لإرهابي - قصة - نجم الأميري

لإرهابي - قصة - نجم الأميري

استيقظ صباح ذلك الأحد على رنين جرس السنيورة (ماريانا) وهي تدعو النزلاء لتناول طعام الإفطار في البنسيون المطل على ساحة (دون كيخوته) في (مدريد) حيا الجميع . حيته بابتسامة ,

وهي تضع الأقداح والأطباق على المائدة ثم اقتربت منه قائلة . لقد أخبرتني البارحة, إنك ستغادرنا يوم الاثنين, أرى أن تقضي اليوم الأخير في (البلازاتورو) . إن من يزر أسبانيا ولا يشاهد رياضة مصارعة الثيران فكأنه لم ير شيئا.
شكرا لك .. سيدتي, سوف لا تفوتني المشاهدة هذا اليوم.الازدحام على أشده في ساحة مصارعة الثيران (البلازاتورو) سياح أجانب, شباب من الجنسين يرتدون الفانيلات والقمصان الحمر .
أخذ مكانه في المدرجات المكتضة .
بدات الجوقة الموسيقية بالعزف, إستعرض المصارعون هتافات الجمهور تتعالى محيية نجم المصارعة اللامع فرناندو وهو يرد التحية برفع قبعته مرارا .
تتوقف الموسيقى, خيم الصمت لحظات على الساحة , فتح باب جانبي , أنطلق منه فارس يحمل رمحا , دار في الساحة ثم توقف,ومن الباب نفسه, إندفع ثور أسود ,ضخم هائج,ذو قرنين حادين متجهين الى أمام.
لم يجد أمامه سوى الحصان فهاجمه ,عاجله الفارس بضربة عنيفة غرز فيها الرمح في مؤخرة عنقه وأستمر يضرب حتى تدفق الدم كالنافورة ثم سال على جانبي الرقبة . ثم برز مصارع , وبخفة ورشاقة استطاع أن يغرز سهمين حادين في الجرح الذي احدثه الفارس . وتلاه مصارع أخر يحمل سهمين غرزهما في الموضع نفسه, وبعد ذلك أطل المصارع الشهير (فرناندو) متبخترا يحمل قطعة النسيج الحمراء وأستقبله الجمهور استقبال الفاتحين بالهتاف و التصفيق .
كان الثور, متداعيا خائر القوى, ينزف من منخرية وقد مد لسانه الذي سال منه خيط رفيع من الدم في الوقت الذي غشيت عينيه الواسعتين غمامة حمراء.. تحامل على نفسه وهجم على المصارع الذي تفاداه بقطعة النسيج الحمراء وقد لامس جسده جسم الثور بانثناءة رائعة.
توقف وأخذ يضرب الأرض بوهم , والمصارع يستفزه بصرخات متتالية .
واجتاحت الجمهور هستيريا جماعية , تطالب اللاعب بتوجيه الضربة القاتلة من الشيش المخفي في الرقعة الحمراء. لقد أحزنه مأزق الحيوان البائس وهزته من الأعماق المعادلة غير العادلة.
انتفض واقفا يصرخ بأعلى صوته (تورو, تورو) معتقدا بأن الحيوان المحتضر سيستفيق من غيبوبته ويدفع الأذى عن نفسه .
ضاع صوته وسط الاسواط ولكنه استمر بالهتاف, استجاب بعض المشاهدين ممن أشفقوا على الحيوان , واخذت الاصوات تزداد, فحدث انشقاق بين المشاهدين, ازداد الصخب ثم تحول الى شغب, بدأ يقذف بعضهم بعضا بكل ما تصل إليه أيديهم. لم يشعر إلا والدنيا تسود في عينيه والارض تميد تحت قدميه وشى لزج يسيل على وجهه , ثم غاب عن الوعي .. فتح عينيه كانت السنيورة (ماريانا) تقف عند رأسه ورجلان مدججان بالسلاح يقفان قرب سريره.
سنيورة ماريانا.. أين أنا .. وماذا حدث؟
أنت في مستشفى (القديس بولص) , ثم ناولته صحيفة (مدريد ديلي) , رأى صورته في الصفحة الأولى وتحتها كتابة بالمانشسيت العريض ..
هذا أنا يا سيدتي .. ما ذا تقول الصحيفة على ..؟
إحباط عملية إرهابية , إرهابي عربي يقود عملية إرهابية (يالبلازاتورو).. !
ومن هذان المسلحان..؟
أنت موقوف بتهمة الأرهاب , وقد فتشوا غرفتك في البانسيون, أجابته السنيورة, متأسفة لما حدث.يا سيدتي, كل جريمتي إنني لم أهتف (لفرناندو) , ولم أشجعه على القتل .
ستكون محظوظا لو تسافر إلى بلادك بدلا من تسقيرك إلى إحدى القواعد في البحر الكاريبي..
كما سمعت..
وماذا بعد , أخبريني بربك يبدو أن الأمور قد تعقدت كثيرا.
وكما علمت,إن لجنة من وراء البحار ستصل للتحقيق لمعرفة أعضاء الشبكة الإرهابية الآخرين
في العواصم الأوربية ,ومدى العلاقة بينك وبينهم..
ثم أردفت قائلة ..
أرجوك أن تعترف وتنجو , فأنت عربي ولا سبيل للنجاة , فأنا أخشى عليك .
حتى أنت , يا سنيورة ماريانا تصدقين هذه الأكذوبة , ألم تقترحي على حضور المصارعة ..؟ فأي إرهاب وأية شبكة يتحدثون عنها ..؟
ثم أدار رأسه نحو النافذة وسرح بعيدا ,وفجأة التفت نحوها صارخا :
هم يقتلون أطفال العراق .. وأطفال الحجارة , يشردون شعبا ويميتون شعبا بالحصار .. بالله عليك أليس هذا هو الإرهاب ..؟
أأنا الإرهابي.. أنا الذي أعلنت شفقتي ,وإنسانيتي , حتى الشفقة حرام , بل جريمة .؟
ويتهمونك أيضا بأنك حرضت في هتافاتك في الساحة على قتل مواطن أوربي علنا وعلى رؤوس الأشهاد .. شعر بالإعياء بعد المجهود الذي بذله ,وشكر السيدة على الزيارة .
لا تبتئس .. سأزورك غدا , وأحمل لك الأخبار , الساعة العاشرة صباحا , أقبلت السنيورة ,
استقبلها متلهفا .
ما لجديد ..يا سيدتي ..اخبريني .
وقبل أن تجيب .. أقتحم أربعة مسلحين الغرفة . عصبوا عينيه واقتادوه مكبلا في سيارة تتبعها أخرى للحراسة ..
استطاعت السيدة أن تلحق بهم في المطار ,أركبوه الطائرة , وما أن أقلعت حتى رفعوا العصابة
قليلا عن عينيه.. نظر من النافذة , فكان أخر وجه رآه هو وجه السنيورة ماريانا .