وليد الزريبي
عادات سريّة
1
كنّا أطفالا صغارا
لم نكبر مع طفولتنا،
غير أننا طرنا بأجنحة فقيرة وبيضاء.
لم يكن في البيوت حليب.. لكن الذكريات أرضعتنا أسنانها.
وكبرنا.. كبرنا دفعة واحدة،
دون أن نمصّ أصابعنا أو نعضّ بنت الجار.
حتّى لم نعد لنسأل:
هل حقا ولدنا صغارا؟
وهل كنا أطفالا ظرفاء كما ينبغي؟
أنت أيتها الطفولة،
يا وسائدي المعرّقة بالأزهار،
ها أنت تجثمين ثانية على ركبتي كحديقة.
بينما تقطّر الأحزان أغصاننا العليا.
2
سنوصد الأبواب،
ونسدّ شقوق الحيطان.
حتى إذا ما أوجعتنا يا بلدي
لم يصل نواحنا إلى أذن الجار.
نحن نبكي سرّا يا بلدي
غير أنّ الذي يُسمع من بعيد، عصافير قلوبنا الصغيرة، التي تخربش داخل أقفاص صدورنا،
فلم نفعل شيئا مشينا يا بلدي، سوى أننا كسرنا لها أضلعنا لتطير،
وطلينا لها بالأزرق السقف والجدران.
3
لنا أسبابنا،
ولك أسبابك،
أنت طرقت عظامنا.
ونحن فتحنا بابك.
4
يا تونس الحبيبة والغريبة،
ضعي حرّاسك على كل الأبواب.
نحن طرنا بأحلامنا،
وسكنّا الغياب.
5
ابتعدت كثيرا عنّا،
حتى لم نعد نملك، يا وطني، تذاكر الوصول إليك.
6
وطني أيها السر الكبير..
ما هذه العقدة التي سبّبتها لنا،
لنتصرف في كل شيء كاللصوص وقطاع الطرق.
وأنا نحيا بسرية تامة،
نكتب بسرية..
نبكي بسرية..
حتى أصابتنا عقدة السر الكبير.
فهجرنا زوجاتنا،
وأدمنا العادات السرية.
7
يأخذنا الوطن من عيوننا.
ونأخذه من يديه.
خمسون عاما مضت..
لا هو وصل إلينا.
ولا نحن وصلنا إليه.
8
كلما صادفني علم بلادي..احمرّت عيناي
وهمست له بلين
آه.. يا قلبك الأبيض.
9
يا تونس الحبيبة والغريبة،
غرقنا في الأحلام،
حتى طفت جثثنا على السطح.
10
يا تونس الحبيبة والغريبة،
كبرت بعيدا عنا، ولم نرك..
وكبرنا بعيدا عنك، ولم ترنا..
ربما إذا ما التقينا سال من دمك، دمنا.
11
في الطريق إلى القلب،
كلاب وأحزان سائبة.
القلب الذي لم يضق يوما بغريب
صار ينبح.