خليل شحرور
بجرّب بغروب الشمس أهرب من المكتوب وشوفك عاخدّ القمر بالميّ بتلالي
برجع بشوف العمر آخر حياتو غروب بفزع ع حالي لإنك ساكن بحالي
المستقبل - الثلا㶣اء 1 تموز 2003 - العدد 1335 - ثقافة و فنون - صفحة 18
يعتبر الشعر الزجلي الشعر الأكثر شعبية في لبنان. أو على الأقل هذه مكانته المفترضة، وهكذا كانت حاله منذ الثلاثينات مع الشعراء المؤسسين مثل شحرور الوادي ورشيد نخله ومع الجيل الثاني والثالث مثل أنيس الفغالي وزغلول الدامور وزين شعيب ومحمد المصطفى وجان رعد وموسى زغيب وأسعد سعيد وغيرهم.. في هذا الملف الذي يهدف إلى تكريم شعر الزجل والاطلاع على واقعه اليوم كما على ماضيه نحاور أبرز شعراء الزجل الذين تجاوز معظمهم السبعين سناً، وبعضهم بلغ التسعين.. نحاول أن نطل على فهم هؤلاء الشعراء أنفسهم لشعر الزجل وكيفية كتابته وموقعه وأهميته وما إذا كان الزجل قادراً بالفعل على أن يكون صوت الناس أم أنه محكوم بالبقاء في الإطار الفولكلوري المناسباتي المحض..
* * *
على الرغم من أنه أصغر سناً من الكثير من شعراء الجيل الثاني، غير أن خليل شحرور ينتمي إليهم مثله مثل طليع حمدان وموسى زغيب، فقد شارك في معظم جوقات الزجل البارزة، كما في كل مباريات الزجل الشهيرة.. يرأس شحرور نقابة شعراء الزجل التي تأسست قبل نحو عشرين سنة، وهو يسعى إلى أن يحظى هذا الفن بكل الحقوق التي تتمتع بها النقابات المهنية الأخرى. يكتب شحرور الزجل ويرتجله ويفضل كما يقول الشعر السياسي والوجداني، كما يفضل من حيث الشكل صيغة ردة البيتين التقليدية لأسباب يشرحها في سياق هذه المقابلة.
أول سؤال أبدأ به عادة يتعلّق بتاريخ الزجل، ما الذي نعرفه عن هذا التاريخ؟
ـ هناك العديد من الروايات حول تاريخ الزجل ونشأته. فهناك من يرجعه إلى ابن قزوين، وإلى الموشحات الأندلسية التي تعتبر البداية الفعلية لهذا الفن، خاصة وأنها تلازمت مع الغناء غالباً. أما في لبنان فهناك دراسات عدة منها ما يقول إن الزجل بدأ مع المطران ابن القلاعي الذي نظم قراديته المشهورة، وكان اللحن سريانياً..
لماذا السريانية؟
ـ كما تعرف أي بلاد تتعاقب عليها الشعوب تترك هذه الأخيرة ثقافتها عليها. وكل الذين تعاقبوا على لبنان تركوا الكثير من موسيقاهم ولغتهم وتعبيراتهم وعاداتهم.. والزجل موجود منذ أكثر من ألف سنة لكنه لم يبرز سوى في الفترة الأخيرة مع شعراء المنبر الزجلي، أي شحرور الوادي وعلي الحاج، حيث صار له هيكلية مميزة وفريدة، وصار فرعاً من فروع الأدب، وهذا ما نناقشه مع بعض المثقفين الذين ينظرون إلى الزجل والأدب الشعبي عموماً نظرة فوقية.. قبل سنوات قليلة أقمنا مؤتمراً ضخماً يعقد لأول مرة في تاريخ لبنان حول الزجل وشارك فيه العديد من الأكاديميين والباحثين والاختصاصيين والشعراء، وفي هذا الموتمر الذي استمر ثلاثة أيام ورعته وقتذاك وزارة الثقافة تبيّن أن الزجل له جذور عميقة وأنه يستحق اهتماماً وتقديراً أكبر نظراً لغزارته وتشعبه ومساهمته في صوغ الوجدان الشعبي اللبناني وقدرته الدائمة على التطور..
شارك في المؤتمر المذكور شعراء العامية من كل أنواعهم، لأن للشعر العامي صيغتين، شعراء العامية الذين يكتبون ويطبعون الكتب من سعيد عقل وميشال طراد وأسعد السبعلي وإيليا أبو شديد وطلال حيدر وعصام العبد الله وغيرهم.. والنوع الثاني شعراء الزجل المنبريون..
ما الفرق بين النوعين برأيك؟
ـ الفرق بين النوعين أن الأول يكتب على مهل وفيه كمية شعر أكثر من الشعر المنبري، لأن الشعر المنبري محكوم للمثل والنكتة والحماسة والتسميات وأشياء من هذا النوع.. فطبيعي أن تكون كمية الشعر فيه قليلة علماً أن العديد من الشعراء الموجودين باعتراف الكثير من المثقفين فيه كمية شعر هائلة حتى في الشعر المنبري.
مثقفون
هل بقيت هذه العلاقة مع النخبة أو المثقفين على حالها من سوء التفاهم؟
ـ لا يمكن التعميم في هذا المجال. كما ذكرت لك هناك عدد لا بأس به من المثقفين الذين نشأ بيننا وبينهم نوع من الاحترام المتبادل لأنهم تجاوزوا الكليشيات في نظرتهم إلى الزجل، وهناك من لا يزال يصر على وجهة النظر هذه، حتى إن أحدهم كتب مرة في صحيفة كبرى معيباً على أحد وزراء الثقافة حضوره حفلات توقيع كتب الزجل.. وكان في موقفه هذا شيء من الفضيحة.. فردينا على هذا الازدراء بأن الزجل شئت أم أبيت، وأحببته أم لا، هو سمة متأصلة في الشعب اللبناني وتمكن من أن يجد مكانة في الأدب العربي لا أحد يستطيع إنكارها.. فالرحابنة طلعوا منه وفيروز وصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين وفيلمون وهبه... أي أن نهضة لبنان الفنية والشعرية انطلقت من الزجل..
هناك من يعيب على شعراء الزجل أنهم يفتقرون إلى الخلفية الثقافية؟
ـ ليس كلهم. العديد منهم لديه خلفية ثقافية لا بأس بها. لكن المشكلة أن الجيل الجديد الذي نشأ خلال الحرب انقطع عن كل شيء شعبي. لقد تغيّرت مفاهيمنا وثقافتنا الشعبية، والعصر الاستهلاكي السائد حالياً له معايير ومفاهيم وهموم ربما هناك تقصير من بعض شعراء الزجل في مواكبتها والتفاعل معها.. وهذا كله يصبّ في خانة التراجع الذي يمس كافة الفنون.. خذ من عصر عبد الوهاب وأم كلثوم والرحابنة ما الذي نشأ على المستوى الفني وعلى مستوى الشعر الشعبي... القليل جداً..
تاريخ
هل تعتقد أن الزجل اللبناني استطاع، إضافة إلى كونه فناً للسمر والمرح، أن يلعب دوراً تاريخياً للحياة اللبنانية اليومية وأحداثها؟
ـ لا شكّ في ذلك، هناك نظرة من ضمن النظرات الفوقية تفترض أن الزجل سهرة كيف ومرح.. لكن ليس هذا الزجل.. بل هو الخطاب السياسي والاجتماعي والثقافي للشعب اللبناني، وقد لعب دوراً مهماً منذ الاستقلال وحتى اليوم.. في أيام الاستقلال كان اللبنانيون منقسمين إلى فئتين، فئة تريد الوحدة مع سوريا وفئة تريد الانتداب الفرنسي.. فالشعب اللبناني لم يكن موحداً منذ العشرينات.. والطريف أن الدولة في ذلك الوقت كلّفت جوقة شحرور الوادي أن تقوم بجولات على القرى اللبنانية وتحيي حفلات تقنع الناس بالاستقلال، وهذه الفرادة اللبنانية لم يرسّخها أحد في أذهان الأجيال إلا شعراء الزجل.. في بلاد الاغتراب مثلاً تجد أن قدامى المهاجرين لا يحفظون من لبنان سوى الزجل.. والخلل الذي يعاني منه الزجل أنه غير مسجل كله، وهو متوارث بالتالي على ألسنة الناس.. فإذا ما قال أحدهم ردة منذ مئة سنة في الشمال تجدها انتشرت في الجنوب عبر السنين..
هل تغيّر شيء من ناحية الشكل بين زجل الثلاثينات والمرحلة التالية له مع الجيل الثاني وصولاً إلى اليوم؟
ـ لا لم يتغيّر شيء.. هناك على أية حال جدلية حول التغيير في التراث والتقاليد.. وأنا أرى أنك لا تستطيع التغيير في التراث إلا من داخله، أما أن تحوّل الدبكة إلى "باليه" فهذا ليس تغييراً.. ينبغي أن يأتي التغيير من ضمن قوانين اللعبة، ومن ضمن المتغيّرات التي تطرأ على الشعب نفسه.. فالشباب اليوم لا يفهون مثلاً التسميات القديمة مثل "المعدور" و"السكملة" و"الفدان" وما إلى ذلك، فعليك الذهاب في اتجاهه.. هذا هو التماشي مع العصر، لا أن تنسف القديم كلياً باسم الحداثة..
معظم شعراء الزجل الذين قابلتهم اعتبروا زيادة عدة الردات من بيتين إلى أربعة وستة وثمانية، أهم تغيير عرفه الزجل.. ما رأيك؟
ـ هذا تغيير إلى الأسوأ.. أنا مع ردة البيتين وحاولت بحكم اتصالاتي بالجميع أن نرجع إلى البيتين، لأن هذه الردة تظهر أكثر مقدرة الشاعر، من حيث أنه مضطر إلى قول كل شيء في حدود البيتين. إضافة إلى ذلك هذه الردة مهمة في العلاقة مع المستمع، ففي السابق كان الجمهور يحفظ ردة البيتين أما اليوم فهو يستمع إلى ردة العشرة أبيات ثم ينساها.. وبسبب زيادة الردات، تحديداً على المنبر، صار الشاعر محكوماً بالتحضير المسبق، فلكي يرتجل بترابط وسلاسة لا يستطيع أن يقنع الناس أن ما يقوله هو ابن اللحظة.. وبالتالي خسر الزجل صفة أساسية فيه وهي الارتجال، وبات أقرب إلى الشعر المجلّد الخارج من البراد.. أنا ضدّ هذا النوع من التطور وكل شاعر "ينتخي" ويقول أنا زدت بيتين أو أكثر.. فليأت لي كل الشعراء الذين زادوا بردة واحدة مثل ردات شحرور الوادي أو علي الحاج القماطي..
هناك مسألة ملتبسة تتعلق بعلاقة الزجل بوصفه التعبير الشعبي شعراً بالسياسة.. لا أطرح ذلك كشرط لكن هذا الفن لكي يحافظ على صلة أعمق بالناس ينبغي أن يمتلك القدرة على التعبير عن مشكلاتهم العامة أيضاً، ليس من ناحية ما يسمّى بالوعظ فقط.. وهذا ما يفهمه الكثير من شعراء الزجل من كلمة سياسة؟
ـ هناك الكثير من السياسة في الشعر الزجلي.. خذ عمر الزعني مثلاً..
لكنه لم يعرف كزجّال؟
ـ بلى.. فشعره عامي.. التعريف عن شاعر الزجل بكلمة زجّال هو مجرد مصطلح، لكنه ليس كذلك فقط.. فالزجل يعني التطريب والصوت العالي بالعامية.. والمتعارف عليه أنه شعر عامي وهذه هي التسمية الصحيحة، وفي الفترة الأخيرة هناك تركيز على مصطلح الشعر اللبناني، وفي رأيي المتواضع أقول إنه شعر عربي أيضاً.. في المؤتمر الذي ذكرته لك كان هناك سجال حول هوية الزجل وما إذا كان لبنانياً أم عربياً.. لا نريد أن يستعمل الزجل للقول إن لبنان عربي ونقطة على السطر، أو إنه ليس عربياً بالمرة.. شعرنا نابع من اللغة العربية وزجلنا يختلف عن زجل مصر مثلاً كما يفرق تفاحنا عن تفاحهم، ويختلف عن العراق، كما يختلف بلحنا عن بلحهم.. فشعراء الزجل ليست تسمية صحيحة..
لكن أرشيفياً هل وجد هذا النوع من الشعر، هل هناك آثار له؟
ـ وجد.. وإذا راجعت تاريخ المباريات والحفلات ونصوصها ستجد شعراً سياسياً ونقدياً وحتى تحريضياً ضد كل أنواع الظلم.. أذكر لك مثلاً يخصّني.. في بداية مهرجانات بيت الدين أقمنا حفلة كان الطابع السياسي غالباً عليها وكانت عبارة عن حوار بيني وبين زين شعيب حول الوحدة والتجزئة.. وفي مهرجان المريلاند بيني وبين الزغلول وزين شعيب وطليع حمدان فعلنا الشيء نفسه، وبثت الحفلة مباشرة على تلفزيون لبنان، مما جعل رئيس الجمهورية وقتذاك أمين الجميل يحيل محمد كريمة على التحقيق لبثه الحفلة، واتخذ قرار وقتذاك بمنع بث حفلات الزجل مباشرة.. وحين سألنا عن سبب المنع قيل لنا لقد تطاولتم على المقامات العليا، فقلنا هل هناك من مقامات عليا أصلاً في البلد..
أنماط
نعرف أن هناك نمطين من شعراء الزجل، هناك الزجل الجنوبي والزجل الجبلي ومعظم الرواد هم من هذين النمطين، هل هناك اختلافات فعلية.. وهل هناك أثر طائفي في شعر الزجل؟
ـ في إحدى الحقبات ربما ظهر ذلك قليلاً.. وربما كان هذا موروثاً من أيام الشعراء العرب حيث الشاعر هو شاعر القبيلة وفارسها وصحافتها والمدافع عنها.. وربما هذا انسحب في فترة ما على كل شعراء العالم العربي.. أما المناطق فيقال فلان شاعر جنوبي لأنه نشأ في الجنوب وعاش هموم منطقته، وكذلك الجبل والشمال والبقاع.. شعراء هذه المناطق ينطبعون بطابعها ولهجاتها.. لكن شعراء الزجل ساهموا خلال الحرب في التخفيف من حدة الواقع الطائفي، فالجوقات لم تنقسم على نفسها مرة، وكان الشعراء يغنون في المنطقتين... جوقة شحرور الوادي ضمّت شعراء من كل الطوائف والمذاهب والأمر استمر حتى الآن... أتحدّث عن الجوقات المهمة لا الأفراد، إذ ربما يكون اتخذ هذا الشاعر أو ذاك صبغة سياسية معينة خلال الحرب، لكن ذلك لم ينسحب على الجوقات ولم يعمّم على الزجل.. إضافة إلى ذلك هناك أمر يغفله الجميع وهو مساهمة الزجل في توحيد التسميات واللهجات اللبنانية.. فكان الشعراء ينتقلون من مكان إلى آخر، خارج قراهم وبلداتهم، مما يضطرهم إلى مراعاة لهجة المنطقة التي يذهب إليها، فتوحدت اللهجات إلى حد كبير في الزجل، وهناك اليوم العديد من الشعراء الذين لا تستطيع تمييز لهجة منطقتهم..
ماذا عن تجربتك الشخصية مع الزجل؟
ـ بدأت الزجل في الجنوب.. أنا من قرية هونين وحين كنت في السابعة أو الثامنة بدأت بقول الزجل.. ثم هجّرتنا اسرائيل فسكنّا في شحور وتعلّمت في مدرستها، وشحور بلدة مميزة بالشعر والشعراء، وفيها بعض المشهورين من أمثال محمد محمود الزين، شاعر العتابا التاريخي، وكان هناك سهرات زجل في أجواء قروية دافئة وأليفة، وكنت أتابع كل السهرات.. وأحياناً إذا كانت الحفلة مقامة عند النهر كنت أفر من المدرسة وأتبعهم وأشارك معهم في الحوارات والقرادات القصيرة.. شدّتني هذه الأجواء إلى الزجل.. وأول حفلة منبرية قمت بها عام 1959 كنت فيها في التاسعة عشرة.. وكانت في بيروت على الدورة في كازينو طانيوس، وكان معي محمد محمود الزين، ورفعت مبارك من بعلبك وأحمد شعيب، ومنذ ذلك الوقت صرت أغنّي..
صرت محترفاً منذ ذلك الوقت؟
ـ أنا بين شعراء الزجل تعاملت معه كهاو، فلم أعش منه كمهنة لي واستطعت أن أعمل مع كل الجوقات اللائقة المستوى مثل "المنتخب الفني" مع طانيوس الحملاوي، و"خلود الفن" مع محمد المصطفى، وغنيت مع جريس البستاني وطليع حمدان ومع الزغلول وزين شعيب وأسعد سعيد وحتى مع خليل روكز..
ما اللون الذي مال إليه شعرك؟
ـ الكل يعرف أنني شاعر مسيّس.. وهذا اللون فرض نفسه عليّ منذ البداية.. إضافة إلى طابع الوجدانيات الذي هو صفة غالبة عندي أيضاً..
إلهام
في الحفلات المنبرية حيث التباري والارتجال هل هناك شيء اسمه إلهام أو إيحاء أم أن العملية تصبح ميكانيكية؟
ـ لا أحد يطلع على المنبر من فراغ، المناسبة تفرض نفسها، لكن على جوانبها هناك الكثير من الإيحاء ومن الالتماعات الشعرية التي تكون ابنة لحظتها.. أما وقت الكتابة فأمر مختلف ليس هناك شاعر يستطيع تحديده..
كيف يحافظ الشاعر على مستوى معيّن من الارتجال؟
ـ من خلال التجارب والتكرار والذهن الحاضر والخلفية الثقافية للشاعر التي تجعله يحافظ على مستوى لا يهبط دونه.. وهناك نوعان من الشعراء الارتجاليين، أولئك الذين يقولون أي كلام، وأولئك الذين لا يقولون سوى قناعاتهم..
هل تلعب الحوارات دوراً في ذلك؟
ـ الحوارات تساعدك على أن تستوحي.. فالجواب على المنبر يؤدي إلى الجواب، والشاعران المتحاوران أشبه بملاكمين، وينبغي أن تكون لكل منهما القدرة على تسديد الردات بطريقة ملائمة.. هناك شعراء تغنّي معهم يشدّون بك إلى أسفل، وهناك شعراء يرفعونك عالياً.. زين شعيب مثلاً يشدّك "طلوع"، لأن أجوبته تعطيك المجال.. وهناك شعراء غير مستعدين لأن "يطلعوا" أو "يطلعوك"..
هل تذكر ردة قوية من أيام المباريات؟
ـ هناك بيت من محاورة جرت في المدينة الرياضية بيني وبين اميل أبو شقرا رحمه الله.. كان الموضوع بين التحرير والتقاليد واتخذ هو جانب الدفاع عن التقاليد، وكيف أصبحت البنات فلتانة اليوم.. فقلت له:
"البنت اللي خصلة شعرها من قبل عار اليوم التحرّر ردّ إلها الاعتبار
كنا إذا من البنت خصلة شعر طار ننحر قلب أبيض متل قلب النهار
تريزا هلسا الوقفت بقلب المطار وصاحت بوجه الموت صيحة أخد تار
يا الموت يا تحرير أبطال السجون يا محوّل اللد ومطار اللدّ نار"
النقابة
أنت رئيس نقابة شعراء الزجل كيف تأسست هذه النقابة؟
ـ كانت النقابة في الأساس "عصبة الشعر اللبناني" التي كان يرأسها المرحوم طانيوس الحملاوي.. وجدنا وإياه ضرورة أن نحول الجمعية إلى نقابة كون الزجل أصبح مهنة مثل سواه من المهن، وذلك لكي نوحد جهود الشباب، ونحاول أن نحتضن قدر استطاعتنا الجيل الجديد، ونحقق مكتسبات هذا القطاع وحقوقه.. في 1983 تحولت الجمعية إلى نقابة من حيث الترخيص، لكننا انتظرنا حتى 1993، حين فتحت البلد على بعضها لكي نقوم بأول جمعية عمومية ودعونا كافة الشعراء اللبنانيين وأجرينا الانتخابات وتأسست أول هيئة مجلس إدارة للنقابة وضمّت الكبار..
ما عدد الشعراء المنتسبين إلى النقابة اليوم؟
ـ بين 130 و140 شاعراً..
هل هناك رسم اشتراك معيّن؟
ـ هناك اشتراك سنوي قيمته 25 ألف ليرة ورسم انتساب عشرة آلاف ليرة..
هل هناك مقر للنقابة؟
ـ لا، كنا نحاول إيجاد مقر لكننا لم ننجح حتى الآن..
ما أهم ما تقوم به النقابة؟
ـ الحفاظ على التراث والأخذ بيد الجيل الجديد، والعمل مع كل الاتحادات والنقابات الفنية لتعزيز أوضاع القطاع الفني.. عن طريق هذه النقابة أقمنا المؤتمر الذي ذكرته لك.. كما أننا نحاول تعميم النشاطات على كل المناطق والحصول على الضمان الاجتماعي الاختياري وما إلى ذلك.. كما أننا نطالب بإدراج الزجل في مناهج البكالوريا أسوة بالشعر الفصيح، وقد وصلنا أيام الوزير فوزي حبيش بأننا تلقينا وعداً صريحاً منه بأنه اتفق مع رئيس الجمهورية على أن يتم ذلك خلال سنة، لكنه لم يتم حتى الآن.. إضافة إلى ذلك هناك جهود نقوم بها لإصدار ديوان يضم مقتطفات من كل شعراء الزجل الذين مروا من تاريخ نشأة الزجل حتى العصر الحالي، وذلك أسوة بالشعر الفصيح أيضاً..
هل هناك جيل جديد حقاً؟
ـ هناك.. لكن الفرص صعبة اليوم لكي يطلوا.. وبصرف النظر عن ذلك هناك من يقول إن الزجل في طريقه إلى الانقراض لكنني أرى أن أي ثقافة شعبية لا تنقرض إلا بانقراض الشعب نفسه.. فالزجل في لبنان لا يمكن أن ينقرض لأن له علاقة بالهواء والماء والأشجار والمدينة والناس وكل نواحي الحياة اليومية.. الزجل اليوم بدأ "يغزو" الجامعات مثلاً..
من هو شاعرك المفضل بين كل الشعراء الذين عرفهم لبنان..
ـ إذا أردت اختيار واحد فقط أقول علي الحاج القماطي..
مقاطع من قصائده
وينك يا عمر الهني
وينك يا عمر الهني ويا ليل موّالي
اسمك بقلبي الحزين ورسمك قبالي
معقول انسى الشمع كيف الشمع بيدوب
لوما بليلك حياتك دايبه ليالي
معقول انسى هواك وإنت يا محبوب
عايش ببالي وما عم تروح من بالي
وكل ما خيالي مرق ع خيالك المهيوب
خلّلي خيالك يجي ليله مع خيالي
مكتوب ببعت بحسرات الدمع مكتوب
وإنت ببريد العطف ما بتبعت رسالي
نيال قلبو الما عند بهالدني محبوب
ويا ويل قلبو اللي قلبو من الهوا خالي
بجرّب بريشة نغم وبكاسة المشروب
طفّي لهيب الجمر عافرقة الغالي
برجع عاخد القلق شوف الدمع مسكوب
وأكتر ما غالي الجمر دمع الهجر غالي
بجرّب بغروب الشمس اهرب من المكتوب
وشوفك عاخدّ القمر بالميّ بتلالي
برجع بشوف العمر آخر حياتو غروب
بفزع عَ حالي لإنك ساكن بحالي
الإرشاد الرسولي
مبارح البابا زارنا بجبين
بيشبه شروق الشمس ع صنين
باسم المحبة وباسم يسوع
الاسلام بارك والمسيحيين
ومطرح ما صلّى عالبرج فينا
وزكّى التراب وقدّس المينا
بيكون قالوا له أهالينا
هيدي الأرض كانت أراضينا
واليوم لا أرض ولا ملاكين
ولمّا قبالو كلنا مرقنا
عَ البرج كتف بكتف متّحدين
احتار كيف الدين فرّقنا
واليوم جامعنا الصلا والدين
يا سيّدي الجايي بلهفة وشوق
شعبنا المعروف كلو ذوق
اللي تحت متفقين بس الفوق
يا سيّدي هني اللي مختلفين
من وقت ما قالوا استقلّينا
خواريف ع ديهن تربّينا
وكل ما استحلوا يعيّدوا علينا
بيمرقونا تحت هالسكين
ساعة باسم ميثاق مش مكتوب
وساعة باسم الطائف المصلوب
ومش عاقياس الموطن المنكوب
عاقياسن بيفصلو قوانين
يا سيّدي يا أقدس الأقداس
إرشادك وتوجيهك ع الراس
ما إنت أعرف من جميع الناس
قيامة الأوطان ما بتقوم
إلا عإيدين قدّيسين