حاورها / كمال الرياحي /تونس
يرى الروائي و المفكر السعودي تركي الحمد في واحد من الحوارات التي أجريت معه في إحدى الفضائيات أنّ بعض الكتّاب في مصر مازالوا ينظرون إلى الروائي الخليجي باعتباره نتاجا بتروليا ،فهو كاتب يأتي إلى الكتابة من مجتمع أصابه الثراء فجأة و أن نجاحاته رهينة بهذا البترودولار . من خلال هذا الإحساس بالغبن الذي شهدناه في شهادة تركي الحمد نحاول تحسس المنتوج الروائي السعودي من خلال سلسلة من الحوارات .
يبدو أن الرواية السعودية مثلها مثل كل المنتوج الروائي العربي الذي نبت في الأطراف تعانى من التهميش و كذلك الأمر مع رواية المغرب العربي التي أهملت رغم أن تجربة محمود المسعدي كانت رائدة فحدث أبو هريرة قال و روايته السد أيضا كتبت في الأربعينات و الثلاثينات من القرن العشرين …الرواية السعودية رواية أطراف و المركز هو القاهرة و قسم الوطن العربي تقسيما غريبا أدبيا فالخليج للشعر و الشعر النبطي و المغرب للنقد و الفكر و الفلسفة و الشرق و نقصد مصر للرواية و القصة القصيرة . و اليوم انحسر دور القاهرة التنويري و المركزي و انفتح العالم برمته على مصراعيه أمام المبدع و هاهي الرواية السعودية تصلنا من لندن و فرنسا و اسبانيا و لبنان …
غير أن هذا التراكم أيضا متّهم بتهم أخرى و هي الكتابة الفضائحية و كأنما هي ظاهرة سعودية !
يبدو أن الكتابة الفضائحية ظاهرة عامة غزت الأقلام العربية بعد اطلاع الكتاب العرب على نصوص غربية مترجمة لأعلام الأدب الغربي مثل هنري ميللر و جان جينيه و ماريو بارغاس يوسا ، و قد قد ساهم في تأجج هذه النصوص مساحة الحرية المتوفرة من خلال وسائل الاتصال المتطورة و انتشار دور النشر العربية خارج الوطن العربي من جهة و تفاقم القهر الذكوري من جهة ثانية و لا يمكن أن نهمل تجربة عربية مؤثّرة ساهمت في أحداث منعرج مهم في مسيرة الأدب العربي و نقصد تجربة المغربي محمد شكري و سيرته الفضائحية الصادمة .
تمكّنت الكاتبة الخليجية من أن تقول ذاتها و مجتمعها في نصوص سردية كثيرة بدأت تشكّل مدوّنة مهمّة يمكن أن تدرس بصفتها منجزا إبداعيا موازيا لما خطّه الرجل عبر تاريخه الحبري الطويل
لا ينكر أحد ان الكاتبات الخليجيات امتلكن جرأة كبيرة في اقتحام المنطق المحظورة و عوالم كانت موصدة أبوابه إلى عهد قريب نتيجة خصوصية البلد و نقصد ما حبّرته رجاء الصانع و ما وضعته تحت عتبة أجناسية غير متّفق عليها “رواية” نقصد نصها الممهور ب “بنات الرياض” و ما كتبته صاحبة رواية “الآخرون” التي لم تتجشّم البحث عن عنوان جديد و أصيل لروايتها و يظهر الفقر الروائي عندها من عدم معرفتها بالنصوص الروائية العربية لأنها لو قامت ببحث ساذج في الانترنت لاكتشفت أن هذا العنوان هو عنوان لرواية تونسية شهيرة . أما زينب حفني فقد كتبت المقال الصحفي و الشعر و القصة القصيرة و الرواية صدر ها : في القصة القصيرة “نساء عند خط الاستواء” و في قصيدة النثر “إيقاعات أنثوية” و في الرواية “لم أعد أبكي ” و” ملامح”و المتأمّل في عناوين هذه النصوص لا يمكن له إلاّ أن يلبس بردة القارئ الذي وصفه الحبيب السائح و يلجها بانتظاراته الذكورية من ناحية و بفضوله المتسائل عمّ ستكتب روائية خارجة من قلب المجتمع البطريركي ؟
و الحق أن زينب حفني زُجّت في خانة الكتابة الفضائحية و هي ليست كذلك لان المرأة تمارس الكتابة منذ سنوات و هي ليست دخيلة عنها شكل,روايتها “ملامح” رواية ممتعة و خطيرة بمعنى و هذا ما دفعنا إلى محاورتها حول هذه الرواية التي شغلت المشهد الثقافي العربي لوقت ابان صدورها .
أعتقد أن المشكل الحقيقي ليس في جرأة المواضيع فقط أو التيمات المتصلة بالحديث عن السحاقيات و الشذوذ الجنسي و عوالم النساء الداخلية في مجتمع محافظ ،المشكل الحقيقي يتمثّل في قراءة هذه الأعمال وفق مقتضيات الفن الروائي أو الجنس الروائي لأن الكثير من النصوص ينحسر فيه الفن لصالح التيمة و غرض الإدانة , و الحق أن المعضلة لا يمكن أن نرجع أسسها لا إلى الكاتب و لا إلى القارئ العادي إنما إلى الناقد الذي يحاول أن يهلل لهذا المنتوج و يعلي من شأنه و ينخرط هو بدوره في قناع النضال ؟؟؟؟؟
في هذا الحوار سبر لأغوار كتابة زينب حفني الروائية و القصصية و محاولة لمساءلة منتوجها الإبداعي الذي اختلف حوله المتابعين قراء كانوا أم نقادا .
زينب حفني كاتبة وشاعرة وقاصة وروائية سعودية من مواليد مدينة جدة.
تخرجت من كلية الآداب جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1993م
بدأت العمل في الصحافة عام 1987م
تنقلت في عدد من الصحف السعودية المحلية.
كتبت في عدة مجلات عربية من ضمنها مجلة “صباح الخير” المصرية، مجلة ” الرجل” اللندنية.
كتبت مقالا أسبوعيا بصفحات الرأي في صحيفة الشرق الأوسط الدولية على مدى خمس سنوات. وقد تم توقيف الكاتبة عدة مرات بسبب جرأة ما تطرحه من قضايا إنسانية تمس الواقع الاجتماعي داخل وطنها.
تكتب حاليا مقالا أسبوعيا بصفحات وجهات نظر في صحيفة الإتحاد الإماراتية.
صدر لها :” رسالة إلى رجل” وجدانيات عام 1993م.
صدر لها ثلاث مجموعات قصصية: “قيدك أم حريتي” عام 1994م. “نساء عند خط الاستواء” عام 1996م. “هناك أشياء تغيب” 2000م.
” نساء عند خط الإستواء”.
كتاب “مرايا الشرق الأوسط” يضم قسم كبير من مقالاتها التي نشرت في صحيفة الشرق الأوسط الدولية عام 2001م.
رواية ” لم أعد أبكي” عن دار الساقي عام 2003م.
“إيـقاعـات أنثويـة” قصائد نثرية عن دار مختارات عام 2004م.
“ملامح ” عام 2006م عن دار الساقي.
هذا الحوار يسلّط الضوء على بعض أعمالها و يكشف عن رؤيتها للعالم و للكتابة .
1- لننطلق من جديدك ، روايتك الأخيرة “ملامح” كانت تحمل عنوانا آخر ” ملامح بلا عيون” لماذا اختصرت العنوان ؟ هل ترين أنّ التكثيف في العناوين أفضل من العناوين المطوّلة ؟ أم لأن العنوان الحالي مفتوح على إمكانات أكثر للتأويل ؟
بلا شك أن التكثيف في العناوين أفضل من العناوين المطولة، حيثُ أنها تُساعد القارئ على التقاط عنوان الرواية وتخزينه في ذاكرته بسهولة، إضافة إلى أن العنوان المختصر يُعطي إمكانات أكثر للتأويل من قبل المتلقي، ويرفع حرارة التشويق في ذهنه حول مضمون الرواية.
“ملامح” قد تعني هو أو هي في أي مجتمع. “ملامح” قد تعني حسر الغطاء عن وجوه متعددة الزوايا، تتعمّد السير متخفية في الظلام، بعد أن يُسدل الليل أستاره على الحواري والطرقات والأزقة الجانبية، حتّى لا يُلاحظ أحد خروجها، ويقتفي أثرها، ويعرف مقصدها.
2- يمثّل ” الحب” هاجسا مركزيا في أعمالك, تنظّرين له و تروينه و ترثينه…هل يشي هذا الاهتمام بحرمان عاطفي عاشته زينب حفني ؟
سؤالك توقفت عنده طويلا.قدّم لي إنسانا سويّا لا يُشكّل الحب هاجسا في حياته. صدقني جميعنا نبحث عن حب نقي نستنشق عبيره كل صباح عند نافذة حياتنا. لكن هذا لا يعني بأنني أعيش حرمانا عاطفيّا، فأن محاطة بحب الأهل والأبناء والأصدقاء. لكن حياتي فيها محطات وداع كثيرة. أحباء فقدتهم على مدار رحلة حياتي وما زلتُ أتطلع إلى لقاؤهم يوما، وأصدقاء خذلوني وحزنت لسقوط أسهم مكانتهم في قلبي، وأناس اضطررتُ إلى شطبهم من ذاكرتي لمرارة تجربتي معهم.
لكنني مع هذا أتساءل.. لماذا لم تبرر ما اشعر به إلى وجود هاجس اجتماعي، يُؤرق فكري ليلا ونهارا!! الحب لا يعني فقط رجل وامرأة، هناك علاقتك الحميمية بالأشياء والناس والأمكنة. جميعها مجتمعة تخلق في أعماق الأديب القلق والتوتر، لكن هذا الحرمان من وجهة نظري يُشكّل دعامة قوية للأديب الحقيقي، تدفعه للغرف من آبارها، ليروي ظمأ نفسه المتعطشة لبناء مدينته الفاضلة.
3- رغم نقمتك الشديدة على المجتمع الذكوري بشكل عام فإنّك تهدين أحد أعمالك إلى والدك و تعتبرينه الحب الأول في حياتك و إنه هو من علّمك أن الحياة كفاح لقهر شيء اسمه المستحيل ….هل كان والدك استثناء في هذا المجتمع الذي تحاربينه/ المجتمع الذكوري ؟!
أريدك أن تُدرك جيدا، أنني لا أقف على الجانب المعاكس من الحياة، نكاية في الرجل، كون الرجل صراحة يمثل همزة وصل حقيقية في حياتي، ولا أفكر في إخراج خنجري من جرابه لأغمده في صدره. فكما أن المرأة تعتبر رحيق الحياة، كذلك الرجل يكمن في نبضه سر الكون.
والدي لم يُفرّق يوما بين أبناءه الذكور والإناث في المعاملة، بل كان يتفاخر بأولاده جميعا. لقد كنتُ محظوظة لأن أبي كان رجلا من طراز نادر. هذا لا يعني انتفاء هذا النموذج، لكن هناك قلة من أمثاله داخل مجتمعي.
للأسف المجتمع العربي في الأصل، مجتمع ذكوري وإن تفاوتت نسبته من بلد آخر، لكن يجب أن نُفرّق بين المجتمع الذكوري وبين الرجل بصفة عامة. أنا لا أحمل عقدة تجاه الرجل الشرقي، كونه هو الآخر أسير موروثاته الاجتماعية، وأعرافه البالية، وأسير ظروفه التي قهرت أحلامه وأمانيه، وأسير أنظمته القمعية، التي صادرت حقه في العيش بكرامة على أرضه، والتي انعكست تلقائيا على علاقته بالمرأة، شريكته في رحلة المعاناة.