الأدباء المستقلون
لم ينتمِ عدد من أدباء أمريكا البارزين إلى أية جماعة أو حركة ويمكن فهم أعمالهم في إطار عبقريتهم الخاصة فقط. اشتهر إدجار ألان بو كشاعر وكاتب للقصة القصيرة، وناقد أدبي. كان يكتب شعرًا يسوده جو من الحزن والرعب ويتميز بالحرص التام على اتباع الوزن والإيقاع الشعري. وقد كتب قصائده مثل: الغراب الأسحم (1845م) و آنابل لي (1849م) انطلاقًا من نظريته أن أفضل موضوع للشعر هو مأساة وفاة سيدة جميلة. ركز بو في قصصه على حبكة الرواية واستخدام جو الغموض والإثارة. أصبحت قصة جرائم في شارع المشرحة (1841م) وقصة الخطاب المسروق (1845م) مثالاً يُحتذى في كتابة القصص البوليسية، كما تركت نظريات بو النقدية أثرًا كبيرًا على كتّاب القصة القصيرة وأشكال الأدب الأخرى.
أدى ناثانيل هووثورن، مثل بو، دورًا رائدًا في تطوّر القصة القصيرة كشكل أدبي هام، وأعماله تؤكد على الشخصيات ومغزى القصة. حاول هووثورن استكشاف طبيعة الشر في قصصه مثل قصة قناع الوزير الأسود (1836م) وأفضل أعماله الحرف القرمزي (1850م) وهي رواية تصوّر الآثار المأساوية للخطيئة تصويرًا دراميًا.
استمد هرمان ملفيل مادة رواياته من حياة البحر التي عاشها في صباه؛ وكانت أولى رواياته تايبي (1846م). أما أفضل أعماله فهي موبي ديك (1851م)، حيث إنها ذات قيمة أدبية كبيرة كقصة مغامرات ودراسة رمزية لقوى الخير والشر.
اعتبر النقاد شعر والت ويتمان الحر، نسمة من الهواء المنعش في الشعر الأمريكي. انظر: الشعر. تغنى ويتمان بمدح أمريكا والديمقراطية. ونشر ديوانه أوراق العشب عام (1855م) ثم أعاد نشره عدة مرات بإضافات شعرية؛ وضمن طبعة عام 1867م قصيدة رمزية عن وفاة أبراهام لنكولن.
كتبت إميلي ديكنسون وسيدني لانيير شعرًا غنائيًا في قوالب غير تقليدية. وإميلي لم تُعْرَف أثناء حياتها فقد نُشِرَت معظم قصائدها بعد وفاتها. كتبت بعبقرية كبيرة عن الحب والطبيعة والموت والخلود واتسمت قصائدها بعدم الالتزام بأوزان الشعر وقوافيه أو قواعد اللغة مما كان له أثره الكبير على شعراء القرن العشرين الميلادي.
أما سيدني لانيير فقد كتب أشعارًا ذات إيقاع موسيقي رخيم، وتعكس قصائده موهبته الموسيقية وحبه للجنوب. نظم في قصيدته السيمفونية (1875م) الكلمات والإيقاع الشعري بحيث تصور الاستخدامات المتتابعة للآلات الموسيقية وكتب قصائد عاطفية عن الطبيعة مثل: مستنقعات جلين (1878م).
تخصص بعض الأدباء في كتابة حكايات طويلة مفعمة بالفكاهة لها طابع المبـالغة عن أبطـال وأحداث. وعُرِفَ هؤلاء الأدباء بكتَّاب الأدب الكوميدي، وقد أرست أعمالهم أساسًا للحركة الواقـعية التي سيـطرت على الأدب الأمريكي خـلال القرن العشرين.
يعتبر مارك توين أحد أشهر أدباء أمريكا. جمع في كتاباته بين روح الفكاهة والدعابة، واللون أو الصبغة المحلية النابضة بالحياة، وعبقريته الخاصة لإبداع بعض أكثر القصص المحببة على مدار السنين. أهم أعمال مارك توين هي مغامرات توم سوير (1876م) و مغامرات هَكْلبري فِن (1884م)، وتقع أحداث هاتين الروايتين على نهر المسيسيبي. إن هَكْلبري فِنْ أكثر جدية من الرواية الأخرى وهي تتناول بالنقد الزيف وعدم الإنسانية التي تنطوي عليها القيم والعادات التي سادت المجتمع الأمريكي آنذاك.
السذج خارج الوطن
شرع الأمريكيون في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، على ما يبدو، في إعادة اكتشاف أوروبا والشرق الإسلامي. واتجه السياح الأمريكيون إلى تلك البقاع في رحلات كبيرة، وقد تناولهم مارك توين بالسخرية في روايته السذج خارج الوطن (1869م). قام السياح في رواية مارك توين بمغامرات فرحة مبهجة تركتهم دون انطباع بالعادات والأخلاق الأوروبية. اشتهر بعض الكتاب الآخرين بكتيبات للأمريكيين السياح المسافرين خارج الوطن.
طور هنري جيمس فكرة عالمية المضمون في روايته صورة سيدة (1880-1881م) والسفراء (1903م). أبطال هاتين الروايتين أمريكيون يعيشون في أوروبا. كان جيمس يختبر الثقافة الأمريكية والشخصية الأمريكية بدراسته لرد فعل شخصيات رواياته للأجواء الجديدة المحيطة بهم. وُلد جيمس بالولايات المتحدة ولكنه عاش معظم حياته في أوروبا وقد كان لنظرياته عن الرواية والقصة أكبر الأثر على الروائيين الأوروبيين والأمريكيين.
من عام 1900 حتى 1950م
تأثر الأدب الأمريكي بثلاثة تطورات في الفترة ما بين 1900 و 1941م حين دخلت الأمة الحرب العالمية الثانية:
1- وصلت الثورة الصناعية إلى قمتها في الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. انظر: الثورة الصناعية. بدأ كتاب القرن العشرين ينظرون نظرة واقعية إلى المشاكل الاجتماعية الملحة التي نتجت عن الثورة الصناعية.
2- كانت الحرب العالمية الأولى والانهيار الاقتصادي في الثلاثينيات من القرن العشرين سببًا في نقد الكثير من الأدباء للحياة الأمريكية.
3- فتحت أبحاث ودراسات سيجموند فرويد في النمسا في التحليل النفسي مجالات جديدة في مكامن النفس البشرية يمكن للأدباء محاولة اكتشافها.
أدباء المدرستين الواقعية والطبيعية. مهد ستيفن كرين وفرانك نوريس وهارولد فريدريك وثيودور درايزر الطريق لمؤلفات فعالة وغزيرة من أدب المدرستين الواقعية والطبيعية. درس كرين ردود فعل الحرب على جندي شارك في الحرب الأهلية الأمريكية في روايته وسام الشجاعة الأحمر (1895م). وركز نوريس على صراعات أصحاب مزارع القمح في كاليفورنيا في روايته الأخطبوط (1901م)، وصور فريدريك عام 1896م الصراعات الدينية لشاب من رجال الكنيسة، أما درايزر فقد صدم الكثير من القراء بصراحته الشديدة في رواية الأخت كاري (1900م)، وتتناول روايته الشهيرة مأساة أمريكية (1925م) قضية جريمة حقيقية.
قدم كثير من الأدباء قصصًا كثيرًا ما اتسمت بالقوة والقسوة، وما زال القراء يرتجفون من مغامرات الكلب بك بطل رواية جاك لندن نداء البرية (1903م). وصور جيمس تي فاريل في كتاباته حياة الطبقة العاملة في جنوب شيكاغو بولاية إلينوي. كما رسم نلسون ألجرين الصراعات اليومية لطوائف الأقليات من الطبقة العاملة في شيكاغو في روايته المهمة الرجل ذو الذراع الذهبية (1949م). تخصص جون أوهارا في الوصف الواقعي لحياة الطبقة المتوسطة العليا في رواياته مثل موعد في سامارا.
أدباء النقد الاجتماعي
استخدم بعض الكتاب المنهج الواقعي أو منهج المدرسة الطبيعية في الأدب لتعرية الفساد في المجتمع بهدف الوصول إلى الإصلاح. هاجمت جماعة من الصحفيين والروائيين مثل: لنكولن ستيفنس، إيدا تاربل، وأبتون سنكلير انعدام الشرف في السياسة والتجارة وقطاع الأعمال الأمريكي في أوائل القرن العشرين الميلادي. وقد ساعدت رواية سنكلير الدغل (1906م) في صدور القوانين الفيدرالية الخاصة للغذاء النقي في الولايات المتحدة حيث تصف الظروف غير الصحية التي كانت سائدة في صناعة تعبئة اللحوم في شيكاغو.
تعرضت جوانب كثيرة في الحياة الأمريكية للنقد الأدبي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918م. شن هـ. ل منكن هجومًا عنيفًا على ضيق أفق الذوق الأمريكي والثقافة الأمريكية في سلسلة مقالاته المسماة اتجاهات منحازة (1919- 1927م). ونقد شيروود أندرسون الحياة من وجهة نظر سيكولوجية في مدينة صغيرة في مجموعة قصصه واينز برج، أوهايو (1919م). أما سنكلير لويس فقد هاجم في روايته الشارع الرئيسي (1920م) صفات الزيف والنفاق والعناء التي اتسمت بها حياة سكان مدينة صغيرة في الغرب الأوسط في أمريكا. وكان لويس أول أمريكي يحصل على جائزة نوبل عام 1930م.
ازداد النقد الاجتماعي خلال فترة الكساد العظيم في أربعينيات القرن العشرين. درس توماس وولف الأخلاقيات والقيم الأمريكية في رواياته الشعرية الأربع التي تبدأ برواية انظري إلى البيت ياملاكي (1929م) وهي جميعها مستوحاة من حياته الشخصية. تناول جون داس باسوس الطبقات الاجتماعية في الولايات المتحدة بالنقد في ثلاثيته الولايات المتحدة (1930-1936م). وتعتبر رواية جون شتاينبك عناقيد الغضب (1939م) من أقوى روايات الاحتجاج الاجتماعي في الأدب الأمريكي، فهو يصف معاناة مهاجرين من فلاحي أوكلاهوما إلى كاليفورنيا خلال فترة الكساد الاقتصادي والبطالة.