الشيخ درويش الحريري
--------------------------------------------------------------------------------
من الفنانين العباقرة الذين قطعوا شوطا كبيرا في حياتهم لقب بأستاذ الأساتيذ . ظل شعلة متوقده الى أن لقى وجه ربه فى بداية النصف الثانى القرن العشرين . ولد في القاهرة عام 1881 وكان ذو عقل خصب وأنف كبير يشير إلى كبريائه وله فم متورم الشفتين وكان له صوت أسدى لا يخطئ النغم وإن لم يكن حلوا . ظل حتى آخر أيامه صاحب ذاكرة حديدية حفظ بها القرآن الكريم ولما يبلغ التاسعة .
نشأ محبا للموسيقى منذ طفولته شغفا بسماعها يتمنى جاهدا أن يكون من أبنائها . تتلمذ على زميليه الشيخين علي محمود واسماعيل سكر وكان يكبرانه في السن فتعلم منهما لكنه لم يكتف فهرع إلى كامل الخلعي وداود حسني وإبراهيم المغربي ومحمد عبد الرحيم المسلوب والسيد محمود الدمشقي يرتشف من مناهلهم ويحفظ ما عندهم عن ظهر قلب .
وكلما رأى عند موسيقي ما ليس عنده تعلمه منه حتى استطاع أن يفوقهم جميعا ويحملهم على الإعتراف له بالأستاذية والعبقريه . ومن عجب أن يتتلمذ عليه بعد ذلك أستاذاه الأولان علي محمود واسماعيل سكر وكذلك طائفة كبيرة من الموسيقيين المحترفين والهواة يتقدمهم حسن والي ومصطفى رضا بك وصفر بك علي وحسن أنور والشيخ أبو العلا محمد ومحمد عبد الوهاب وزكريا أحمد وعبد الحليم نويرة وأخيرا أحمد صدقي الذي نهل من أستاذه الكثير .
ولعل أعجب شيء في سيرة الشيخ درويش الحريري أنه لم يكن يعزف على آلة موسيقية لكنه كان يصحح للجميع وضع أصابعهم على مخارج الأصوات . ولما كان راوية لجميع ألحان القدامى فقد سجل لنخبة النخبة من ألحانهم في مؤتمر الموسيقى العربية الأول عام 1932 وكانت كبار شخصيات الموسيقى العربية من الشرق والغرب عرب ومستشرقون ترجع إلى درويش الحريري .
وكان لدرويش الحريري ابتكاراته في التلحين بل في وضع أوزان غير مطروقة ولعله أول من لحن من المصريين من مقام حجاز كار كرد في لحنه لموشح حبي زرني ما تيسر كما ابتكر مقام صبا الحجاز ولحن منها سماعيات وموشحات مشهوره .
وكان درويش الحريري يعتد بنفسه اعتدادا كبيرا وبعض الناس يرميه بالكبرياء والتعالي ولعله هذا عيبه الوحيد فلم يكن يطيق النقاش أو المجادلة على أنه كان محل احترام الجميع نظرا لشخصيته الحازمة الحاسمة . توفي في القاهرة عام 1957 .