشرقا لنشر الدين الإسلامي الجديد، وتوجه الجيش الإسلامي لفتح بلاد الشام وكان بقيادة خالد بن الوليد الذي انتصر على الروم في معركة اليرموك الخالدة والتي كانت بوابة العبور إلى منطقة بلاد الشام.
وقد توجه الصحابي معاوية بن أبي سفيان على رأس قوة من الجيش لفتح المدن الساحلية على البحر المتوسط بدءاً من صور وصيدا وبيروت وطرابلس. كما توجه القائد أبو عبيدة بن الجراح ويرافقه خالد بن الوليد لفتح دمشق ومنها نحو سهل البقاع فبعلبك ومدينة حمص.
وهكذا تم إخضاع هذه البلاد للخلافة الإسلامية. وكذلك بقيت المنطقة في العهد الأموي والعهد العباسي الأول. وفي العهد العباسي الثاني الذي تميز بالضعف ونشوء الدويلات، فقد كانت هذه البقعة تتبع دويلات مختلفة كالإخشيديين والحمدانيين والأيوبيين والزنكيين والمماليك حتى مجيء العثمانيين، حيث انتصروا على المماليك في معركة مرج دابق قرب حلب عام 1516م. فدخلوا بلاد الشام، وأخضعوها لحكمهم الذي استمر لمدة 400 سنة. وقد قامت في جبل لبنان عدة ثورات مناهضة للوجود العثماني من بدايته كان أهمها حركة فخر الدين المعني الثاني.
أحداث لبنان 1868 والإستقلال الذاتي:
بعد فشل حملة إبراهيم باشا بن محمد علي والي مصر على بلاد الشام في عام 1841 م بدأ تنافس حاد بين الفرنسيين والانكليز أسفرت عنه حوادث دامية بين (1845 ـ 1860 م).ونشأت هذه الحوادث عندما عمد كل من قناصل الدول الأربع (إنكلترا وروسيا والنمسا وفرنسا) إلى نشر الدسائس بين السكان كل لمصلحته، واتخاذ الدين وسيلة لذلك، فقد اعتمد قنصل إنكلترا على الطائفة الدرزية، واعتمد ممثل روسيا على الطائفة الأرثوذكسية، وممثل النمسا على الموارنة الكاثوليك منافساً بذلك الفرنسيين الذين كانوا يعتمدون على هؤلاء. أما الدولة العثمانية فقد بسطت سيطرتها المباشرة على المنطقة ولكنها على الأرض كانت ضعيفة، ونتيجة تأريث البغضاء بين الدروز والمسيحيين قامت بعض الاضطرابات المؤسفة، فأقيم نظام إداري جديد في جبل لبنان قضى على ما كان سائداً من أن يكون حاكم الجبل أحد أمراء الإقطاع هناك، وأصبح يتولى السلطة بدلاً منه حاكم تركي يعين تعييناً، وقسم الجبل إلى قائمقاميتين، وازدادت المنافسة بين إنكلترا إلى جانب الدروز وفرنسا إلى جانب الموارنة ونشبت الاضطرابات ثانية عام 1845، وعمد وزير الخارجية العثماني وقتها شكيب أفندي على الإبقاء على هذا النظام مع تغيير في الإدارة انتقص من قوة زعماء الإقطاع.
وفي عام 1857 م نشبت ثورة الفلاحين الموارنة (ضد الإقطاع) في كسروان وبعض مناطق شمالي جبل لبنان، دعمها رجال الدين الموارنة، وامتدت إلى المناطق الدرزية في عام 1860 م حيث تحولت إلى فتنة طائفية، وامتدت موجتها إلى دمشق كانت ضحاياها في جبل لبنان مروعه، وكادت أن تتزايد لولا تدخل بعض العقلاء والمخلصين من الطرفين (المسيحيين والمسلمين).هذه الأحداث حفزت الباب العالي والدول الكبرى إلى العمل لإنهائها. فأبحرت السفن الحربية الأجنبية إلى المياه السورية. وقام الوالي العثماني بفصل جبل لبنان عن بقية بلاد الشام بأن وضع له نظام حكم جديد تميز بأنه اعتمد على أسس واسعة من الحكم الذاتي. وأعلنت الدول الأجنبية (فرنسا وبريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا وإيطاليا) ضمانها لهذا النظام وبدأت كل منها تعمل على بسط نفوذها السياسي والثقافي فيه، سواء عن طريق الإرساليات التبشيرية والتعليمية أو الامتيازات الاقتصادية.
وهكذا قامت متصرفية جبل لبنان بموجب بروتوكول 1861 والمعدل عام 1864 م وقد تألفت هذه المتصرفية من سبعة أقضية هي:
الكورة ـ البترون ـ كسروان ـ المتن ـ الشوف ـ جزين ـ زحلة ـ بالإضافة إلى مديريتي دير القمر والهرمل.
ـ ولاية بيروت: فقد كانت ولاية عثمانية ملحقة بسوريا ويتبعها صيدا وصور ومرجعيون ثم تبعها أيضاً طرابلس واللاذقية في الشمال وعكا ونابلس في الجنوب.
ـ البقاع: كان ملحقاً بولاية دمشق. وكان مكوناً من أربعة أقضية: بعلبك ـ راشيا ـ حاصبيا ـ البقاع الغربي. أما موقف اللبنانيين من الدولة العثمانية فقد انقسم عبر الجمعيات الثقافية التي أنشأت. وكان بعض هذه الجمعيات يعمل سراً كالجمعية العربية الفتاة والقحطانية، وبعضها الآخر يعمل علناً كجمعية بيروت الإصلاحية، وحزب اللامركزية الادارية العثماني وجمعية العهد. وقد ظهر اتجاهان متبانيان هما:
ـ اتجاه يدعو إلى اللامركزية، أي منح لبنان استقلالاً ذاتياً مع بقاء ارتباطه بالدولة العثمانية.
ـ اتجاه يدعو إلى الإستقلال التام عن الدولة العثمانية.
إلا أن حكم الإستقلال الذاتي الذي منح لمتصرفية الجبل سرعان ما ألغي بقرار من الدولة العثمانية عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى في 5 آب 1914، وجمع جميع الرجال للمشاركة في الحرب إلى جانب الدولة العثمانية.
فازدادت النقمة على الدولة العثمانية وخاصة عقب انتهاء الحرب وهزيمة الألمان وحلفاءهم الأتراك الأمر الذي أدى إلى ازدياد الضائقة الاقتصادية وانتشار الأمراض والأوبئة. ثم قيام محكمة عالية ودمشق العرفية التي شكلها جمال باشا بحملة اعتقالات واسعة تلتها أحكام بالإعدام على رموز المعارضة في 20 آب 1915 و6 أيار 1916، الأمر الذي سرع اندلاع الثورة العربية الكبرى.
الثورة العربية الكبرى:
بعد شهر من تنفيذ أحكام الإعدام في كل من بيروت ودمشق، كانت استعدادات الشريف حسين قد اكتملت في مكة، بالاتفاق مع البريطانيين (حسب مراسلات حسين ومكماهون) وتفاهم الشريف مع شيوخ القبائل، واستدعى ابنه الأمير فيصل من دمشق، واتفق على أن يوم الاثنين في 5/حزيران/1916 موعداً لانطلاق الثورة من المدينة المنورة حيث اعلن استقلال العرب عن الحكم العثماني.
فاندلعت الثورة في الموعد المحدد، فسقطت مكة وصمدت المدينة، وراحت مدن الحجاز تسقط وسار فيصل إلى الشمال صوب بلاد الشام بعد أن حرر شمالي الحجاز بالكامل ونودي بالشريف حسين ملكاً على البلاد العربية في أوائل سنة 1917م.
دخل فيصل مدينة العقبة وأرسل ابن عمه الشريف ناصر باتجاه سوريا فوصل في 30 أيلول 1918 إلى ضواحي دمشق فاستقبلته حكومة مؤقتة كانت قد تألفت برئاسة الأمير سعيد الجزائري للمحافظة على الأمن واستمرت ثلاثة أيام فقط ورفعت الأعلام العربية في دمشق. وكلف فيصل رضا الركابي بتأليف أول حكومة وبعث الفريق شكري الأيوبي إلى بيروت ممثلاً وحاكماً، فعين حبيب باشا السعد حاكماً على لبنان بعد قسم اليمين ولاءً للشريف حسين، وارتفع العلم العربي فوق سراي بعبدا وفوق بعبدا وفوق سراي بيروت.
إلا أن الأمور لم تطل على هذه الحالة إذ في 8 تشرين الأول كانت القوات الفرنسية تنزل على شواطىء بيروت لتنزل علم الحكومة العربية وترفع العلم الفرنسي وهكذا دخلت المنطقة تحت الحكم الأجنبي تنفيذاً للاتفاقية التي جرى توقيعها بين فرنسا وبريطانيا (سايكس بيكو) والتي تقسم البلاد العربية إلى دويلات مستعمرة لكلتا الدولتين.