صباحات الغبار - زكريا إبراهيم المحمود
إلى ....... ينقصف اسمك بين أصابعي وأنا أحاول تشكيله من جديد
1 – رفع الغطاء عن وجه أكله الموت من ألف عام فاختنق. أشعل سيجارته وبكى- هذه القرية عاهرة لا تجيد الرقص .
2 – صباحات الغبار
- بحث في زوايا صدره النخر عن سيجارة جديدة – فصدمته الأعقاب – جلس فوق تل من البقايا المترمدة أشعل عقبا ونفث دخانه بامتعاض وراح يستعرض رتل صباحا ته:
- صباح أول : صباح مضحك يسير مقلوبا على رأسه وترتفع ساقاه شارة نصر" v "وإذ يرتفع التهليل تتناثر الورود ويتساقط الأرز على حذائه المهتريء .
صباح ثان : صباح ثوري يضرب الأرض بحذائه العسكري وفي رقبته ألف ألف بندقية صدئة .
صباح ثالث : صباح كسيح يزحف في بركة وحل قذرة ورأسه يتدحرج بين قدميه صباح .....
صباح ....
صباح.....
في هذا العقب متسع للدخان ينفث دخانه من جديد فتتحطم رؤاه الصباحية شظايا تتناثر غباراً عاصفً يهيل الركام على الوجه المتآكل موتاً - تتكسر أصابعه وهو يزيل الركام عن الوجه الميت – يتهاوى باكيا ، كانت صباحات القرية تتوالى مجللة بالغبار - والقرية تبحث عن وجه تقابل به رجلاً غاب عنها طويلاً وهاهو ينذر بقدومه .
- في هذه الصباحات الغبارية المريعة تستحيل الرؤية تتوالى الرمال لتلطم وجهه الكالح المتعب وإذ يرفع يده ليتقيها يسقط في الأزقة المنسية يزحف في أكوام التراب – يحاول جاهدا أن يستجلي ملامح هذه القرية التي عاد إليها بشيراً . - يزداد الغبار تصاعداً وهو يحاول أن يتلمس طريقاً وسط هذا العصف الرهيب، يتحسس الجدار يتشبث للنهوض، وفي نهوضه يتفل دماً على أول وجه يراه:
-أيتها العاهرة ألا تعرفين أبا لأبنائك - وفي الوجه المتجمد ترتسم ابتسامة ساخرة شامتة.
* * * *
ينقشع الغبار عن كتل بشرية متلاصقة تشكل دائرة تتسع وتضيق تبعاً لحركة الغبار – تتداخل المشاهد أمام عينيه وفي غمرة ذهوله يكتشف أن ما يراه احتفالاً مهيباً، ويكتشف أيضا أن مشاركته واجبة - يرفع قدمه عالياً ويضرب وجه الأرض فيرتفع الغبار عالياً، وإذ يحدق ملياً تنقشع سحب الغبار عن قوم يحتفلون.. تتوالى حركات قدميه – إنها رقصة الغبار - وهو البشير العائد يجيد رقص الغبار .. تزداد حركاته سرعة وقوة والكتلة البشرية تستدير حوله مصفقة لهذا الراقص العائد، وينتفض الوجه الميت للقرية ليشاركه الرقص . تزداد ضربات قدميه عنفاً وتصبغ خطواته وحشية مرة، والقرية التي نهضت للرقص تغيب ملامحها أمام عنف حركاته . . تبد أ القرية بالتعري تلقي آخر قطعة عن عورتها فتظهر شوهاء قبيحة قذرة، يستدير باتجاهها ، وبلمحة سريعة ترتسم معالمها أمام عينيه . يرفع قدمه وبحركة طاعنة يوجهها لهذه العاهرة فتتهاوى كتلة من تراب – تهمد حركته ويتهاوى بطيئا باتجاه الأرض . لاشيء سوى الغبار وهذه العاهرة لا تعرف نسب أبنائها- غبار.. غبار..دخان..دخان، وفي آخر عقب يجده لم يتبق نفثة واحدة، يمجّها بقسوة فتثير زوبعة تطيح بكل شيء ..هو الغبار ولا شيء سواه - أيتها النائمة الميتة خذيني إليك ..
بعد أن تتآكل يديه يزيح كتل الغبار عن الوجه الميت ويلقي بنفسه في حجر الميتة النائمة. وعلى الوجه المتآكل موتاً ترتسم ابتسامة ساخرة شامتة