ليبيا
الموقع
تقع ليبيا في شمال أفريقيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط الذي يحدها شمالاً، ومن الشمال الغربي تونس، ومن الغرب الجزائر، ومن الجنوب الغربي النيجر ومن الجنوب تشاد، ومن الجنوب الشرقي السودان، ومن الشرق مصر. معظم الأراضي الليبية جزء من الصحراء الكبرى، كما يوجد فيها عدة مرتفعات كالجبل الأخضر وجبل عوينات وسلسلة جبال الحجار وكثير من الواحات.
عاصمتها طرابلس الغرب، وأهم المدن: بنغازي، مصراتة، طبرق.
وتبلغ مساحة ليبيا 1,775,500كم2 وعدد السكان بلغ حوالي 5 ملايين نسمة.
نبذة تاريخية:
لقد ارتبط تاريخ ليبيا بتاريخ شمال أفريقيا والمغرب العربي، فظهرت فيها عدة حضارات بداية بحضارة «دابا» في منطقة الجبل الأخضر حوالي 10,000 ق.م. ومن برقة انطلقت حضارة العصر الحجري الحديث محققة بداية الثورة الزراعية التي أدت إلى تحقيق تقدم نسبي في المجالات الزراعية. وقد استمرت هذه الحقبة حتى 4000 ق.م. حيث دخل الإنسان عصر البرونز حوالي 2500 ق.م. بعد تلك المدة تبعت المنطقة للدولة الفينيقية التي كانت تبني لها مراكز مختلفة على طول ساحل البحر المتوسط. وكان لها في ليبيا مركز مهم وهي مدينة لبدة التي لا تزال آثار قلعتها شاهدة على ضخامة تلك الحضارة. ومع تسلم الفينيقيين البلاد أقاموا فيها، وبنوا فيها عدة قلاع أخرى واستقروا فيها حتى مجيء الرومان الذين مكثوا في البلاد حتى مجيء الإسلام.
العهد الإسلامي:
عين الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن العاص قائداً للجيش الإسلامي الذي وجهه لفتح مصر في عام 20 هـ. فسار عمرو باتجاه الغرب ففتح برقة وصالح أهلها، وأرسل عقبة بن نافع ففتح (زويلة) واتجه نحو بلاد النوبة، ثم انطلق عمرو إلى طرابلس الغرب ففتحها بعد حصار دام شهر وذلك في عام 27 هـ كما فتح صبراته وشروس. ثم منعه الخليفة أن يتقدم أكثر من ذلك.
وعند تسلم الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه زمام الحكم سمح بإكمال مسيرة الفتح باتجاه المغرب. وأرسل عبد الله بن سعد بن أبي سرح على رأس قوة، فاجتاز طرابلس، واستولى على سفن الروم كانت راسية هناك على الشاطىء. وبذلك وضع المسلمون أيديهم على هذه المنطقة.
وقد تبعت ليبيا لولاية أفريقيا في العهد الأموي وأول العهد العباسي. في عهد نشوء الدويلات في العصر العباسي الثاني تعاقب على السيطرة على ليبيا عدة إمارات ودويلات كالأغالبة والدولة العبيدية أو الفاطمية ثم المماليك.
وبعد سقوط بلاد الأندلس بيد الإسبان، وخروج المسلمين منها عام 898 هـ. بدأت الأطماع الاستعمارية تتجه نحو السواحل المواجهة لبلاد الأندلس وما جاورها. وفعلاً فقد انسلوا من مواقعهم واحتلو بعض المناطق على شواطىء البحر المتوسط.
وقد لحقت باقي دول أوروبا بالإسبان في غزوهم لهذه المناطق. فانطلق الطليان بقيادة «فيليب دوريا» بزيارة ودية لمدينة طرابلس الغرب فغدروا بأهلها واحتلوها وكانت ليبيا تحت حكم الحفصيين من عام 1207م. ولم يخرجوا منها إلا بعد أن افتداها أمير مدينة قابس الحفصي بمبلغ كبير من الذهب.
وفي عام 916 هـ. تعرضت منطقة برقة الليبية للاحتلال من قبل فرسان مالطة (فرسان القديس يوحنا الأوشليمي)، غير أن المماليك عادوا وأخرجوهم منها بالقوة. وفي العام نفسه دخلت قوة إسبانية مدينة طرابلس بقيادة «بترونافار» وفي عام 936 هـ قرر «شارل الخامس» ملك اسبانيا التنازل عن طرابلس لفرسان مالطة مقابل مساعدتهم للإسبان في الأعمال البحرية ضد العثمانيين.
وهكذا بقي فرسان مالطة في طرابلس حتى عام 958 هـ. حيث جاء العثمانيون.
الصراع العثماني الأوروبي في ليبيا:
عمل العثمانيون على تطهير البلاد العربية والإسلامية من الاحتلالات الصليبية، ولهذا السبب وصل القائد العثماني «سنان باشا» إلى طرابلس، واستطاع قائد البحرية في الجيش العثماني (طرغول) دخولها عام 958 واخراج المالطيين منها المدعومين من إسبانيا. وقد حاولت اسبانيا العودة إلى ليبيا إلا أن محاولاتها جميعها باءت بالفشل. أما منطقة برقة والتي كانت تتبع المماليك، فلما حل العثمانيون محلهم في مصر عام 921 هـ تبعتهم منطقة برقة بطبيعة الحال.
وهكذا أصبحت ليبيا ولاية عثمانية، وكان «مراد آغا» أول والٍ عثماني على البلاد. ومن أهم آثاره المسجد الذي لا يزال قائماً حتى الآن في مدينة «تاجوراء». واستمر الولاة العثمانيون يتعاقبون على الحكم حتى عام 1123 هـ/1711م. حيث استقل في البلاد، «أحمد القره مانلي» الذي أسس اسرة استمرت تحكم المنطقة ولم يكن يربطها بتركيا شيء في هذه الفترة إلا دفع الجزية السنوية.
إلا أن احتلال الفرنسيين للجزائر، وتمرد محمد علي في مصر واحتلاله لبلاد الشام، دعا بالدولة العثمانية إعادة التفكير بجدية في ليبيا، فأرسلت حملة عسكرية قضت على الدولة القرمانية وأعادت ليبيا إلى الدولة العثمانية، وراحت ترسل الولاة من جديد، وعملت على إثارة العاطفة الإسلامية، كما عملت على تخفيف الضرائب عن السكان في محاولة منها لتحسين الأوضاع الاقتصادية.
ولزيادة عدد المسلمين في ليبيا، قامت الدولة العثمانية بإسكان بعض العائلات الكردية المسلمة في منطقة سرت، وقدمت لها المساعدات لتقوم بالزراعة، إلا أن المشروع قد فشل.
الاحتلال الإيطالي:
كانت إيطاليا تعد تونس وليبيا مناطق نفوذ لها بعد احتلال فرنسا للجزائر. فقد هاجر عدد من الطليان إليها، وأنشؤوا شركات تجارية، وبنوا المدارس النصرانية لأفراد جاليتهم، إلا أن فرنسا عملت على احتلال تونس، وقد ساعدتها الظروف السياسية على ذلك، فوجهت إيطاليا عند ذلك نظرها إلى ليبيا، وخاصة بعد أن هزمت ايطاليا في القرن الأفريقي الغربي، وقد وقفت ايطاليا إلى جانب فرنسا في العديد من المواقف الدولية املاً بأن تقف فرنسا مع إيطاليا في قضية احتلال ليبيا.
وكذلك جرى الاتفاق مع إنكلترة مقابل أن تقوم إنكلترا باحتلال مصر. وهكذا جرى تقسيم بلدان شمالي أفريقيا بين هذه الدول الأوروبية.
أصبح الطريق أمام إيطاليا مفتوحاً إلى ليبيا، لكنها كانت تنتظر المناسبة، فعمدت إلى فتح فرع لبنك دي روما في طرابلس، وراحت تقدم المساعدات المالية للفلاحين، وعندما يتعذر على الفلاحين تسديد ديونهم كان البنك يستولي على أراضيهم. كما أرسلت الدولة الإيطالية بعثات التبشير النصرانية الكاثوليكية، وبدأ الغزو الفكري.
وعند ذلك شعرت الدولة العثمانية بالخطر الآتي من إيطاليا فعملت على إرسال كميات من الأسلحة إلى ليبيا، فاحتجت إيطاليا بشدة وطلبت من العثمانيين الانسحاب خلال 24 ساعة من ليبيا، والتخلي عنها لمصلحتهم.
وقد ساعد إيطاليا على ذلك، الضعف الذي حلَّ بالدولة العثمانية إثر الانقلاب الذي حل بالدولة العثمانية ومجيء جماعة الاتحاد والترقي إلى الحكم، وقد لمست إيطاليا هذا الضعف تماماً.
ومع انتهاء المدة المحددة، قامت البوارج الإيطالية بضرب مدينة طرابلس واحتلالها واحتلال أيضاً مدينة بنغازي في برقة، كما دخلت مدينة طبرق. وعملت إيطاليا على توسيع رقعة المعركة كي تضغط على الدولة العثمانية، فاحتلت الجزر القريبة من سواحل الأناضول ورودوس، وأرسلت أسطولاً ضرب بيروت.
وهذا ما أجبر العثمانيين على عقد معاهدة (أوشي) مع إيطاليا قرب لوزان، تنازلت فيها عن ليبيا لأيطاليا وذلك عام 1330 هـ/1912م.
وقد واجه الإيطاليون عند احتلالهم ليبيا المجاهدين المتطوعين للدفاع عن أرضهم بقيادة أحمد شريف السنوسي، وكان هناك أيضاً بعض القوات العثمانية بقيادة عبد العزيز علي المصري في منطقة برقة، فوقعت فيها أشرس المعارك قرب الساحل وأشهرها معركة يوم الجمعة في 10 جمادي الآخرة 1331 هـ/1913 م، وقد اشترك فيها أيضاً أحمد شريف السنوسي بنفسه، وهُزم الطليان وفشلوا في احتلال الجبل الأخضر.
واستطاع الطليان الوصول إلى فزان واحتلال واحة مرزوق وبدأت بعد ذلك حرب العصابات حيث استطاع المجاهدون إجبار الإيطاليين على ترك فزان وحصرهم ثانية في الساحل.