الأدبُ اللاتيني
يشمل المقالات وكتب التاريخ والقصائد والمسرحيات والكتابات الأخرى التي كتبها قدماء الرومان. ومن نواح عدة يبدو هذا الأدب وكأنه استمرار للأدب الإغريقي مستعملاً الأشكال نفسها، ومع هذا فإن الأدب اللاتيني يعكسُ أيضًا حياة وتاريخ روما القديمة.
ميزات الأدب اللاتيني
تعكس كثير من الكتابات اللاتينية اهتمام الرومان الشديد بالبلاغة التي هي فن الكلام والإقناع. وكان لمخاطبة الجماهير أهمية كبرى للرومانيين المثقفين لأن معظمهم كان يأمل في الحصول على مهن سياسية ناجحة. وعندما كانت روما جمهورية كانت المخاطبة الفعَّالة تُـقَرّر من سيُنتخَب أو أية مشاريع قوانين ستُجاز. وبعد أن أصبحت روما إمبراطورية فإن مقدرتها على التأثير فقدت كثيرًا من أهميتها، إلا أن التدريب على البلاغة ظل يزدهر ويُؤثِّر علي أساليب الكتابة. ويتألف جزء كبير من البلاغة من المقدرة على عرض فكرة مألوفة بطريقة جيدة أخَّاذة تجلب الاهتمام، وهكذا أصبح المؤلفون اللاتين أساتذة هذا الفن المنّوع.
اللغة والصيغة
اللغة اللاتينية لغة ذات صيغ نحوية عديدة للكلمات. ونتيجة لذلك يُمكن استعمالها بإيجاز وجزالة لا تعرفهما اللغة الإنجليزية. وهي أيضًا تميل إلى التوسع والامتداد لأن قواعدها توحِّد حتى أطول الجمل وأكثرها تركيبًا. وُيمكن استعمالُ اللاتينية بإيجاز شديد كما هو الحال في مؤلفات سالوست وتاكيتوس، ويمكنها أنْ تحتوي على أشباه جمل عريضة وعامة كما هو الحال في مؤلفات ليفي وخطب شيشرون.
تفتقر اللاتنينية إلى المفردات الشعريّةِ الغنيّة التي تُمَـيّز الشعر الإغريقي القديم؛ وللتعويض عن هذا النقص حاول بعض الشعراء اللاتينيين الأوائل اختراع كلمات جديدة مركبة كما فعل الإغريق.
ولكن نادرًا ما كان الكُـتّاب الرومان يخترعون كلمات جديدة. وباستثناء ممارساتهم في الشعر الملحمي فقد مالوا إلى استعمال مفردات مألوفة بإعطائها قيمةً شعريةً بمزج خيالي للكلمات واستعمال كثير من المؤثرات الصوتيـّة. وكان لشعراء روما الكبار مهارة فنية كبيرة في اختيار وترتيب مكونات اللغة، كما كانت لهم معرفة دقيقة بالشعراء الإغريق الذين تظهر مواضيعهم في جميع أشكال الأدب الروماني تقريبًا.
وتنعكس اللغة اللاتينية بوقار شديد في كتابات لوكريشيس أو شيشرون أو فيرجيل، مما يعكس الجدّية والشعور بالمسؤولية اللذَيْن تميزت بهما الطبقة الحاكمة في روما إبّان السنوات العظيمة للجمهورية، ولكن الرومان سمحوا لما سمّاه هوراس بالخل الإيطالي أن ينهمر في أنظمتهم على شكل فكاهة ساخرة ونقد.
الأدب اللاّتيني المُتَرْجم
تُرُجم أفضل ما في الأدب اللاتيني إلى معظم اللغات الرئيسية. وحتى مطلع القرن العشرين كانت أغلبية الطبقة المثقفة في الغرب تلم بشيء من اللغة اللاتينية على أقل تقدير. وفي الوقت الحاضر تناقص عدد من لهم ألفة باللغة اللاتينية، ولكن الذين يلمّون بالأدب اللاتيني عن طريق الترجمة في ازدياد مستمر.
وهناك بعض المترجمين الذين يعيدون سبك النص. أي أنهم يحاولون الحفاظ على جمال وروح العمل الأصليّ بغض النظر عن المعنى الدقيق لكل تعبير. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر تَرْجم عدد من الشعراء الإنجليز كثيرًا من الشعر اللاتيني عن طريق إعادة السبك. وربما كانت ترجمة جون درايدن الإنجليزية لقصائد فيرجيل عام 1697م مثالاً بارزًا على هذا النوع من الترجمة.
هناك مترجمون آخرون يتقيدون بحرفية النص محاولين التقليد الدقيق لكتابات المؤلفين اللاتينييِّن، غير أن هذه الترجمات تخسر كثيرًا من الجمال والأسلوب، الذي تميزت به الأصول. وليس للترجمات الحرفية من قيمة رئيسية سوى أنها تُسهّل على الطلاب فهم اللغة اللاتينية.
الأدب اللاتيني المبكّـر
بدأ الأدب اللاتيني الرسمي عام 240ق.م. عندما شاهد جمهور روماني نسخة لاتينية لمسرحية إغريقية، قام بتحويلها وتكييفها ليفيوس أندرو نيكوس، وهو إغريقي اقتيد إلى روما بوصفه أسير حرب عام 272 ق.م. بالإضافة إلى ذلك ترجم أندرونيكوس الأوديسة، ملحمة هوميروس الإغريقية، إلى نمط قديم من الشعر اللاتيني يُسمّى الشعر الساتورني. أما أول شاعر لاتيني كتب في موضوع روماني فكان غُنويوس نافيوس في القرن الثالث قبل الميلاد، إِذ كتب قصيدة ملحميّة حول الحرب البيونية الأولى التي شارك فيها. أما مسرحيات نافيوس فكانت بشكل رئيسي إعادة كتابة لأصول إغريقية. إلا أنه بالإضافة إلى ذلك كتب مسرحيات مأساوية تستند إلى الأساطير الرومانية والتاريخ الروماني.
خَلَف نافيوس كُتَّاب ملحميوُن آخرون، إذ ألَّف كوينتوس إنّيوس ملحمة تاريخيّة أطلق عليها اسم الحوليات (مباشرة بعد عام 200ق.م.) يروي فيها التاريخ الروماني بدءًا من تأسيس روما وحتى عصره، وفي هذه الملحمة تبنّى الشاعر بحر الشعر الإغريقي السداسي ذا التفعيلة الدكتيلية، وأصبح هذا البحر الصيغة الشعرية المتعارف عليها للملاحم الرومانية. وقد اشتهر أيضًا بما كتب من مسرحيات مأساويّة، وفي هذا المجال كان أبرز خلفائه الكاتبان ماركوس باكوفيوس ولوسيوس أكيوس، ولم يستعمل هؤلاء الكتاب الثلاثة أحداثًا من التاريخ الروماني إلا نادرًا. وبدلاً من ذلك كتبوا نسخًا لاتينية لمواضيعَ مأساوية كان الإغريق قد عالجوها، إلا أنهم عندما قلدوا الإغريق لم يخضعوا للأصل خضوعًا تامًا، ولم يصل إلينا سوى أجزاء من مسرحياتهم.
إن معرفتنا بالكوميديا اللاتينية الأولى أكبر بكثير، إذ وصلت إلينا منها عشرون مسرحية كامله للكاتب بلوتس وست مسرحيات للكاتب ثَـرَنس. وقد اتخذ هذان الكاتبان الكوميديا الإغريقية الحديثة نموذجًا لهما، إلاّ أنهما قد تصرَّفا في حَبْك وأسلوب الأُصول. وهكذا نجد أن بلوتوس قد نشر الأغاني في مسرحياته وزاد من الفكاهة بالتَّورية والنكات والعمل الهزلي للممثلين. لقد عالجت مسرحيات ثَـرَنس المواقف العائلية بأسلوب مهذب. ولقد كانت أعماله مصدر الإلهام الرئيسي للكوميديا الفرنسية والإنجليزية في الستينيات من القرن السابع عشر.
وخير ما يعطي فكرة عن نثر تلك الفترة هو كتاب حول الزراعة (160ق.م) للكاتب كاتو الأكبر. كتب كاتو أيضًا أول تاريخ لاتيني لمدينة روما وغيرها من المدن الرومانية، وكان بالإضافة إلى ذلك أول روماني يُدوِّن خطبه السياسيّة بهدف التأثير على الرأي العام.
وانتهى الأدب اللاتيني المبكر بالشاعر جايوس لوسيليوس الذي ابتدع نوعًا جديدًا من الشعر في كتبه الثلاثين من مؤلّفه السخريات الأدبية (القرن الثاني قبل الميلاد) واستعمل نبرة محادثة سهلة فيما كتب من مواضيع عن الكتب والطعام والأصدقاء والأحداث الجارية. وفي أوائل القرن الثاني الميلادي أوصل جوفينال الهجاء اللاذع إلى درجة من الإتقان جعلته نموذجًا احتذاه كثيرون من الكُـتّاب الذين أتوا بعده.
العصر الذهبي
كان الأدب اللاتيني في أحسن مستوى له في الفترة مابين 81 ق.م و 17م. وقد ابتدأت هذه الفترة بأول خطبة معروفـة لـشيشرون وانتهت بوفاة أوفيد.
عصر شيـشرون
كان شيشرون أبرع كاتب نثر لاتيني، وقد سيطر على الأدب اللاتيني في عام 80ق.م. حتى وفاته عام 43ق.م. ويمكن تقسيم كتاباته إلى مجموعات أربع هي:
1- الرسائل
2- المقالات البلاغية
3- الأعمال الفلسفية
4- الخطب
وتقدِّم رسائله معلومات مفصّلةً عن فترة مهمة من التاريخ الروماني، وتُعطي صورة حية عن الجمهور والحياة الخاصة للطبقة الرومانية الحاكمة. وتُعَدُّ مؤلفات شيشرون في الخطابة أثمن المصادر اللاتينية للنظريات القديمة حول الثقافة والبلاغة. أما مؤلفاته الفلسفية فكانت قاعدة الفلسفة الأخلاقية خلال العصور الوسطى. وقد ألهمت خطبُه كثيرين من القادة السياسيين في أوروبا كما استلهمها مؤسِّسُو الولايات المتحدة.
كان يوليوس قيصر وسالوست مؤرخينّ بارزيْن في عصر شيشرون. فقد كتب قيصر تعليقات حول الحروب الغالِيّة والأهلية بأسلوب صريح ليبرِّر أعماله بوصفه قائدًا. أما سالوست فقد تبنى أسلُوبًا جافًا وهادفًا في مؤلفاته التاريخية، وكتب وصفًا رائعاً للناس ودوافعهم.
أما مولدُ الشّعر الغنائي
في اللغة اللاتينية فحدث خلال الفترة نفسها. إن قصائد الحب الغنائية القصيرة التي كتبها كاتولوس لا تتفوق عليها قصائد أخرى في قوتها العاطفية. وكتب كاتولوس أيضًا قصائد هاجم فيها أعداءه كما اتصفت قصائده المطوّلة بالصور الجميلة المكتوبة بلغة غنية ورقيقة.
وعلى عكس ذلك فقد شرع الشاعر لوكريشيس في تغيير أفكار الفلاسفة الإغريق مثل أبيقور. ويحتوي مؤلف لوكريشيس حول طبيعة الأشياء (55ق.م) على مقطوعات فخمة عديدة تُعَدُّ انتصارًا للعبقرية الشعرية على المادة غير الشعرية.
كان فارو أكثر كُتّاب الفترة علمًا. فقد كتب في موضوعات كثيرة التنوع بدءًا بالدين وانتهاءً بالشعر، لم يصل من مؤلفاته شيء بشكل كامل سوى ماكتبه حول الزراعة واللغة اللاتينية.
العهد الأوغسطي
اهتم الإمبراطور أوغسطس بالأعمال الأدبية التي كُتبت خلال سنوات مُلكه من 27 ق.م إلى 14 ق.م. وتُسمَّى هذه الفترة العصر الذهبي للأدب اللاتيني. ففي هذه الفترة نشر فيرجيل محاوراته الرعوية وقصائده الزراعية التي ربما كانت أجمل ماكتب عن حياة الريف؛ والإنيادة، وهي قصيدة ملحمية تصف الأحداث التي أدّت إلى قيام روما، وفيها يصف فيرجيل كيف أن البطل الطروادي إينياس أصبح سلفًا للشعب الروماني. وفيها أيضًا يعطينا فيرجيل تبريرًا أسطوريًا لحكم الرومان للعالم. ومع أن فيرجيل مات قبل أن يضع اللمسات الأخيرة لقصيدته إلاّ أنها سرعان ما اعتُبرت أعظم عمل في الأدب اللاتيني. ولايزال النقاد يؤيدون هذا الرأي.
أما هوراس، صديق فيرجيل، فقد كتب قصائد من نوع الأيبودة، والأوْد، والمقطوعات الهجائية ورسائل.
لقد سحرت القصائد من نوع الأوْد، بروعتها سواءً في المضمون أو الشكل أو الأسلوب، القراء لمئات السنين. وتبحث الهجائيات والرسائل المشكلات الأخلاقية والأدبية بشكل مهذب وفكه وساخر. أما رسالة هوراس فن الشعر، التي ربما نُشِرَت عملا منفصلا فقد أثّرت كثيرًا في النظريات الشعرية التي أتت فيما بعد. وفيها نجد القواعد الأساسية للكتابة الكلاسيكية كما فهمها الرومان، وبعد وفاة فيرجيل أصبح هوراس شاعر روما الأوّل.
وقد وصلت المرثية اللاتينية أوجها في أعمال طيبولوس بروبرتيوس وأوفيد. ويهتم معظم هذا الشعر بالحب.
وكتب أوفيد أيضًا مؤلَّفًا باسم فاستي يصف فيه الأعياد الرومانية وأصلها الأسطوري. أما أعظم عمل له، وهو التحول فيُعدُّ أفضل مصدر معروف عن الأساطير الإغريقية خلال كل فترة العصور الوسطى وخلال عصر النهضة. وكانت مصدر وحي وإلهام كثير من الشعراء والرسامين والمؤلفين الموسيقيين.
وفي مجال النثر ألّف لِيْفي تاريخ الشعب الروماني في 142 كتابًا، وعلى الرغم من أنه لم يبق منها إلا 35 كتابًا فقط، فإنها تُعَد مصدرًًا رئيسًًا للمعلومات الخاصة بروما.