الادب ... امتداد للادب الاغريقي اليوناني القديم
عنونتُ المقال بالآداب نظراً لامتداد الأدب الإغريقي اليوناني القديم الى اربعة عصور هي العصر القديم ARCHAIC، العصر الكلاسيكي، العصر الهيلليني ثم عصر امبراطورية روما, وكان من الطبيعي ان تستعمل هذه العصور عدة لهجات في اللغة اليونانية القديمة هي الأيونية، الايولية، الدورية، الاتيكية (والأخيرة هي لهجة أثينا القديمة اليونانية الفصحى).
Ion, Aiol, Doric, Attic
الا أن اللغة اليونانية المعتمدة في الآداب هي التي جاءت الملاحم التي تركها هوميروس HOMER التي عُدَّت حقاً البداية الناصعة لكل الأدب الإغريقي في عمليه الخالدين (الإلياذة، الأوديسة) ODYSSEY' ILLIAD
* العصر القديم (المهجور):
ويقع ما بين القرنين الثامن والخامس قبل الميلاد، ويتحدد في طورين:
الأول هو انهيار النظام القومي وتكوين النظام المديني عبر آداب ملحمية EPIC , والطور الثاني وفيه حافظت الآداب على حماية القديم وبناء الحديث عبر الالتفات الى العلوم والفلسفة وبالحروف المكتوبة.
فإلياذة هوميروس تضع بطولة الإنسان اليوناني القديم في نقطة الارتكاز، بطل يكافح ليصل إلى مبتغاه, والأوديسة الممثلة للطور الجديد تضع العقل في المقدمة، وتتخذ من حرب طروادة (1) صورا عديدة لموضوعاتها المتسلسلة لتُبشر باستقلالية الفرد والوعي لطبقة الفلاحين، ومؤيدة للحق والعمل الشريف، وكلها خطوات كانت بمثابة الإعداد لحركة أيديولوجيا الديمقراطية, عملت الآداب على تحقيق هذه النظرات الجديدة في المراثي الحربية في أعمال كاللينوس، ترتايوس TURTAIOSZ وKALLINOSZ، وفي رثاءات الحب عند ممنرموس MIMNERMOSZ، وفي الفلكلوريات الشعبية فيما كتبه أرخيلوكوس ARKHILOKOSZ، وفي الروح الشعبية الأصيلة التي برزت في أدبيات ايسوبوس AISZOPOSZ, ووقفت الفلسفة اليونانية القديمة طوال العصر القديم خلف الفكر الأدبي مغذية له وناصرة لكل ما يبتكره الأدباء والشعراء.
* عصر الأدب الكلاسيكي:
الكلاسيكية Classicis هي اقدم المذاهب الفنية وأعتدها.
لم يقتصر المذهب على الأدب فقد امتد الى فنون المعمار والفنون التشكيلية والدراما والمسرح, وهو مذهب اساسه الهدوء والتقيد والتوازن وعظمة الشأن، لذلك تبدو محصلاته الفنية كلاسيكية الطابع, في الأدب، تعني الكلاسيكية أنواعاً ثلاثة، النوع الأول يطلق على آداب العصر اليوناني القديم والآداب الرومانية، والثاني هو التيار الأدبي التابع، وينتمي كُتابه الى الكلاسيكين الأوائل, ثم النوع الأخير وهو ما تُعرف به اعمال الكلاسيكين الكبار في الأدب العالمي, إذاً فلفظة (الكلاسيكية) في الأدب تعني الكُتاب القدامى، كما تعني تيار الكلاسيكية الذي ساد القرنين 17، 18 الميلاديين وبخاصة في الآداب الفرنسية، كما نجد لها نماذج أخرى في القرن العشرين في اعمال الفرنسي بول فاليري PAUL VALERY (1871 1945م).
وعند العالميين الكبار الفرنسيين جان راسين، فرانسوا ماري فولتير، رنيس ديديرو، والانجليز جون درايدن، بن جونسون، يوناثان سويفت، الكسندر بوب, وعند الألمان كريستوف جوتشد، جوتهولد افرايم ليسنج، يوهان فلفجنج جوته, وفي ايطاليا نعرف الكلاسيكيَّين فيتوريو ألفييري، كارلو جولدوني (2) .
يُعد القرن الخامس قبل الميلاد بطوله هو العصر الذهبي للكلاسيكية العالمية قبل اليونانية القديمة, ازدهار لا مثيل له في السياسة والآداب والعلوم والفنون, تحدٍّ لاقامة دولة المدينة POLIS (الدولة المدينية) بعد حرب الفُرس، ولميلاد الديمقراطية الأثينية أول ديمقراطية في التاريخ تنشد التناغم بين الفرد والسلطة من ناحية، والفرد والمواطنين من ناحية أخرى, وقد قدمت درامات اسكيلوس Aiszkhulosz أول دراميي الاغريق الكثير في هذا المجال (الفُرس، سبعة ضد طيبة).
اجتهد العصر في ترسيخ القوانين العلمية التي تضمن علاقة طبيعية وعملية بين الطبيعة والمجتمع، وتوسعت علوم التاريخ في الجغرافيا الجديدة وفي الرسوم الشعبية, فليس من قبيل الصدفة ان أُطلق على هيرودوت HeroDoTosz أبو التاريخ، فتاريخ الحروب الاغريقية الفارسية كان الانطلاقة الحقيقية لالتصاق العلوم والآداب بنتائج الحروب التي سجلت انتصارات وانهزامات لاحد لها (أعمال الأديب ثوكيديديس THUKUDIDESZ) التي دفعت بالفكر الى اعمال ادبية وفنية استقت مضامينها من المعرفة التي كانت مناط القول وحجر الزاوية في تركيبة انسان العصر آنذاك.
تماما كما تطور التيار الفلسفي الذي وجه الى قيمة الحضور الاجتماعي SOCIAL PRESENCE عند الطبقة الاجتماعية SOCIAL CLASS، بما فيها طبقة السوفسطائيين لإقرار ما عُرف مؤخرا عند روسّو باسم العقد الاجتماعي SOCIAL CONTRACT (وهو عقد نظري بين افراد المجتمع وبين الحاكم يحدد حقوق كل منهما وواجباته), وكان من الطبيعي والمنطقي ايضا ان تكون الكلمة هي منطلق التحقيق الفلسفي لعنايتها بالمعارف الأدبية وفن الكلام للوصول الى تعبير (المعرفة الانسانية), ومع ذلك فلم تُغفل الفلسفة دور الأدب الأرستقراطي العالي المسمى (الكاردال) KARDAL الذي جاء في اعمال وادبيات سيمونيديس وبينداروس PINDAROSZ وSZIMONDIESZ التي استمسكت بالملاحم القديمة وفكرها حتى آن أوان زوالها رويدا رويدا بعدما هجرتها الجماهير الشابة.
يأتي القرن الرابع قبل الميلاد بهبة أدبية يسوقها التأثير العسكري الحربي على الأدب، فآثار حرب بيلوبونيسوس PELOPONNESSOSZ قد أضعفت من قوة أثينا ومركزها، وصعدت الى سطح المجتمع المشكلات الاقتصادية وصراعاتها، وتنامى اعداد العبيد، وارتفاع نمو البطالة، وموت الانسجام بين الفرد والجماعة, وانعكست كل هذه الاحداث على الشعر والأدب، ففقد الشعر دوره الرائع السابق، وتقدم النثر السياسي وارتفع شأن الخطابة وعظُم شأن الخطباء مستلهمين جماليات الاعمال الدرامية، في جدل يقترب من جدل السوفسطائيين (جورجياس وتلاميذه إيسوكراتيس) ISZOKRATESZ،GORGIASZ والخطيب المتضاد معهما في الفكر الخطابي السياسي ديموسثينيس DEMOSZTHENESZ, لم يقتصر الابداع الأدبي على النثر او الخطابة او الكتابة التاريخية فقط، لكنه تعداه الى الفلسفة ايضا, فها هو افلاطون PLATO يجنح بشعره الى الأناقة وبديالوجاته الى السخرية الروحية.
وهو في الشعر والديالوج يشتغل بالقضايا الجمالية في الأدب لتترك لنا تراثا في تاريخ الآداب بجانب تاريخ الفلسفة.
* العصر الهيلليني (الهيللينستي).
يحتل العصر الفترة من نهاية القرن 3 قبل الميلاد حتى القرن الأول الميلادي, ونتيجة للحكم المقدوني كون الاسكندر الأكبر امبراطورية واسعة الاطراف ادت الى تغييرات سياسية واجتماعية كان من جرائها انتشار الحضارة الاغريقية تجاه الشرق (مكتبة الاسكندرية وعلماؤها وجهودهم في تطوير الفلسفة والعلوم)، الأمر الذي عكس بطريق مباشر على حركة الآداب, فانتهى ازدهار الخطابة ولمعانها، واختط الأدب طريق سيره الى عالم الحياة، في محاولة الاجابة على سؤال محدد هو، كيف يمكن الوصول بالإنسان إلى السعادة في الحياة؟