» النقد
الحلم المختنق بالواقع..قراءة في نص قاسم مطرود "أحلام في موضع منهار "- عمار كاظم محمد
تتخذ موضوعة الحرب في معظم نصوص قاسم مطرود المسرحية بعدا عميقا وواقعيا كونها تنبثق
من جيل عايش ظروف الحرب ومآسيها فامتلأت ذاكرته بقصصها ومواقفها على مستوى الذاكرة الجمعية لشعب عانى وما يزال يعاني من ويلات الحرب من جهة وعلى مستوى الهم الإنساني المتمثل برفض هذه الحرب كونها تمثل وضعا تنعدم فيه الشروط الإنسانية من جهة أخرى وإذا كان"كل سلب تعيين"كما يقول اسبينوزا فان قاسم مطرود في تخصيصه لموضوعة الحرب في هذه المونودراما هي محاولة للقبض على مساحة من ذاكرة تحاول طرح وجهة نظر أخرى لم يكن من الممكن طرحها في ظل فترة كانت فيها جميع الإمكانات مخصصة لدفع عجلة الحرب وتجاهل الهم الأكبر لمعاناة الإنسان العراقي وانعكاسات ذلك على المجتمع.
من هذه النقطة تبدوا وقفة قاسم مطرود وإهداءه النص إلى أخيه مسألة يتداخل فيها الألم الشخصي مع المعاناة التي مر بها كل المجتمع العراقي وهو يواجه ظروف الحرب اللامبررة وانعكاساتها النفسية الأليمة التي خلقت لنا تاريخا مليئا بالعذابات والمواقف المأساوية.
تبتدئ هذه المونودراما من مشهد الحرب في الجبهة وأصوات الانفجارات لجندي قتل رفيقه في نفس الموضع بفعل القصف وهو يستعيد ذكرياته مع هذا الإنسان الذي غدا أمامه جثة فقدت صلتها بالحياة فينطلق عبر مونولوج إنساني يقارن فيه بين أحلام هذه الجثة التي كانت بشرا ممتلئا بالتطلعات والآمال وحب الآخرين غير أن واقع الحرب المرير يجرفه بعيدا نحو ساحة القتال فيغدوا مجرد رقم من الأرقام الكثيرة التي ابتلعتها الحروب وضاعت أحلامها وهي محشورة بين"البيرية"و"البسطال"هنا يبرز الصراع بين الواقع والحلم والموت والحياة والكينونة والتلاشي في محنة حلاجية ليس لها ذنب سوى أنها تعرف أكثر مما يجب وتريد أن تمارس حريتها لكن الواقع يطبق عليها بغباوته وقسوته...."أراد أن يصلي
- كيف الصلاة والموت يتسابق إلى الله ؟ قلت
لكنه قرر أن يتوضأ
- تيمم أيها الرجل
- كيف التيمم والماء قربي
أراد أن يصلي لأن وقت الصلاة حان
حمل خوذته ليملاها ماء, وما أن خرج من الموضع حتى امتلأت خوذته بالدم لقد قرر الصلاة
"صوت انفجار تعقبه فترة صمت قصيرة "
- هذه يده
- ساقه هناك
- قربك محفظته وصور ولده
- أين الرأس لقد اختفى رأسه
ومن بعيد سمعتك تصيح
- إن وجهه توضأ بالدم وقد أدى الصلاة بموعدها.
في ظروف كهذي يعتاد الإنسان الموت كما يعتاد أي شيء آخر لذلك لا تبدو مسألة عدم الاكتراث شيئا غريبا...سوى فقدان رقم آخر من أرقام الحرب ولذلك يغدوا كل دم مثل دم رفيق هذا الجندي"عانق التراب وشكل خارطة لوطن تمتد فيه وحدك " لكن المحزن أن تلك المأساة ليست استثنائية وليست بمنأى عن الجندي الوحيد الذي بقي حيا فهو يتنبأ بموته القادم"سأرحل و أعلم أن محبتي هي التي دفعتني أن أكون معك الآن "
إن ما يمر به هذا الجندي يمثل مأساة حقيقية لكل من عايش ظروف الحرب واكتوى بلهيبها وهي صرخة إنسانية ضد كل مشعلي الحروب في هذا العالم لأن حياة إنسان بالنتيجة اثمن من كل المكاسب التي تحصدها ومقتل الجندي بطل هذه المونودراما في نهايتها هي صرخة احتجاجه الأخيرة ضد ما يستنزف طاقات الإنسان في قتال لم يكن يستوجب كل هذه الدماء لتدعيم عروش أثبتت عبر امتداد التاريخ فشلها وتفاهتها...لكن الثمن دوما غال والمحنة هي فقدان الإنسان وخسارته التي لا تعوض.
نشير في النهاية إلى أن المؤلف قد أبدع كثيرا في كتابة نص تقترب لغته من النص الشعري لما فيه من إيحاءات ورموز ربما لا يفهمها أحيانا إلا القارئ العراقي الذي عايش ظروف تلك الفترة وهو أمر ليس بغريب على فناننا المبدع قاسم مطرود وحبذا لو تجمع النصوص التي تتناول موضوعة كهذي من مختلف التجارب التي تناولت"ثيمة"الحرب وانعكاساتها على الإنسان مع تجارب المسرح العالمي والعربي وتحت عنوان"مسرح الحرب"مثلا لكي تمكن الباحث والمختص من الرجوع إليها عند الحاجة أو إعداد دراسة مسرحية عن ابرز السمات الأساسية لمسرح الحرب بالاستعانة بتلك النصوص.