غطرسة الألم ونيازك الحلم.. فواغي و الزبيدي - رحاب حسين الصائغ
تحت ظل الشمس كل شيء يتحرك ولرسم بسمة في أعماق الحركة لا بد من تعاضد الجهات، والمستحيل لا يستطيع الاقتراب
من أجراس لا تكف عن الرنين، الهلال يشقى حين البزوغ وحين الأفول، أما حين يكون بدرا يسلب العقول والقلوب، وقد يحدث كثير من أسباب الفشل في ظل وجوده.
الشاعرة فواغي ألقاسمي وقصيدة ( شهوة الجنائز) والشاعر صباح سعيد الزبيدي وقصيدة ( ورود الامل) يبحثان عن فنار الأمان في مضمون قصيدتيهما بقدر الفرق الموجود في العنوان للقصيدتين، نجد نفس الباعث للفكرة لا غير المرأة من يحدث الحركة في الحياة عامةً بكل تفاصيلها، فواغي تعمل على الحصول لمفاتيح الحرية والتي لا تأتي اعتباطاً، بل بالبحث في ثقوب كل التاويلات من حولها والتي باتت شبه ثوابت صباح الزبيدي أيضا يرمز لوجعه المستمر من لحظة تركه الوطن" جذره " إلى اللحظات التي قادته للشعور بالوحدة واللوعة إن لا غير المرأة منفذ وخلاص له من كل وجع وحريته التي أصبحت كانخلاع الضرس من الفك لا بد من وجود لحواء لتغسل عنه الهموم وتخفف بوجودها بعض الألم، رغم البعد تعيش في داخله الحبيبة وتحي دقائق يومه وساعات أمله بالعودة.
الشاعرة فواغي القاسمي، تندمج في التواصل التجريبي بخاصية الوعي وتسعى بإرادة متينة على العمل في قمع الكبت النفسي وتقليم نمط حرقة مزروعة في علبه الصدر رغماً عنها تنزف اهتمام مدفون في المأثور من الحياة ونستنج من قصيدة ( شهوة الجنائز) بقول:
يا هداة الليل الملهمة الحميمة..
ها أنت ترتبين نجومه المطفأ على موائد الحنين
تمشطين شيب الافوال بأصابع الحرير
وتضفرين جدائل القصيدة
تستدرجين النعاس من عيون آلهته
فواغي تريد ما بعد الغامض من الكلام لتستمد من ثقوب أفكارها خطوات تحرك بها سواكن القوا بها في أحضان حواء، المرأة التي تعلم جيدا أن عبير الانفلات في المشاعر لا يوقفه هذيان الغضب أو صمت خاوي، لا بد من عمل إيجاد حل لجذور هذا الشعور حيث تقول:
لتسكنيها سوا رد الأحلام وأثير الأمنيات العذاب
تسرجين همهمات الشجون كأوشحة للدفء
حتى الصقيع يفترس مفاصل الذكرى
توقدين أقمارك الخافقة كالأحلام التغاريد
الشاعرة ألقاسمي تكسر القيود وتحطم القوالب وهي تدرك أن أسمال المتعة المنحوتة ولابد أن يكون لصدف أحجارها بريقا لا يملكه إلاَّ أصحاب القلوب الخاوية، التي تشبه قلوب الكهان حيث تقول :
وتزرعين خرافة التأويل كأيقونة على ضفاف اليقين،
ويا ساقي الليل الحنون
ثملة كؤوسك بحشرجات التناهي
ونشيج الأيام المأزومة
فواغي تجد نفسها إن لم تفعل شيئاً في زمانها ستبقى الأسطورة والخلود كدمية تتسلى بقش المتعة التي يحوم حول فكرها ومشاعرها المضيئة في الشعر، أما ما معناه الحقيقي في الحب، ولذته التي تهزُّ الصدر حتى لو عن طريق سبيل طير عابر، لتقول له إن التعبد بدون حب غباء، ولابد من فردوس تعيش فيه مشاهد يومها بقولها:
غناؤك المعجون بتمتمات الناي وسقسقات العنادل
يقاسم الاملود المئيد دلالة النسيم
يتسلق العتمات الكئيبة
فواغي تدرك أن هبوط الضوء يمتزج باختلافات اللحظة، فهي لا تريد أن يكون للصحراء كثبان تسحر رمالها العابرون، وكي تتهجى قيامة كل هذا التصحر وأسبابه الواهية، توجه دقاتها إلى الأبواب الموصدة ولن تسكت حتى توصل صوتها نخاع كل الأمواج ورياح كل الكرة الأرضية بقولها،
انظري...
هل تبصرين؟!
من أوهم قلبك ببراعة الألوان
وملاحم الظنون وصباحات الحقيقة؟!
ها أنت ذا تلملمين بقاياك المجروحة النازفة
بانكسارات هشيم أمانيك
على حطام مرايا كسيحة شوهاء
تتناثر انعكاساتها على مفارق الشعور
فهل أدركت تلك الحقيقة..!
الشاعرة مشتعلة كسيدة منتفخة بالدهشة يمتلها شعور بالشجاعة بحملها رسالة لا يفقه منها إلاَّ القلة سلوكهم قادر على منحها وسام امتلاك سر الحقيقة، إنها تعيش من اجل محو تلك السعادة السوداء، ونجد ذلك واضح في قصيدتها حتى النهاية( شهوة الجنائز، وتعلم أنها قادرة على فعل شيء مادام هناك شروق يكحل عينيها ولن تستلم بقولها:
كنت شاهدي على فرحي وحزني
صحوتي وشجوني
انتظاراتي واحتضاراتي...
فما بالك أيها الليل السمير
شاخص الإبصار بعيداً في متاهاتِ الكآبة!
تتحجر دمعات مآقيك اللاهبة
فترتج في أعماقي أعمدة السكون
ودهشة تظل عالقة في عتمات أفولك المباغت
الشاعر صباح سعيد الزبيدي، وقصيدة ( ورود الأمل) يربط متأبطاً تقاطيع الفجيعة العراقية ويمزجها بمعاناته التي تتمثل في المرأة، الحبيبة التي فقدها برحيله مختاراً الغربة يحمل قلبه فجيعتان فراق الوطن والحبيبة، مع انه هناك في الغربة يحس انه مذبوح بقوله:
في منتصف دروب اليأس والوحشة
ثملت بالأحزان والجروح
ابحث عن امرأة جعلتني كقطع الهباء
تركتني على قارعة الطريق
بلا وداع ..
مزقت كل رسائل الرجاء
وفي مملكة الشوق والآمال
دق ناقوس العمر..
يعلن الوداع لأحزان حلم كئيب
عندها لملمت ما تبقى من جروح
تمرغت بالصبر
وأوقدت الشموع
يعيش أهوال الحدث ولا يملك من مواساة لنفسه غير التغزل بحبيبته تلك المرأة التي يجدها أقوة منه رغم انه لا يقدر على عمل شيء غير التذكر والعيش بحلم العودة واللقاء بقوله:
ها أنا.....،
على ضفاف الدانوب
وفي سكون الليل الهادئ
أرى ظل أشجار الصفصاف
يقتفي هواجسي..
وغيض أحزاني..
فأشفق على مسراتي الكئيبة
أشعل النار في موقد روحي
وعند هيكل صمتي
انتظر اللقاء...
لندفن كلمات العتاب
ونسقي بدموعنا ورود الأمل.
أما في قصيدة ( أميرتي الجميلة ومملكة الوفاء) يعوم نفس العوم صارخاً بخفوت اكبر من أي صراع يعيشه العراقي مغترباً مستلباً يحتضر بين عالمين يعاني منهكا وجوده والفراق، كمن محكوم عليه بقبض السراب ثمناً لحياته ولا يجد غير المرأة مصدر لإسكات شقائه يقوله:
وها أنا..
لا زلت في غربتي
أسير وحيداً في أزقة الحياة
وفي محطات الحزن
ابحث عن وجهك الذي رسمته فوق جدران قلبي
وها أنا..
لا زلت أسير الشوق والوفاء
وفي وادي الحزن..
اكتب قصائد شوق
لك يا حبيبتي.. ولمدينة طفولتنا..
فهاتي كلمات حبنا الأولى
وحروف أسرار الهوى
لا تعاتبيني..
واهجري الشكوى
وصدقيني عندما أقول ..
اشتقت إليك..
ولا زلت احبك..
وصدقيني عندما أقول..
أن في القلب جرحا أليما
الزبيدي يحمل شقاء آلاف الشباب مثله التاركين حبيباتهم وأمهاتهم ذكرياتهم وطنهم الذي يذبح على مرا من العالم وشعوره بان حجمه ضئيل في بلد الغربة يعود عليه دائماً بأنواع من الألم النازف في جوانب خافقة، يناجي المرأة الحبيبة والأرض المفقودة بقوله:
آه يا عمارة ..
آه يا مملكة الوفاء..
أرى في عينيك الحزينة وطني المستباح والممزق..
فتقتلني أحلامي المجنونة
وفي مستنقع الظلمة
أشعل شموع الشوق..
واسكب دمعة غريب
لأسقي بها ورود حبي التي لم تذبل بعد..
آه يا عمارة ..
هذه أحذية الغزاة والغرباء
تدوس ورود حبنا البرئ..
وتقتل أحلامنا الوردية
وفي زمن الحرب والقتل ..
وليالي الخوف والتشرد
يقدم العاشقين قربانا لآلهة لا تعرف الرحمة.
قد تكون أهواء الماضي خلقت من غسق اعوج هواؤنا تحمل ثمار اللهفة لتتعانق فيها النداءان المستمرة لأمل لا بد منه أن يجد لذة تقع في قلب غدهِ المبتسم، والنظر في مرايا النفس قاد الشاعرة فواغي ألقاسمي إلى انعكاس نابع من قلبها المفعم بالحياة، تاركة لمعلقات أكل عليها الدهر فضوله القديم فلم تجد بد من محاولة التغيير، والشاعر صباح سعيد الزبيدي، يعلم جيدا أن لكل صدى رنين والذكريات رنينها صوته عالي في داخله فلجأ إليها تخلصا من حالتين استفهاما تهما كبيرتان تحكمه فلم يجد غير التنهدات والمرأة.
--