عبد الله بن الزبير
عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة
أمير المؤمنين أبو بكر وأبو خبيب القرشي الأسدي المكي ثم المدني أحد الأعلام وَلد الحواري الإمام أبي عبد الله ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه مسنده نحو من ثلاثة وثلاثين حديثا اتفقا له على حديث واحد وانفرد البخاري بستة أحاديث ومسلم بحديثين كان عبد الله أول مولود للمهاجرين بالمدينة ولد سنة اثنتين وقيل سنة إحدى وله صحبة ورواية أحاديث عداده في صغار الصحابة وإن كان كبيرا في العلم والشرف والجهاد والعبادة وقد روى أيضا عن أبيه وجده لأمه الصديق وأمه أسماء وخالته عائشة وعن عمر وعثمان وغيرهم حدث عنه أخوه عروة الفقيه وابناه عامر وعباد وابن أخيه محمد بن عروة وعبيدة السلماني وطاووس وعطاء وابن أبي مليكة وعمرو بن دينار وثابت البناني وأبو الزبير المكي وأبو إسحاق السبيعي ووهب بن كيسان وسعيد بن ميناء وحفيداه مصعب بن ثابت بن عبد الله ويحيى ابن عباد بن عبد الله وهشام بن عروة وفاطمة بنت المنذر بن الزبير وآخرون وكان فارس قريش في زمانه وله مواقف مشهودة قيل إنه شهد اليرموك وهو مراهق وفتح المغرب وغزو القسطنطينية ويوم الجمل مع خالته وبويع بالخلافة عند موت يزيد سنة أربع وستين وحكم على الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان وبعض الشام ولم يستوسق له الأمر ومن ثم لم يعده بعض العلماء في أمراء المؤمنين وعد دولته زمن فرقة فإن مروان غلب على الشام ثم مصر وقام عند مصرعه ابنه عبد الملك بن مروان وحارب ابن الزبير وقتل ابن الزبير رحمه الله فاستقل بالخلافة عبد الملك وآله واستوسق لهم الأمر إلى أن قهرهم بنو العباس بعد ملك ستين عاما قيل إن ابن الزبير أدرك من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أعوام وأربعة أشهر وكان ملازما للولوج على رسول الله لكونه من اله فكان يتردد إلى بيت خالته عائشة
شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه وزوجته فاطمة قالا خرجت أسماء حين هاجرت حبلى فنفست بعبد الله بقباء قالت أسماء فجاء عبد الله بعد سبع سنين ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أبوه الزبير فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا ثم بايعه حديث غريب وإسناده قوي
قال الواقدي عن مصعب بن ثابت عن يتيم عروة أبي الأسود قال لما قدم المهاجرون أقاموا لا يولد لهم فقالوا سحرتنا يهود حتى كثرت القالة في ذلك فكان أول مولود ابن الزبير فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر فأذن في أذنيه بالصلاة وقال مصعب بن عبد الله عن أبيه قال كان عارضا ابن الزبير خفيفين فما اتصلت لحيته حتى بلغ الستين وفي البخاري عن عروة أن الزبير أركب ولده عبد الله يوم اليرموك فرسا وهو ابن عشر سنين ووكل به رجلا
التبوذكي حدثنا هنيد بن القاسم سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير سمعت أبي يقول أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم فلما فرغ قال يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه فلما رجع قال ما صنعت بالدم قال عمدت إلى أخفى موضع علمت فجعلته فيه قال لعلك شربته قال نعم قال ولم شربت الدم ويل للناس منك وويل لك من الناس قال موسى التبوذكي فحدثت به أبا عاصم فقال كانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم رواه أبو يعلى في مسنده وما علمت في هنيد جرحة خالد الحذاء عن يوسف أبي يعقوب عن محمد بن حاطب والحارث قالا طالما حرص ابن الزبير على الإمارة قلت وما ذلك قالا أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلص فأمر بقتله فقيل إنه سرق فقال اقطعوه ثم جيء به في إمرة أبي بكر وقد سرق وقد قطعت قوائمه فقال أبو بكر ما أجد لك شيئا إلا ما قضى فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أمر بقتلك فأمر بقتله أغيلمة من أبناء المهاجرين أنا فيهم فقال ابن الزبير أمروني عليكم فأمرناه فانطلقنا به إلى البقيع فقتلناه هذا خبر منكر فالله أعلم
قال الحارث بن عبيد حدثنا أبو عمران الجوني أن نوفا البكالي قال إني لأجد في كتاب الله المنزل أن ابن الزبير فارس الخلفاء مهدي بن ميمون حدثنا محمد بن أبي يعقوب أن معاوية كان يلقى ابن الزبير فيقول مرحبا بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حواري رسول الله ويأمر له بمئة ألف ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال ذكر ابن الزبير عند ابن عباس فقال قارىء لكتاب الله عفيف في الإسلام أبوه الزبير وأمه أسماء وجده أبو بكر وعمته خديجة وخالته عائشة وجدته صفية والله إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر مسلم الزنجي سمعت عمرو بن دينار يقول ما رأيت مصليا قط أحسن صلاة من عبد الله بن الزبير عبد الصمد بن عبد الوارث حدثتنا ماطرة المهرية حدثتني خالتي أم جعفر بنت النعمان أنها سلمت على أسماء بنت أبي بكر وعندها ابن الزبير فقالت قوام الليل صوام النهار وكان يسمى حمامة المسجد قال ابن أبي مليكة قال لي عمر بن عبد العزيز إن في قلبك من ابن الزبير قلت لو رأيته ما رأيت مناجيا ولا مصليا مثله وروى حبيب بن الشهيد عن ابن أبي مليكة قال كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام ويصبح في اليوم السابع وهو أليثنا قلت لعله ما بلغه النهي عن الوصال ونبيك صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم وكل من واصل وبالغ في تجويع نفسه انحرف مزاجه وضاق خلقه فاتباع السنة أولى ولقد كان ابن الزبير مع ملكه صنفا في العبادة أخبرنا إسحاق بن طارق أخبرنا ابن خليل أخبرنا أحمد بن محمد أخبرنا الحداد أخبرنا أبو نعيم أخبرنا أبو حامد بن جبلة حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا أبو عاصم عن عمر بن قيس قال كان لابن الزبير مئة غلام يكلم كل غلام منهم بلغة أخرى فكنت إذا نظرت إليه في أمر آخرته قلت هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين وإذا نظرت إليه في أمر دنياه قلت هذا رجل لم يرد الله طرفة عين وقال مجاهد كان ابن الزبير إذا قام إلى الصلاة كأنه عود وحدث أن أبا بكر رضي الله عنه كان كذلك قال ثابت البناني كنت أمر بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك روى يوسف بن الماجشون عن الثقة يسنده قال قسم ابن الزبير الدهر على ثلاث ليال فليلة هو قائم حتى الصباح وليلة هو راكع حتى الصباح وليلة هو ساجد حتى الصباح
يزيد بن ابراهيم التستري عن عبد الله بن سعيد عن مسلم ابن يناق قال ركع ابن الزبير يوما ركعة فقرأنا بالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه قلت وهذا ما بلغ ابن الزبير فيه حديث النهي قال يزيد بن إبراهيم عن عمرو بن دينار قال كان ابن الزبير يصلي في الحجر والمنجنيق يصب توبه فما يلتفت يعني لما حاصروه وروى هشام بن عروة عن ابن المنكدر قال لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن تصفقه الريح وحجر المنجنيق يقع ها هنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال ما رأيت أحدا أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير مصعب بن عبد الله حدثنا أبي عن عمر بن قيس عن أمه أنها دخلت على ابن الزبير بيته فإذا هو يصلي فسقطت حية على ابنه هاشم فصاحوا الحية الحية ثم رموها فما قطع صلاته قال ميمون بن مهران رأيت ابن الزبير يواصل من الجمعة إلى الجمعة فإذا أفطر استعان بالسمن حتى يلين ليث عن مجاهد ما كان باب من العبادة يعجز عنه الناس إلا تكفله ابن الزبير ولقد جاء سيل طبق البيت فطاف سباحة وعن عثمان بن طلحة قال كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاثة شجاعة ولا عبادة ولا بلاغة إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أنس أن عثمان أمر زيدا وابن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوا المصاحف وقال إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم قال أبو نعيم حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال رأيت على ابن الزبير رداء عدنيا يصلي فيه وكان ميتا إذا خطب تجاوب الجبلان وكانت له جمة إلى العنق ولحية صفراء
مصعب بن عبد الله حدثنا أبي والزبير بن خبيب قالا قال ابن الزبير هجم علينا جرجير في عشرين ومئة ألف فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفا يعني نوبة إفريقية قال واختلف الناس على ابن أبي سرح فدخل فسطاطه فرأيت غرة من جرجير بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس بينه وبين جيشه أرض بيضاء فأتيت أميرنا ابن أبي سرح فندب لي الناس فاخترت ثلاثين فارسا وقلت لسائرهم البثوا على مصافكم وحملت وقلت لهم احموا ظهري فخرقت الصف إلى جرجير وخرجت صامدا وما يحسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه حتى دنوت منه فعرف الشر فثابر برذونه موليا فأدركته فطعنته فسقط ثم احتززت رأسه فنصبته على رمحي وكبرت وحمل المسلمون فارفض العدو ومنح الله أكتافهم معمر عن هشام بن عروة قال أخذ ابن الزبير من وسط القتلى يوم الجمل وبه بضع وأربعون ضربة وطعنة وقيل إن عائشة أعطت يومئذ لمن بشرها بسلامته عشرة آلاف وعن عروة قال لم يكن أحد أحب إلى عائشة بعد رسول الله من أبي بكر وبعده ابن الزبير
قال الواقدي حدثنا ربيعة بن عثمان وابن أبي سبرة وغيرهما قالوا جاء نعي يزيد في ربيع الآخر سنة أربع وستين فقام ابن الزبير فدعا إلى نفسه وبايعه الناس فدعا ابن عباس وابن الحنفية إلى بيعته فامتنعا وقالا حتى يجتمع لك الناس فداراهما سنتين ثم إنه أغلظ لهما ودعاهما فأبيا قال مصعب بن عبد الله وغيره كان يقال لابن الزبير عائذ بيت الله وقال ابن سعد أخبرنا محمد بن عمر حدثنا عبد الله بن جعفر عن عمته أم بكر قال وحدثني شرحبيل بن أبي عون عن أبيه وحدثنا ابن أبي الزناد وغيرهم قالوا لما نزل ابن الزبير بالمدينة في خلافة معاوية إلى أن قالوا فخرج ابن الزبير إلى مكة ولزم الحجر ولبس المعافري وجعل يحرض على بني أمية ومشى إلى يحيى بن حكيم الجمحي والي مكة فبايعه ليزيد فلم يرض يزيد حتى يؤتى به في جامعة ووثاق فقال له ولده معاوية بن يزيد ادفع عنك الشر ما اندفع فإن ابن الزبير لجوج لا يطيع لهذا أبدا فكفر عن يمينك فغضب وقال إن في أمرك لعجبا قال فادع عبد الله بن جعفر فاسأله عما أقول فدعاه فقال له أصاب ابنك أبو ليلى فأبى أن يقبل وامتنع ابن الزبير أن يذل نفسه وقال اللهم إني عائذ بيتك فقيل له عائذ البيت وبقي لا يعرض له أحد فكتب يزيد إلى عمرو الأشدق والي المدينة أن يجهز إلى ابن الزبير جندا فندب لقتاله اخاه عمرو بن الزبير في ألف فظفر ابن الزبير بأخيه بعد قتال فعاقبه وأخر عن الصلاة بمكة الحارث بن يزيد وقرر مصعب بن عبد الرحمن بن عوف وكان لا يقطع أمرا دون المسور بن مخرمة ومصعب بن عبد الرحمن وجبير ابن شيبة وعبد الله بن صفوان بن أمية فكان يشاورهم في أمره كله ويريهم أن الأمر شورى بينهم لا يستبد بشيء منه دونهم ويصلي بهم الجمعة ويحج بهم بلا إمرة وكانت الخوارج وأهل الفتن قد أتوه وقالوا عائذ بيت الله ثم دعا إلى نفسه وبايعوه وفارقته الخوارج فولى على المدينة أخاه مصعبا وعلى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وعلى الكوفة