((علينا أن نجتهد بفعالية للتغلب على أحكامنا المسبقة.)) مارتن هايدغر - محمد العبيدي
حـــــــروف
تقال
فتوقظ الوجع
ما أتفه الوجع
حين توقظه الحروف
عطشي طال
حتى تاهت به الأجساد
ولما بلغت الشاطئ
لم يعد وجود
للأفواه...
كيف نقيس صيغة الاشتراك بين الفكر والشعر (( المفكر يقول الوجود، والشاعر يذكر المقدس)) الفكر يسعى إلى بنيات مجموعة الوجود، والشعر يسعى إلى المطابقة مع المقدس .
عندما يتحمل الناس كثير من التراجيديات ، يتحمل الشاعر والأديب والفنان والكاتب آلام تصل إلى حد التطرف لان تصوير هذه الآلام لم يسمحا بظهور الاستجابة الآنية كونها مبنية على المشاركة الوجدانية الحقيقية فنحن نبتسم كثيرا حينما يكون الشعر ممتعا وطريقة الإلقاء وطريقة العرض والأفكار ومنها تتألف الصيغ الشعرية عند المتلقي المعني الوحيد بما يقول الشاعر، قد تثير القصيدة مشاعر غير جمالية في كثير من الأحيان عن طريق مفردات تستهدف إثارة الانفعالات والشجن الحقيقي، الذي يحرك المتلقي من المشاركة هو الآخر بخيال مثير للانفعال عندما يصف الشاعر وحدة الإحساس بالألم وهنا تمتزج الإثارة الجمالية للقصيدة بعد أن يضفى على المتلقي لون تراجيدي أو صفة من صفات الشجن.
(( ابتهال بليبل)): مثلت وظيفة الإبلاغ في قصائدها بدلالة رسم الأشكال أولا لأنها مثلت التكوين بشكل مبعثر وعلى نحو غير نظامي ولا تخضع هنا لنظم علاقات متفاعلة ضمن التكوين الواحد بدليل أعطت مفردة الوجع والألم سباقة في الكلام وهذه ليست بساطة في الإمكانيات ولا هي بالشيء السلبي، ولكن التحليل يكون متاحا في مفردات القصيدة أكثر من غيره من الأعمال الفنية حيث يعمل على توظيف ، وتخليد الأفعال البالغة الأهمية في نص يعتمد على خطاب يهيمن فيه الفكر ذات المستوى الخيالي الذي يعتمد على تجميع الأفكار، ويبعد التفكك ويصل إلى تعدد المشاهد وفق تراتبية المشهد في العمل الفني . كون الحقائق المعروفة في أي عمل تزدحم الاشياء دون مبرر في المقدمة وربما يتطلق ماهو قديم لبث نوع من العلامات الاشارية التي تستعمل لربط الاحداث ، وبمجرد القاء القصيدة او ظهور اللوحة او التمثال النحتي او سماع القطعة الموسيقية يكون هناك امر حاسم مستعد لاعطاء القرار وهنا يرى الكاتب ان من غير المستحسن ادلاء او تصريح بقرار دون التحليل والبحث في جوهر الموضوع لاننا سنكون عرضة لتاويلات موجودة وماثورة ، تحدد الاشياء بمسمياتها .
والشاعرة (( بليبل)) تقول:
أنسلت ..
من الوسادة أحلام
وارتمت
على جسد التراب
تنتظر...................
يدنو
بنبؤءة عتيقة تمحو
ما اعتراها
الزمان من أوهام
*******
تسائلني الروح :
هل لي عودة
إليه ؟؟
ـ لا ..
كنتِ في كل الجهات
واليوم ........
هل لي جسدي ؟؟
ـ لا ...
اضمحل وتلاشى ..
هل لي قلبي ؟؟
ـ لا ..
ضاع ، واحتشد بالمتاهات..
هذا النقل في عالم الحياة بدلالة المكان فرض هيمنة وخصوصية على الموضوع لان مفردة الروح والجسد احتلت حيزا لتنقل الحدث بصورة مثالية إلى العالم الآخر ولأنها بدأت تجمع بين عدة فعاليات للصراع أراها إنها وظيفة تعددية لم تغادرها وهي الإبلاغ عن طقس معين ملازم لها أينما تذهب ربما عامل التأثر والتأثير مطلوب لكن ثقتها بالفكر الاجتماعي مفرط والخيال يعمل بصفة مراقب ولا يقرر شيئا ، فقط له من الحيز المكاني الثابت الذي أرشفت به الشاعرة احد القصص لتضمن تكرار حدوثها في قصائد أخرى .
ســــــأحبك ...
ريثما ينتزع جسدي عن روحـي ...
ســـأحبكَ ...
ريثما أتجرد من رغبتي بتقمُصكَ...
ســـأحبكَ ...
ريثما تكتمل طقوس رهبتي ...
ســـــأحبكَ ...
ريثما أصحو من الثمالة التي تسكرني ...
ســـأحبُكَ ...
إلى أن أرتمي بأحضان وهمُــكَ ...
وتعانقني بنشوة لجــوءكَ ..
لتخترق أنفاسي صَدر غفوتَكَ ..
قُبلاتَكَ لاهبـــــه تُحرق واقعنـا ..
تَزداد وتَزاد تقرباً من أشلاء دهـــــوري كصياد ..
تنغمس في فـــراش أحلامي ..
لتسحب غطاءي وتعريني من واقعي ..
هنا التغير مطلوب والتشكيل له خصوصية عند الشاعرة وذاتية القصيدة سأحبك)) بدأت بالاستعاضة عن كل المهيمنات التي كانت عناصر ضاغطة وأشكال يمكن اعتبارها رموز فكرية كامنة في بنية الفكر وهنا الدلالة هي ليست عدم الاهتمام بالزمن وكلمة الحب مؤجلة والموافقة عليها مرهونة بشروط و الاهتمام بالكل والتأكيد على ماهو خاص. وإنما أعطت للأجزاء دور في داخل القصيدة لكي تكثف البلاغ الجمعي الموجه نحو المتلقين .
(( ابتهال بليبل)) تكسبني الشجاعة في بعض الاحيان وتحدث في نفسي بل وتجرفني في مناظر بدونها قد تبعث غثيان النفس وبما اني قاريء جيد ومتابع ممل ولكن تخصصي في تاريخ فنون بلاد الرافدين والفن التشكيلي العراقي المعاصر يعطيني ، في بعض الاحيان الفضول في عمل النقاد ، ولكن اريد ان اقول لقد وجد النقد في اول كتابة رافدينية في اول قصائد شعرية مكتوبة ومفخورة من رقم طينية وهي التي حددت ثقافة بلاد الرافدين في (( ملحمة كلكامش)) مانحن فيه؟
وهذه القصيدة بالذات(( سأحبك)) لها ارتباطات معينة مما جعل الشاعرة ان تتصل بالمشاعر المركبة ، وبالمقابل اوقفت الصوت الكلامي والحركة واندفاعاتها التي اعتقد لو استمرت فيها لكان لها تاثير قوي في حركة الشعر العراقي المعاصر ، لايمكن ان اجربها الان ولكن اذا قرات كل قصائدها وهو المطلوب من كاتب المقال، لوجدت انها تستثار انفعالاتها بشكل معمق وهذه الاثارة هي التي اكسبتني الشجاعة في الكتابة عنها ومن ثم الاستماع الى قصائدها وكم تمنيت القصائد مسموعة .
ببطء وخفة تمارس معي جنون الشــعر ..
ترمــي بحروفي عليكَ وتلتصق بكَ
لــذة تجتاحُ أوراقكَ ...
ســـأحُبكَ ....
الى أن أخـــــونكَ مع قلبكَ ..
سأغريه بأنوثة كلماتي وأسحرهُ ..
ليقع في هيامي وأغويه حتى أدنسهُ ..
أدنسهُ بشهوة مجردة من الانتهاء ..
يـــــــارجل ..
ألا تثيركَ أوجاعكَ للخلاص ...
ألا ترغب بالجنون ...
يـــا رجــــــل...
ألا يكفيكَ ؟؟؟
التلاوة والركوع ؟
هل ستتلو عليه آيات من كتابُكَ المقدس...
اعترف امام الملأ ان ايقاع الوزن يسمو بالعاطفة ويوضح تكاملاتها فيجعل شعرها برحابة الصدر ومعقولية الذهن ولان الفن كما يقول ((جورج سانتيانا)) في كتابه الاحساس في الجمال (( ان الفن ليس مجرد مهارةوانما هو مهارة تخدم الجمال )) وبهذا استطاعت(( بليبل)) ان تمزج ضروب التعبير في القصائد السابقة بما في ذلك التعبير عن الحقيقة وتضيف الى قيمة هذه العناصر، العامل الحسي والايحاء بالاشكال الجميلة السعيدة بالرغم من طرحها ماساة ومهما بلغت الاسى تتخلل في مفردات قصائدها موضوعات مثيرة للشجن .
هذا ليس اطراء للشاعرة ولاينبغي علي ان اخفف من حدة الموضوع ولكن وجدت نوع من الارتباطات السارة فيما تقول:
لن أتمرد عليكَ لاني جُردتُ من ديانتي ..
وأشهد أني في حبُكَ مجنونة ..
وأشهد أني الى محرابكَ أنتمي ..
وأشهد أن جنتي أحضانُ وهمي ..
وأشهد أن جحيمي أحضان الحقيقة ...
أتــــوب اليوم ،،، من الدنس ..
من دنس كل رجُل في أوراقي ...
أتـــــوب اليوم من مغازلـــة ...
كل حرف مثير غير حروف ..
أنتمـاءي إليك ..
لايوهم المتلقي أن السرور هو فقط مبعث الفرح ولكن عندما تتهيأ الفرص القادمة من الحياة باتجاه صحيح، هو أيضا موضع فرح وإذا كانت الابتسامة إشارة ودليل لفقدت الماسي شيئا من لطافة السحر ولكان المجتمع أسطوري خالي من الحزن أو خالي من الابتسامة السعادة عامل معم وله إشعاعات من خلالها نحقق الحب والطموح ، التي تتآلف معه التراجيديات كل هذه الأشياء بدت تتوالد عند الشاعرة بشكل تهيمن الرهبة والقدسية أمام قوى إلهيه ، هذا في اعتقادي هو تكثيف وظفت فيه عناصر التوازن في الحركة والاتجاه مثلما فعلت في قصائد أخرى ونجحت في تأليف علاقات بنائية عملت على إكساب المشهد، نوعا من السكون باعتبار انه يضم مفردات بمستوى روحاني عالي يمثل الطابع لوقار الشخصية .
وقبل موتي ضمني في تابوت ذكرياتكَ ..
فأني شهيدة طقوس حُبكَ ..
ومنها الخيانة مع قلبكَ ..
قلبُكَ أغراني في ليلة كنت جريحة فيها ..
وبدأ بإثارة غرائز أصابعي ..
لتحتضن قلمي الأحمر وتعتلي ..
أوراقي بشغف ونشوة كإعصار ..
وتكتب وتخط وترمي بعصارة أوجاعها ..
كل ليلة يحضرني قلبُكَ حاملاَ قناع ما ..
ليلة أسطرهُ حب ..وليلة أرميه نشوة ..
وليلة أحسبهُ اغتصاب ..وليلة خيانة ..
وأخرى وهم وعاشرة وهج ...
ومائة كذبة ومليون أسطورة ...
قد يتفق معي البعض عن اختفاء الدور الجمالي ليس للقصيدة او عملية البناء، وربما الشيء المفرح فيها إنها تنتظم بإنشاء يبتعد كل البعد عن المعنى المجازي، ونظام التوزيع الداخلي مفرط بالهم والحزن ، والتوازن موجود في الأشكال الرئيسية والرموز والعلامات، حاضرة وتعمل هي الأخرى بانتظام الشاعرة تجعل من (( الحب)) كلمة تقديس وتنشرها في فضاء المشهد الشعري لتؤكد زرقة السماء وذهبية ألوان الشمس وضياء القمر وجمال المطر ونسمات الليل ، هذا له من القدسية ايضا ولكنه إبلاغ رومانسي خلق أعلى قيمه الروحانية عند وجود المدرسة الرومانسية في بداياتها ، إنها جسدت وجودية الأشياء بمعانيها وان لم تكن رؤية مثالية ولكنها بالتالي ارتبطت برموز الصفاء وتحقيق البقاء للإنسان ولا يشوبه أي شيء دنيوي للحياة لتبلغ به مكانة يبعث فيها البشر من جديد.
هل ستتركني وترحل ؟؟
هل سأتركك وأرحل ؟؟
ألتصاق حروفنا في سطر واحد بات يستحيل الرحيل ..
يستحيل الرحيل ..
أن رحلنا ...
سيشطب الدهر أسماءنا وأقدام حروفنا ..
ونغدو عاجزين كسح ..
مشلولين ...
لا طريق نسير فيه ..
ولا خطوات تجرجرنا ..
أهذا يـــــــــارجل ؟؟؟
دينُكَ !!!
أهذه نبوتُكَ ؟؟
التي رميتها إلي وجعلتني أهذي بجنون ..
مجنونـــــة ربمـــــا أنا في هذيان ..
يـــــــارجل سأحٌبكَ ريثما ...
يرعبني رعد هطولكَ ...
لعالم شديد الزحام ،
أصواتهُ ،
صاخبة ، ماجنة ، مميتة حد الجنون ..
أتـــــــرك تراتيلكَ ...
وكفاكَ تحرقني بتعويذتُكَ ..
أني يارجل أحترق ..
هل أنا من الكافرين بتراتيل عشقُكَ ؟؟
لتحرقني ؟؟
ألم أعلن إليك التوبـــــة ذات جرح ذات ليل ..
ألم تلقني آيات من جنونكَ ...
ألم تسقيني ماءكَ ...
حتى ثملتُ بطقوس وجدٌكَ ...
كل شيء فيكَ غريب ..
لم ألفهُ لغيركَ ..
ياعشقي أناديكَ يارجل ..
لنبدأ طقوس الرهبنة ..
الآن ..
اترك المتلقي ليكشف للشاعرة (( بليبل)) بنيتها العميقة ومفردات احتلت من جدران القصيدة، وتضايف مع الفضاء صور كسبت صيغة الزخرف بعد أن احتلت دور الفاعل السحري الطقسي للحدث وضمنت تحقيق وحصول الفعل الجنائزي المهيمن والغير معلن بنهاية القصيدة وأنا أعلن عن السرية والتحفظ والانغلاق على أن أقرا قصائد(( ابتهال بليبل)) وعدم الإفصاح عنها مستقبلا.
محمد العبيدي