زيتوني ع القادر : علمانية الادب
الواقع علاقة سياسية اقتصادية اجتماعية ولغوية في حالة من الصيرورة المستمرة بين افراد وجماعات وحضارات.
ونقطة المعرفة الانسانية ايا كان نوعها تنطلق من هذا الواقع بمحاولتها ملاحظة ظواهره المحيطة بالانسان ومحاولة تفسيرها وفهم كينونتها او وصفها وترصد العوامل المتحكمة فيه....وطرق تفسير هذه الظواهر عديدة ومتباينة فهناك علم الاجتماع. علم الاقتصاد ..وغيرها من العلوم الانسانية.
وما دام الادب هو (خطاب لغوي على وحول الواقع) فهو اذن طريق من طرق معرفة هذه الظواهر الانسانية. فما العلاقة بين الادب والعلوم الانسانية؟
رغم اختلاف منهجية هذه العلوم عن الادب بكونها تتناول هذه الظواهر عقليا وتقوم على التحليل والاستنتاج في حين يعتمد الادب على العقل والاحساس فان مابينهما من الاتلاف اكثر ما بينهما من الاختلاف.
فاذا كانت العلوم الانسانية تقوم على الملاحظة فالادب هو الاخر رصد للظواهر الانسانية لان الاديب كائن يعيش داخل هذه الظواهر يلاحظها و يحسها.
واذا كانت العلوم الانسانية تخضعها للتحليل العقلي فالادب ايضا نتاج واع لهذا الواقع وليس هذيان في عالم خرافي.
واذا كان الادب لا يستغني عن الذاتية فهناك من العلوم ما يشاركه في هذه الصفة كالتاريخ مثلا.
واذا كان المؤرخ يحرص على ان لا يقع اسير هذه الذاتية فكذلك يمكن للاديب ان يكون ذا مستوى علمي بوصفه للحياة كما هي على حد تعبير (اميل زولا) وقد ظهر( الادب العلمي)
واذا كانت العلوم الانسانية تتناول احداث الواقع متعلقة بالزمان والمكان فالادب ابن بيئته وهو خاضع لهذه الزمكانية لانه نتاج مرحلة معينة من الواقع الاجتماعي والاقتصادي فالسياسي.
زد الى ذلك ان العلاقة بين العلوم الانسانية والادب علاقة تفاعلية تبادلية بحيث لا يمكن لاحدهما الاستغناء عن الاخر, فقد استفاد علم الاجتماع من الادب فكان علم اجتماع الادب واستفاد منه علم النفس فكان علم النفس الادبي و علما الاجتماع والاقتصاد لا غنلى لهما عن الادب باعتباره احد مصادرهما التي يعول عليها في صياغة احكامهما فالحقيقة التاريخية شاهدة على هذا اذ كيف استطاع علماء الاقتصاد التاريخ والاجتماع دراسة حالات المجتمعات القديمة لولا رجوعهم الى اثارها الادبية خاصة ..وهذا كارل ماركس يقر بهذه الحقيقة اذ يؤكد بان الروائيين الواقعيين في انجلترا اظهروا له حقائق سياسية اجتماعية اكثر مما فهمه من كل المؤرخين والاقتصاديين الذين تناولوا تلك الفترة ويذهب (انجلز) الى انه فهم المجتمع الفرنسي من اعمال بلزاك الروائية اكثر مما فهمه من كل المؤرخين والاقتصاديين...
ونسوق امثلة من واقعنا هل يمكن للدارسين الاتيين ان يجدوا ما يعبر عن واقعنا اكثر ممما افرزه الادباء على اختلاف مشاربهم والوان وانواع عطاءاتهم.
يقول بركات في دراسة له بعنوان(الرواية العربية ورؤية الواقع الاجتماعي):
<<اعتبر ان كلا منهما اغنى الاخر >> مع ان احدهما سمي علما والاخر فنا ...ان التجزاة الفكرية اساءة تاريخية لا بد من وضع حد لها..ثم يضيف قائلا: خلال دراستي تبين لي ان هناك حقلا هاما هو حقل علم اجتماع الادب ومن ضمنه علم اجتماع الرواية بشكل خاص>>
واعود الى تعريف بوجدرة اذا كان الادب نتاج لغوي للواقع واذا كان اللغوييون اخضعوا اللغة للدراسة العلمية معترضين على على مخالفيهم الذين يرون انها في حالة جريان تابى التقيد وهو شرط من شروط الدراسة العلمية بقولهم: ان وظيفة عالم اللغة في المرتبة الاولى هو الوصف لها على انها لغة الساعة التي يصفونها فيها وهذا الوصف الدقيق للغة في نقطة محددة من الزمان والمكان هو العلم ذاته فما المانع( وهو واقع) من وصف الادب في نقطة معينة من الزمان والمكان وبالتالي علمنة الادب بنفس الحجة.؟؟
زيتوني ع القادر