يروي باولو كويلو أن أهله أدخلوه مصحّاً للأمراض العقلية لثلاث مرات متتالية, حين كان في السابعة عشرة من عمره. وأنهم إنما فعلوا ذلك بعدما توقّف عن الدراسة وبدأ يميل إلى العزلة, رافضاً ممارسة أي نشاط ما عدا المطالعة. الطريف في الأمر أن كويلو علّق على تلك الواقعة بقوله: "أبداً لم أنظر إلى نفسي كضحية. وضعني أهلي في المصح بدافع حبهم لي. لم يتمكّنوا من فهم اختلافي، فنعتوني بالجنون. جنوني هذا كان مطيّتي إلى الحرية".
ـ بسبب سحر الحكاية. أثناء طفولتي، كنت مولعاً بقصص ألف ليلة وليلة. لم أكن أفهمها كلّية, ولكني كنت مسحوراً بما تتضمّنه من رؤية إلى الواقع وإلى الحياة. أيضاً كان هناك أستاذ برازيلي أطلق على نفسه اسماً عربياً: مالبا طحان، كان ينشر كتباً تعبّر عن ولعه بالثقافة العربية. قراءتي هذه الكتب، شكّلت لحظة مهمّة جداً في حياتي كمراهق، لأنها جعلتني أكتشف أن الخيار مفتوح أمامي لاكتساب معارف أخرى موجودة خارج ثقافتي البرازيلية. هكذا وقعت في حب الثقافة العربية. بالنسبة لي، "الخيميائي" كتاب عن الإسلام. أنا لا أدّعي بأني أعرف الإسلام بعمق، لكني أعرف أن الثقافة العربية جلبت الكثير إلى العالم في ميادين الفن والعلم والفلسفة والطب.
منحتني نظرة أخرى إلى الحياة، مزيداً من الانفتاح. ربما لأنها ثقافة قريبة من الصحراء، فهي تساعد على تبسيط الأمور من دون الوقوع في فخّ التسطيح. منذ أن بدأت احتكاكي بالثقافة العربية، بدأ الإلهام يأتيني بسهولة. الثقافة العربية تقيم اعتباراً كبيراً للأمور الخفية، لما هو غامض وسرّي. أنا ككاتب أحتاج إلى مثل هذه الرؤية المخالفة، إلى مثل هذا الفضاء.
- يؤلّف الكاتب أعماله من دون أن يعرف سلفاً ما سيكون رد فعل القارئ. أنا أكيد من أمر وحيد هو عدد القراء في العالم العربي, حيث بلغت مبيعات كتبي, بحسب إحصاء أخير، ما يتجاوز الأربعمئة ألف نسخة. وهذا ما يسعدني جداً ويؤثّر فيّ, لأنه يشعرني بالتواصل مع ثقافة أدين لها بعمق, بعدما أعطتني الكثير, وهو برهان على أن كاتباً أميركياً جنوبيا, مثلي, قادر على ابتكار لغة روائية أخرى تقيم جسراً بين ثقافتين مختلفين.
- أنا كاثوليكي. غير أن هذا لا يمنعني من احترام الأديان الأخرى…
وعن الخيميائي :
ـ أنا أعشق الصحراء التي تعرّفت إليها للمرة الأولى خلال سفري إلى المغرب. غير أن زيارة مصر أثّرت فيّ كثيراً. ذهبت ذات ليلة لرؤية الأهرامات برفقة صديق مصري. كان المشهد ساحراً. هناك, طلبت منه أن يتلو شيئاً من الصلاة, فأنشد آية رائعة تقول ما معناه: يا ربّ إذا حدت عن الدرب المستقيمة، فأعدني إليها. كانت زيارة الأهرامات تجربة روحية شبيهة برحلة الحجّ التي قمت بها سابقاً. وحاولت نقل الشعور الذي انتابني هناك, في نهاية رواية "الخيميائي". في البداية, لم تبع الرواية أكثر من 900 نسخة, فأعاد إليّ الناشر حقوق التأليف, لأنه اعتبرها عملاً فاشلاً. يومذاك تذكّرت تلك الصلاة: يا ربّ إذا حدت عن الدرب المستقيم, فأعدني إليه. وتذكّرت ما كتبته في "الخيميائي": إذا أردنا شيئاً ما, فسيتآمر كل الكون ليساعدنا على نيله. طرقت أبواب الناشرين, إلى أن وقعت على ناشر برازيلي كبير قبل إعادة طبع الرواية. إصراري على نشر الرواية مجدّداً هو عودتي إلى الدرب المستقيم, هو طريقي التي وجدت والتي سمحت لي بتحقيق حلمي، أي أن أصبح كاتباً. واليوم, "الخيميائي" هو الكتاب الأكثر مبيعاً في الأدب البرازيلي خلال القرن العشرين.