انهيار سد مأرب
في عهد الملك عمرو بن عامر الذي حكم اليمن قبل انهيار سد مأرب رأت كاهنته التي تدعى (طريفة الخبر) في منامها أن سحابة غشيت أرضهم وأرعدت وأبرقت ثم صعقت فأحرقت ما وقعت عليه، ووقعت إلى العارض فلم تقع على شيء إلا أحرقته. ففزعت طريفة الخبر لذلك وذعرت ذعرا شديدا وانتبهت وهي تقول: ما رأيت مثل اليوم قد أذهب عني النوم، رأيت غيما أبرق وأرعد طويلا ثم أصعق فما وقع على شيء إلا أحرق فما بعد هذا إلا الغرق
فأتت قصر عمرو بن عامر وبينما هو في حديقة قصره فأسرعت نحوه وأمرت وصيفاً لها أن يتبعها فلما برزت من باب بيتها عارضها ثلاث مناجذ منتصبات على أرجلهن واضعات أيديهن على أعينهن وهي دواب تشبه اليرابيع، فوضعت طريفة يديها على عينيها وقالت لوصيفها إذا ذهبت هذه المناجذ فأعلمني، فلما ذهبت أعلمها، فانطلقت مسرعه، فلما عارضها خليج الحديقة التي فيها عمرو وثبت من الماء سلحفاة فوقعت على الطريق على ظهرها وجعلت تريد الانقلاب فلا تستطيع فتستعين بذنبها وتحثو التراب على بطنها وجنبها وتقذف بالبول، فلما رأتها طريفة جلست إلى الارض، فلما عادت السلحفاة إلى الماء مضت طريفة إلى عمرو في الحديقة حين انتصف النهار في ساعة شديد حرها فإذا الشجر يتكفأ من غير ريح فنفذت حتى دخلت على عمرو فقالت له: والنور والظلماء والأرض والسماء إن الشجر لتالف، وسيعود الماء لما كان في الدهر السالف
قال عمرو: من أخبرك بذلك؟
قالت: أخبرني المناجذ بسنين شدائد يقطع فيها الولد والوالد
قال: وما علامة ذلك؟
قالت: تذهب إلي السد فإذا رأيت جرذا يكثر بيديه في السد الحفر، ويقلب برجليه من الجبل الصخر، فاعلم أن النقر عقر وأنه وقع الأمر
وانطلق عمرو إلى السد فإذا الجرذ يقلب برجليه صخرة ما يقلبها خمسون رجلاً، فرجع إلى طريفة فأخبرها الخبر، فقالت: إن من علامة ذلك أن تجلس في مجلسك بين الجنتين ثم تأمر بزجاجة فتوضع بين يديك فإنها ستمتلئ من تراب البطحاء من سملة الوادي، وقد علمت أن الجنان مظلمة لا يدخلها شمس ولا ريح فأمر عمرو بزجاجة فوضعت بين يديه فلم يلبث إلا قليلا حتى امتلأت من تراب البطحاء
فذهب إلى طريفة فأخبرها بذلك وقال: متى ترين هلاك السد؟
قالت: فيما بين السبع سنين
قال:ففي أيها يكون؟
قالت: لا يعلم ذلك إلا الله تعالى. ولو علمه أحد لعلمته ولا يأتي عليك ليلة فيما بينك وبين السبع سنين إلا ظننت هلاكه في غدها أو في تلك الليلة
ورأى عمرو في منامه سيل العرم وقيل له: إن آية ذلك أن ترى الحصباء قد ظهرت في سعف النخل، فذهب إلى سرب النخل وسعفه فوجد الحصباء قد ظهرت فيها
فأخفى الأمر عن الجميع وأجمع أن يبيع كل شيء له بـأرض سـبأ ويخرج منها هو وولده ثم خشي أن يستنكر الناس ذلك، فلم يكن مفر من الحيلة..فصنع طعاما وأمـر بـإبل فنحرت وبغنم فذبحت وأعد مائدةً عظيمةً، ثم بعث إلى أهل مأرب أن عمرو صنع يوم مجذود وذكر فاحضروا طعامه ثم دعا ابنا له يقال له: مالك،وكان أصغر أبناءه، فقال له إذا جلست للطعام فاجلس عندي ونازعني الحديث واردده علي وافعل بي مثل ما أفعل بك
فتنازع مالك مع أبيه فضرب الملك ابنه على وجهه وشتمه فرد الولد على أبيه الصفعة والشتائم كما أمره تماما، فقام عمرو وصاح، وأذلاه يوم فخر عمرو ومجده يضرب على وجهه.وحلف ليقتلنه فلم يزالوا به حتى تركه، ثم قال : والله لا أقيـم ببلد صنع هذا بي فيه أصغر أبنائي، ولأبيعن عقـاري فيه وأموالي، فقال الناس بعضهم لبعض، اغتنموا الفرصة لغضب عمرو واشتروا منه أمواله قبل أن يتراجع، وباع الرجل كل أمـواله. ولكن الخبر بدأ يتسرب فتوقف الناس عن الشراء للممـتلكات وبدأت قـبائل بأكملها تـرحل من اليمن للـنجاة من الخطر المرتقب فاسـتقرت كل قبيلة في مكان من جزيرة العـرب ليبدأ عهد جديد في تاريخها بسبب حلم أنقذ عرب اليمن