(( جوزف كونراد والاستعمار الحديث )) - جمال نوري
حين كتب جوزف كونراد ( 1857 – 1924 ) روايته الشهيرة (( قلب الظلام )) لم يدر بخلده أن مناهضته للاستعمار البريطاني
في قلب أفريقيا نهاية القرن التاسع عشر سيتم تجسيدها على الشاشة لاحقا ً كفلم سينمائي معارض للحرب يصور فيها المخرج الكبير (( فرانسيس فور كوبولا)) بعد أن إقتبس موضوع رواية (( قلب الظلام )) بشخصياتها وأحداثها وتفاصيلها المؤلمة والكابوسية ونقلها من مجاهل أفريقيا في الكونغو حيث جرت احداث الرواية الى فيتنام خلال الحرب الأمريكية هناك لكونها تحمل مضامين كونية وانسانية تصلح لأزمان وأماكن متعددة شأن الأعمال الأدبية الفريدة .
يصور كونراد رحلة مارلو عبر البحار الى مجاهيل أفريقيا بحثا ً عن أحد موظفي الشركة الذي غاب وأختفى في الكونغو وفي حقيقة الأمر كان كيرتز قد بهر الأفارقة بمعطيات الحضارة التي إدعت أنها ستغير حياة ذلك الشعب المقهور وبدلا ً من أن تفعل ذلك حقا ً إنصرفت الى نهب الموارد الطبيعية ومسخ هوية الناس المعدمين وكشفت عن صورتها الحقيقية ببشاعتها و لا إنسانيتها وهي تقتحم عوالم بكر لحياة إعتقدت أنها ترسف في الظلام ولكنها في واقع الحال بددت تلك البراءة والوداعة التي كانت عليها حيوات أولائك البشر ، وأشتغل كونراد بوسائل تعبيرية وسردية وفنية مبتكرة لإضاءة صوت الرفض والاحتجاج الذي بذره الظلم والأستغلال ولم يقتصر صوت الأحتجاج على البشر حسب بل تمثل ذلك بغضبة الطبيعة في كل تفاصيلها فها هو ذا(( مارلو)) يبحر الى قلب الكونغو بإتجاه عكس التيار وهي إشارة الى جسامة وخطورة هذه المهمة في أرض غريبة على هؤلاء الأغراب ... وأستطاع كونراد أن يوظف لغة إنكليزية لاتخلو من صعوبة وتجديد لأنها وليدة ثقافات متعددة أضف الى ذلك أن كونراد بحسه الأنساني إنتصر لذلك الشعب الذي رزح تحت نير الأحتلال وبشاعته حيث كانت الشركة المتخصصة بتصدير العاج تستغل المواطنين وتستنزف قواهم من دون مقابل في حملاتها الوحشية لإبادة الحيوانات والطبيعة وأستطاع كيرتز بنباهة وخباثة الرجل الأبيض أن يبهر السود وأن يتسيدهم ويؤمن بمفاهيمهم وينتهك في ذات الوقت محرماتهم ويتجاوز على وجودهم وأسرارهم ..
لقد كشف كونراد بمجساته الأنسانية المرهفة هول الإحتلال وإفرازاته العجائبية المرعبة التي يدفع ثمنها الناس من خلال ابتزازهم وامتهانهم ومصادرة حرياتهم وتمزيق شملهم ..