كوشمار - خالد ساحلي
فوضى العالم ، عناوين نشرة أخبار منتصف الليل . لولا الألم الشديد الذي جعلك تتخبط كطائر مذبوح ما أشعلت التلفاز،
قد يلهيك و يسليك لتنسى ألمك بعض الوقت. أنصحك خذ مهدئا من علبة الإسعاف ، اللعنة على الضرس المسوّس . تورمت لثة أسنانك، التعفن يسبّب لك ألم تنهار منه الأعصاب يجعلك قلقا متوترا، هل رأيت مجنونا يشعل النار في ثيابه ؟ النار مشتعلة الآن في لحمك و عظامك ، وجع ، صداع ، قائما قاعدا وعلى جنبك ، يداك تفركان أصابعك تريد كسرها، احتكاك يولد حرارة على ظهر الكف و هذا أيضا يقلقك ، خدّك الأيمن يبدو فرن نار ما إن تضع أصبعك مكان الضرس إلا وتتوّجع وتكاد الروح تغادر بدنك و ترجع لبارئها. نصحوك بالذهاب للطبيب قبل أن يشتد الألم و إن اقتضى الأمر خلعه. أنت لا تخاف الكُلاّب و لا المشرط و لا الإبرة لكنك تتهاون في مداواة نفسك، حتى الحيوان يهرب مما يضره، رميت نفسك في مهلكة و أنت تترك المرض يأكل قوتك و ينخر مناعتك؛ فكرة الضرر التي يلحقها ابن آدم بنفسه التهور و اللامبالاة. ترتعد، تصطك أسنانك من الحمى، هي زكاة الجسد و تخفيفا للذنوب هكذا أخبرتك أمك في صغرك.
كن صريحا معي، أنت لا تكره الطبيب ؟ وترى في المرض الصفاء للذات و الروح ، وتعتقد المعافاة تكون بمغالبة المرض قبل مداواته. المغالبة تجعلك تحس بما يعانيه المرضى أو على الأقل تتفهم رد فعلهم فيما يعانونه من أمراض مزمنة. " اللعنة على هذا الضرس" لما لم تأخذ بنصيحتي قلعت ضرسك و استرحت.
منتصف الليل و أنت تشاهد صورة الأحداث إلى أين وصلت ، سألت نفسك أهؤلاء مثلك لم يأخذوا بنصيحة الطيبين و العقلاء و الحكماء ، لخلع ضرسهم المفسد عليهم حياتهم ؟ نخالف طبيعة الحياة و نخرج عن سبل النواميس الكونية فيصيبنا المرض و الفوضى و يعمّ الهرج و الفساد .
أتعتقد أنت أن النصيحة من بين النواميس ؟ أسمع ضرسك سيفسد عليك باقي أسنانك ، لا محالة سينقل العدوى انتبه .
إذن الطبيب له إمكانية دفع الضرر بإذن الله ، تدري قد تقع في يد طبيب أسنان غير كفأ أو مدمن كحول و حبوب أو يحب الحشيش أو له مواعيد سياسية يكون فيها متعجلا لحضورها أو شيء آخر من هذا القبيل و بدلا من أن يشفي ألمك قد يزيدك عذابا ومعاناة فيترك جزءا من ضرسك حين خلعه. هل ستقنعه إذن بالتخلي عن قلع ضرسك وتطالبه بوصفة أدوية ؟ غدوة في الصباح ستدرس الأمر و تقرر، المهم يتوقف هذا الألم هذا السم الكامن داخل ضرسك و يهدأ ثورانه .
التلفاز لا زال مشتعلا وأنت ترتدي ثيابا مضاعفة وغطاءا صوفيا؛ تشبه أنت المشردين في ساحة " صوفيا " خاصة طريقة لفك الغطاء بجسدك، تنكمش كل أعضائك كأنك عصفور بللّه المطر، نهر يجري من و رائك، ظهرك جدول عرق يصل حتى مؤخرتك، أتشعر بالبرد ؟ بالارتجاف ؟ عيناك محدقتيّن في التلفاز في هذه الأشلاء المحمولة بين يدي رجال المطافئ والممرضين، تلمح من يرتدي المآزر البيضاء، ذكروك بالطبيب ثانية، الأمر مختلف، الطبيب هناك يشرّح الموتى أما الطبيب الذي تتخيله أنت يده غليظة تريد أن تنتزع فكك السفلي. أنت قلت لن تكون غير معاينة روتينية لا غير. نعم أقول ستكون معاينة جرّب فقط .
لِمَا تكثر الكلام هذه الأيام عن الطبيب ؟ إن كان محضوضا في مرافقته الرؤساء والحكام والملوك و الأمراء ؛ إن كان حاضرا في كل مكان إن كان الله قد جعل من مرض الآخرين ثروته، وجعله مستودع أسرار البشر. لا يهمك إن خان الأمانة التي رفضتها الجبال ، هو يحضر حتى مراسيم الوداع للمحكوم عليهم بالإعدام، حتى الإعدام ؟ أضيفك يلتقي بأشهر القتلة وأشهر الفنانين، يمكنه كذلك أن يلتقي بأشهر المعتوهين و الدراويش، بالسفاحين برجال الكنائس بالأئمة، يلتقي حتى برجال الظل. الطبيب يؤخذ أحيانا إلى حيث لا يعلم يلتقي ببائعي الأسرار والمعلومات، يعاينهم يعطيهم و صفات. لا يعلم الطبيب أنه ذو أهمية ؟ لا يعلم لأنه تحت الخدمة .
تقول هذا لأنك سمعت الكثير عن جارك الطبيب بأنه يخالط رجال العصابات و أصحاب النفوذ والمقاولين في السياسة، سمعت أم أنها مزحة لأنك تغار منه لأنه ينادونه بالحكيم ويملك عدة سكنات و فيلة في العاصمة. تقول عنه أنه تاجر ولا يحترم قانون السوق، و يتعامل مع وكلائه كما مع ضحاياه. سمعت أخبارا سيئة أنه بائع قطاع غيار بشري . اللعنة هل يمكن للطبيب أن يحيد عن وظيفته؟ هو بشر لا تضحك على نفسك .
هذيان الحمى ، أشباح كثيرة تحوم حولك بمآزر بيضاء ، وقع الأقدام ، سلاسل الرصاص والرشاشات مرمية على الأرض أمامها جثث مذبوحة و أخرى لا رأس لها ، الماء فوق البلاط تراه يتموج كموج البحر ألا يمكن أن ترى المشاهد على خشبة واحدة ، تقنع نفسك أنك ستتغلب على الحمى ، تعطي نفسك قليلا من الجلد ، تود إطفاء التلفاز ، تزيد في الصوت أحسن حتى تتأكد أنك بالفعل لا زلت تملك قليلا من الشعور و أن الغيبوبة التي تكلم عنها برغسون مجرد مزحة اجتماعية مثلها مثل الديمومة.
لما حضر الطبيب الآن؟ أين الطبيب ، أنت تسمع دقات خفيفة على الباب ، المزلاج فاسد ، أنت لم تقم لتفتح فكيف تأكدت أنه لا يعمل ؟ تمسك كوب الماء تشربه يزداد عطشك، الأخبار مر عليها ساعات، ما الذي تراه على التلفاز؟ التلفاز مغلق ولا ترى إلا مزيج ألوان مخططة وشعار القناة، إلى أين تنظر، لا تعرف ؟ اللعنة على الضرس على الحمى . لا تلعن الحمى فهي مرسلة من عند الله.
أنت تهذي ، تلقي خطبتك على الناس هرب منك عنوان الخطبة ، تذكرت الأخلاق و الحب و عن الدولة الواحدة و الجسم السليم في العقل السياسي السليم و عن الضرس المسوّس داخل المجتمع و الدولة المتحضرة ، عن كلاب الصيد التي تنبح كل يوم في الجوار و عوائها الذي يضايق حارس الورشة المقابلة لعمارتك ، عن البلوريتاريا و الحزب الشيوعي وحوارك على المسينجر مع صديقك الشيوعي اللاجئ في بلجيكا، عن الفأر القاضم لأصبعك يوم رحت تبحث في حذائك عما يوخزك فأخرجته ، عن ثأر الفئران و العبادة و الصلاة و عن الحج . الآن تذكرت لمّا وصلت لكلمة الحج وربطت إدراكك العقلي بالباطني لون الأبيض لون الكفن هو نفسه لون السلام هو نفسه لون الطبيب؟ الآن فقط يمكننك جمع شتات هذياناتك وتقرر في أي شيء كنت تتكلم ، كنت تتكلم عن الطبيب كنت تخبرني أشياءا كثيرة كنت تهذي حقا ، لكن لا شك أنت رجل سياسي لعين كنت تختفي وراء ضرسك اللعين ، تجرأ أنت على الخوض في اللا شعور في الفوضى فالمذهب العبثي لألبير كامي لا يخدمك و لست مؤمنا بالدادائية ، أنت نزعت لحد الآن أضراسا كثيرة و موعود بضرس آخر رغما عنك ، سبب فساد أسنانك و اللثة راجع لما تتفوه به من كلمات عن حقوق الإنسان و الحق و العدل ، تقلّع أضراسك لكثرة الكلام عن الفساد السياسي ، اللعنة على هذا الفم الذي لا يبرأ.
لحد الساعة أنت غير محظوظ كلما ذهبت إلى طبيب الأسنان إلا ووجدته يكلمك عن سراويل الجينز الأمريكية و قمصان إيطالية و أحذية فرنسا وعطورها، كلمك كثيرا عن ماركات لاكوسط وبيار كاردان و لوفيس ومورقان وماركة ناف ناف و عن البدلة العسكرية للمارينز ، طلب منك أن تقتني له بذلة عسكرية مظلية ، أخبرك قبل فحصك عن هوايته في الصيد وعن أشياء أخرى .
الآن تحس الحافلات و الشاحنات تحت النافذة، يهتز زجاجها يحدث ضجيجا حادا من جراء قوة محركاتها، الشاحنات و الحافلات لا تتحرك إلا بعد سخونة محركاتها، اللعنة شقة أبيك تعاني الضوضاء، يوما ما ستنهار البناية. أنت الآن تكلمني، عن الحافلات و الشاحنات، يبدو أنك وعيت كم الوقت الآن ؟ هذا وقت اقتراب ذهاب الأطفال للمدرسة و العاملين للمعامل، كلمتني المرة السابقة عن تسريح العمال من المصانع وعن البطالة في عصر الحداثة التي سرق فيها اللصوص عرق الكادحين.
أسمع أنت تغط في نوم عميق و أنت لا تدري بنفسك، مستيقظ، لست مستيقظا أبدا، والدليل عليك أنك مصاب بتعفن ضرس خطير ودرجة حرارة جسدك تعدت الأربعين، أنت لا تسمعني. لمّا لا تتكلم عن الطبيب ؟ لو أني مصاب حقيقة بالمرض لما قعدت لا أبرح مكاني ناسيا أمر طبيب الأسنان، بت تشك في مرضك أو أنت خائف، لا تقل انك بصدد تعلم المقاومة ؟ ارفع يدك ارفع رجلك أفتح عينيك إن كنت فعلا تتعلم المقاومة ضرس واحد فعل بك كل هذا ؟
يُسْقِطْ الفرد مائة مليون فرد في لحظة واحدة، زر واحد من الأزرار يفجر الأرض كلها، وضرس واحد يتداعى له الجسد بالسهر و الحمى و اللاوعي. عدت ثانية لهذيانك، أنت تقاوم؟ لا، تقول أنك تقاوم أو تتعلم المقاومة ؟ نعم، أثبت إذن ، سوف تثبت ، آمرك بأمر تطبقه ، الشرط أن لا يتعدى قدراتك و لا تكن له صلة بقضايا الأمن القومي أو بما يتعلق بالرئاسة الفرنسية أو ميليشيات العراق أو الوساطة بين دولتين عربيتين و لا حتى بمعجزات كتوقيف الترماي في بريطانيا و جعل ركابه ينزلون أو كجعل العرب و اليهود يأكلون من مثرد واحد ، أو جعل تسونا مي يمر على أمريكا لتثأر الشعوب الضعيفة من القوية ، أو بلقاء بن لادن .
المهم أمرك مطاع فيما يتعلق بك فقط ، و بما هو متعلق بك و بكل ما في هذه الشقة ، أنت لا تزال تهذي و هذا دليل مرضك و أنك في حالة خطيرة والمقاومة عندك لا أثر لها، لما لا تقوم لترى الطبيب ليخلع لك ضرسك لتخلع عنك جنون أفكارك ؟
قلت لك أعطيك أمرا أثبت لك أنك في غيبوبة و لا عقل لك ووجودك الآن بالذات لا وجود له ، أنت تهذي فقط ، حسنا يمكنك أن تتبول على ذاك المسئول الحقير الذي يتكلم الآن من الشاشة ، لكن الشاشة مغلقة، لا أنت غيرّت القناة فهذه قناة أخرى تهتم بالسياسة ، هي كن شجاعا بما يكفي وتبول على ذاك المسئول الذي يعتقد أن لا احد يستطيع أن يفعل له شيء وانه محاط بحرصه، إنه يصرّح بقذارة ألفاظه عن أشياء خطيرة ، هل يمكنك أن تتبول عليه ، سيحس ببولك لا محالة ، سيشم رائحة النشادر صدقني التلفاز قد يحمل رسالة بولك . أنتظر إذا سترى دليلا.
رحت تتبول عليه بلذة و انتصار، لم تأبه بالحافين من حول السياسي القذر، بل بللت الجميع يستحقون هذا، لا تأبه لرؤية الناس لك عاريا في غير استحياء ، لأنهم يرون الآخرين و يسكتون. وأنت تصلي و تعرف ربي وتعرف حدود الشرع ؟ أعطيت الأمر الآن بعد أن أمرت لتحقق الدليل أضف هم يستحقون هذا و أكثر هم لا يأبهون لنا ، أعطيت الدليل واسترحت.
لم تستفق إلا و أنت تصرخ ببذاءة ألفاظ سوقية سفيهة ، البلل في سروالك ، غطائك الملفوف بجسدك المرتعش ، أسنانك تصطك من الحمى ، التلفاز شغال من ليلة البارحة ، الطبيب فوق رأسك يقرر : الحالة خطيرة جدا ينصح بنقله للمستشفى على الفور كنت ترى بياض مئزره اعتقدت انك ترى راية استسلامك المرفوعة فوق رأسك.
خالد ساحلي
التاريخ: كتبت من زمن