أقدم هذه الأقصوصة إلى كل قارئ ينظر إلى الجمال نظرة مادية محسوسة ولا ينتبه أو يتمعن إلى ما وراء المظهر.
* * *
خرجت نافرة، كأنها الغزالة انفلتت من شبكة صائدها ، تشق جموع الناس المحتشدة على الرصيف ،منطلقة إلى منزلها...أثر مناقشة حادة مع زملائها وزميلاتها في الدراسة ،كانت هي محورها ،وسرعان ما احتواها الشارع الطويل حتى أحست بالوحدة تلفها ،فراحت تردد في داخلها ماسمعته من الأصدقاء من كلمات لاذعة تمس شخصيتها وتغور حتى أعماق أعماقها لتسبح بين طيات نفسها فترجفها ارتجافا.
* * *
وصلت إلى المنزل ..دخلت الغرفة ،وأشعلت الشمعة وارتمت على سريرها لتستريح من همومها ثم نهضت وأجالت الطرف فيما حولها فرأت المرآة المعلقة على الحائط فأسرعت إليها ، تحدق إلى صورتها راجية أن تجد وترى العيب العيب الذي يقولون عنه أصدقاؤها.. تفرست ملامحها:
، أين يمكن عيبى؟ ألست أفضل من خلافة ؟
للبحر مد وجزر . لكن الحق لايزول ولايتغير .فلماذا يحاول هؤلاء تشويهه؟.
وتذوب الكلمات على شفتيها ّّّّ، وتنبعث الزفرات من أعماقها ّّّّّّّّّّ، تاركة بخارا متصاعدا في جو الغرفة منعكسا على صفحة المرّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّآة . ماهو الشيء الذي ينقصني كّّّّّّّّّّّّّإمرّّأة ّّّّّّّّ؟ الجمالّّّّّ؟
كلا...
اذن ماذا ذاّّّ؟
وكادت تسقط من وقفتها لكنها صمدت وّّّّّأعادت التحديق ّّّّّّّّإلى المرّّآة ،تحاول إكتشاف عيوبها .تأخذ المشط تصفف شعرها على الطريقة التي تراها مناسبة ،وتسرع إلى الخزانة تخرج أجمل ثوب لديها ،ترتديه.
وتعيد الكرة إلى المرآة متفرسة :شابة كاملة لا ينقصني شيء ؟ احواسها تخدعها أم ماذا ؟ أنا جميلة مثقفة هكدا تصرخ مرارا في وجه المرآة .وترتمي على فراشها يائسة منهارة .
ما الشيء الدي أوقعها في هدا المأزق السخيف ؟
* * *
ستدع الناس وأقوالهم وحكمهم الدي لايمت الى الحقيقة بأي صلة ،ستمرعليهم غيرآبهة بأقوالهم النابية من الآن فصاعدا. أنها أقوال وأحكام لا يمكن وراءها إلا الحسد والغيرة.أخذت كتابا تطالعه لعل في ذلك تعزية لها وشفاء لغليلها ، وراحت تلتهم سطوره في سرعة البرق الخاطف يدفعها في ذلك القلق والحيرة ، ولم تفق إلا حين طالعت أبيات شعرية لم تفهم منها شيئا فأعادت القراءة هذه المرة في تمعن وتحر وتدقيق محاولة النفوذ إلى جوهرها
وليت للناس حظ من وجوههم..
تبين أخلاقهم فيه إذا اجتمعوا
وراحت في تساؤلات لا متناهية ، أنا جميلة مثقفة ، لكن هل أحسنت إستعمال هذين الخصلتين ؟ هل جعلتهما في موضعهما ؟ هل استفدت منهما في كسب أصدقاء ؟ ..
لا إذن هذا هو عيبي .نعم هو بعينه ،لاأحسن مقابلة الناس والإنخراط معهم ، أنا غير إجتماعية ، أنظر إلى الأشياء على ظواهرها ، أليس هذا هو عيبي ؟
وجهت خطابها إلى المرآة . وبحركة غير إرادية تناثر أمامها زجاج النافذة أشلاء ، أشلاء وإنحنت عل سريرها تغط في سبات عميق وجروح الحقيقة والمرأة تدميها.
زيتوني ع القادر
مجلة الاثير العدد14 مايو 1973