احمد الغرباوي,ملهم النغمات الجميلة
--------------------------------------------------------------------------------
بدا المطرب المغربي أحمد الغرباوي حياته الفنية بعد استقلال المغرب بعام واحد أي سنة 1957، مع الفرقة الموسيقية المعروفة بالمنوعات التي كان يرأسها المرحوم احمد الشجعي، وكان ضمن أعضائها عازفا على النتروباص، وسنه لا تتجاوز 15 عاما.
فوالده رحمه الله كسر آلة العود فوق رأسه، حين وجده يعزف عليه في البيت، ولم يأبه إلى أن الآلة كانت في ملك المعهد الموسيقي الذي ناولها إياه مديره تشجيعا له، لكن والده أعاد نظره في موقفه وصلابته بعد أن صار الفن يقدم مقابلا ماديا أرضى حاجيات الأسرة وطلباتها، ومن ثم تلاشى أسف والده عن دراسته التي توقفت في مستوى الخامس من التعليم الأولي.
لكن رغم ميولاته الموسيقية، بقي لديه إحساس بأن بداخله طاقة فنية كبيرة مصدرها صوته الذي سمعه لأول مرة الفنان الإذاعي احمد ريان بالصدفة، حين كان يدندن كلمات للزجال المغربي عبد الكريم بوعلاقة بلحن من توقيعه، فاقترح عليه تسجيل القطعة، وهي قطعة شعبية عنوانها «بيضة ومزيانة وخد وردي» كانت تلك أول درجة للغرباوي في مرحلة الطرب.
سجل بعدها قطعة «غريب» على إيقاع العود فقط، غير أن اسمه صار أكثر تداولا في الوسط الفني وبين الجمهور المغربي بعد أن تمت إذاعة أغنية «إنها ملهمتي» التي أهداها إياه مدير الإذاعة المصرية، احمد رامي عام 1962. وكانت القصيدة مكونة من ثلاثين بيتا شعريا اقتصر فيها على عشرة أبيات فقط، وهي من أروع ما أبدعه الشاعر المصري احمد نديم، الذي كان مديرا لمدرسة المغرب العربي بالرباط في الستينيات زمن المنافسة الحادة و الشريفة بين شباب الفن وكباره أسماء غنت الروائع التي ما زالت مرجعية للأذن السميعة، مثل عبد القادر الراشدي، وإسماعيل احمد، واحمد البيضاوي، والمعطي بنقاسم، ومحمد فويتح، ومحمد المزكلدي رحمهم الله. هؤلاء كانوا المعلمين و الرواد في تلك الحقبة، ومن معدنهم الفني كان يرتوي الغرباوي وجيله أمثال عبد الوهاب الدكالي و عبد الهادي بلخياط ، وما كان يجمع بينهم هو غيرة مجردة من هوس الغنى المادي الذي يفسد الفن وذوق الغناء إذا كان الباعث على دخوله الرغبة في الاغتناء فقط.[
/FONT]التقى أحمد الغرباوي بعمالقة الغناء العربي مثل عبد الوهاب، فريد الأطرش، وأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب وغيرهم بفضل الملك الراحل الحسن الثاني، فقد كان رحمه الله فنانا بالذوق، والممارسة أيضا، وهذا الحس الفني جعله يضع فناني مصر الكبار في قمة المبدعين العرب، ومرجعية أولى لصناعة الفن المغربي تحديدا، لذلك كان يدعوهم في حفلات دورية خاصة، يحضرها الفنانون المغاربة لأنهم المستهدفون الحقيقيين من سياسة الملك و التي أوضحت لهم حجم الفارق الشاسع بينهم وبين الفنانين المصريين بمجرد الحديث مع بليغ حمدي، او فريد الأطرش، أو محمد عبد الوهاب..
عبر الغرباوي عن أسفه لاختياره طريق الفن، الذي عاقبه عليه والده، وتمنى لو شدد عقابه لكي يخرس ميله إليه، لأنه لم يتوقع أن تصل الأغنية المغربية والعربية إلى مستوى من الضعف يسمح لها بأن تبكي ماضيها.