أساسيات في علم الفسيولوجيا
الاستاذ الدكتور حسين علي حسن العلي
ايار 2005
- مفهوم وأهمية الفسيولوجيا:
يعد علم الفسيولوجيا أحد الفروع الهامة لعلم البيولوجي الذي يهتم بدراسة ظاهرة الحياة في الكائنات الحية بصورة عامة ، فالكائن الحي عبارة عن وحدة بيولوجية أي (( وحدة بنائية متكاملة مترابطة تتفاعل مكوناتها لتعطي ظاهرة الحياة للكائن الحي )) . وعلم الفسيولوجي (( هو العلم الذي يهتم بدراسة كيفية حدوث وظائف الكائن الحي المختلفة مثل عمل جهاز الدوران، جهاز التنفس، الجهاز العضلي، الغدد الصم… الخ)) .
وهذا يعني :
- وصف وظائف الأعضاء في الكائنات الحية (( الإنسان ، الحيوان ، النبات…الخ )) .
- شرح وتفسير هذه الوظائف في ضوء القوانين الفيزيائية والكيميائية .
وعليه يمكن تفسير علم الفسيولوجي في ضوء ما تقدم بأنه (( فيزياء وكيمياء الكائنات الحية )) ولا يقتصر أن نعرف ماهي وظيفة هذا العضو أو ذاك ، فأن هذا الوصف غير كافي ولكن الأهم أن نفسر كيف يؤدي ذلك العضو تلك الوظيفة ونحاول اكتشاف آلية هذه الوظيفة فضلاً عن دراسة العلاقة بين أنشطة أعضاء الكائن الحي والعوامل التي تؤثر على هذه الأنشطة اذ يعتمد علم الفسيولوجي على الفيزيائية والكيميائية والحيوية بالجسم.
إن الفسيولوجيا ترتبط مع العلوم المورفولوجية مثل علم التشريح، علم الخلية، علم الأنسجة وارتباطه أيضاً مع الكثير من علوم الطب فضلاً عن ارتباطه بعلم النفس ليشكل ما يسمى بعلم النفس الفسيولوجي، إن ما يهمنا بالموضوع هو ارتباط علم الفسيولوجي بعلم التدريب الرياضي.
تعتمد الدراسات الفسيولوجية على الملاحظة والتجريب للظواهر الحية لوصفها وتقديرها (( نوعاً وكماً )) أو التعبير عنها في صور رقمية حجميه مع تسجيل النتائج في شكل كتابي أو أفلام… الخ، من خلال كل ذلك فأن الدراسات الفسيولوجية تهدف أساساً إلى محاولة الإجابة عن الأسئلة الآتية:
1- ماهي الوظيفة ؟
2- كيفية أداء هذه الوظيفة .
3- ماهي العوامل المؤثرة على الوظيفة ؟
4- كيفية اندماج هذه الوظيفة مع الوظائف الأخرى .
وعليه من خلال الإجابة على هذه الأسئلة الأربعة يمكن دراسة أية موضوع من موضوعات علم الفسيولوجي .
مثال / لو أخذنا القلب كعضو في جهاز الدوران في جسم الإنسان… نرجع إلى الأسئلة الأربعة سابقة الذكر للإجابة عليها .
1- ضخ الدم إلى جميع أجزاء الجسم تزويد أنسجة وخلايا الجسم بالأوكسجين والمواد الحيوية… وهذا هو الجواب على السؤال الأول .
2- استقبال الدم الوارد اليه من جميع أجزاء الجسم أثناء فترة ارتخاء عضلة القلب ثم يلي ذلك انقباض عضلته ليدفع الدم مرة أخرى إلى جميع أعضاء الجسم نتيجة لهذا الانقباض … الجواب على السؤال الثاني .
3- أما العوامل المؤثرة على الوظيفة فهي ما يختص به الفرد (( العمر ، الجنس ، الظروف الحياتية ، الانفعالات ، الرياضة …الخ. وهذا هو الجواب على السؤال الثالث .
4- إن القلب يرتبط بمعظم العمليات الحيوية في الجسم مثل توفير حركة الدم من الأوعية الدموية لكي ينتقل إلى جميع أجزاء الجسم وما يحتاجه من الأوكسجين، الغذاء اللازم لانتاج الطاقة وغيرها …الجواب على السؤال الرابع .
- أهمية الفسيولوجيا في التدريب الرياضي :
تعد الدراسات الفسيولوجية في مجال فسيولوجيا التدريب أو فسيولوجيا الرياضة من الموضوعات الرئيسية للعاملين في حقل التربية الرياضية والتدريب الرياضي والتي من خلالها أمكن التعرف على تأثير طرائق التدريب البدني على الأجهزة الحيوية لجسم الرياضي نتيجة الاشتراك في المنافسات أو التدريب والتي من خلالها تستطيع تقنين حمل التدريب بما يتلائم وقدرة الفرد الفسيولوجية وذلك للاستفادة من تأثيراته الإيجابية وتجنب التأثيرات السلبية التي ستؤثر حتماً على الحالة الوظيفية مما يؤدي إلى الإخفاق في الإنجاز فضلاً عن الحالة الصحية والتي قد تؤدي إلى إصابات مرضية خطيرة إذا ما عرفت واكتشفت بصورة مبكرة.
لذا فأن علم فسيولوجيا التدريب الرياضي يهتم بدراسة التغيرات الفسيولوجية التي تحدث أثناء التدريب ((مزاولة النشاط البدني)) بهدف استكشاف التأثير المباشر من جهة والتأثير البعيد المدى من جهة أخرى والذي تحدثه التمرينات البدنية أو الحركة بشكل عام على وظائف أجهزة وأعضاء الجسم المختلفة مثل ((العضلات، الجهاز العصبي، الجهاز العضلي، جهاز الدوران......الخ)). لذا يعد علم فسيولوجيا التدريب الرياضي واحد من أهم العلوم الأساسية للعاملين في مجال التدريب الرياضي ، فإذا كان علم الفسيولوجي العام يهتم بدراسة كل وظائف الجسم فأن علم فسيولوجيا التدريب يعني (( بأنه العلم الذي يعطي وصفاً وتفسيراً للمؤشرات الفسيولوجية الناتجة عن أداء التدريب لمرة واحدة أو تكرار التدريب لعدة مرات بهدف تحسين استجابات أعضاء الجسم)).
إن التدريب لمرة واحدة أو مزاولة أية نشاط بدني تحدث ردود أفعال للأجهزة الوظيفية نتيجة هذا النشاط ومن ثم يحدث ما يسمى ((بالاستجابة)) وهذا يرتبط بالنقطة الأولى وهي عبارة عن تغيرات مفاجئة مؤقتة تحدث في وظائف أعضاء الجسم نتيجة للجهد البدني الممارس لمرة واحدة وأن هذه التغيرات تختفي وتزول بزوال الجهد ومنها (( زيادة معدل ضربات القلب ، ارتفاع ضغط الدم وخصوصاً الانقباضي ، زيادة معدل أو عدد مرات التنفس)).
أما إذا كانت مزاولة الرياضة أو النشاط البدني والتدريب لعدة مرات فأن هذه التغيرات الفسيولوجية تحدث لدى الأجهزة الوظيفية وتبقى وتستمر بالتطور إلى أن تصبح حالة تكيف لهذه الأجهزة على الحالة الوظيفية الجديدة وهذا ما يطلق عليه في المصطلح الفسيولوجي ((التكيف)) وتشمل تغيرات وظيفية وبنائية مثل (( نقص معدل أو عدد ضربات القلب وقت الراحة، زيادة حجم الضربة، زيادة حجم الناتج القلبي ، قدرة القلب على ضخ أكبر كمية من الدم إلى العضلات العاملة أثناء الجهد مع الاقتصاد في صرف الطاقة))، فضلاً عن تكيف الجهاز العصبي .
- أهمية علم الفسيولوجي في المجال الرياضي :
1- الانتقاء: إن اكتشاف الخصائص الفسيولوجية التي يتميز بها الفرد ثم توجيهه لممارسة فعالية معينة بما يتناسب وخصائصه البيولوجية سوف يؤدي إلى تحسين المستويات الرياضية المتميزة خلال المنافسات الرياضية مع الاقتصاد بالجهد والمال الذي يبذل مع أفراد ليسوا صالحين في ممارسة أية نشاط أو إن قابليتهم محدودة في هذا النشاط أو ذاك، إن ذلك يمكن إن يتم من خلال قياس أو اختبار أجهزة ((الجهاز العضلي، جهاز الدوران، التنفس…الخ)). اذ يتم توجيه الرياضي إلى الفعالية المناسبة المتطابقة مع إمكاناته الفسيولوجية.
2- تقنين حمل التدريب: إن تقنين حمل التدريب بما يتناسب والقدرة الفسيولوجية للرياضي تعد من أهم العوامل لنجاح المنهج التدريبي ومن ثم تحسين الإنجاز، اذ يعد حمل التدريب هو الوسيلة لإحداث التأثيرات الفسيولوجية للجسم مما يحقق تحسين استجاباته وتكيف أجهزته.
إن استخدام الحمل البدني الملائم للرياضي هو الشيء المهم، اذ إن استخدام أحمال بدنية يقل مستواها عن إمكانية الرياضي الفسيولوجية سوف لن تؤدي إلى تطوير أجهزته الداخلية ويصبح التدريب مضيعة للوقت. أما إذا زادت هذه الأعمال عن قابلية الرياضي فأنها سوف تؤدي إلى الإرهاق وتدهور حالة الرياضي الصحية وكثرة الإصابات.
3- التعرف على التأثيرات الفسيولوجية للتدريب: عند أداء مكونات حمل التدريب الخارجي من حيث الحجم والشدة والاستشفاء خلال الجرع التدريبية لا يمكن للمدرب أن يفهم ويلاحظ مدى تطابق مكونات هذا الحمل مع قدرة الرياضي الفسيولوجي أثناء أداء مجموعات التمارين البدنية إلا من خلال الملاحظة أو سؤال الرياضي أو من خلال الزمن الذي طبق خلال الأداء أو الراحة وهذا يعتمد على مدى التقويم الذاتي وصدق الرياضي، إلا أن الفهم الصحيح والتطابق ما بين مكونات الحمل الخارجي وامكانية وقدرة الأجهزة الداخلية ((الحمل الداخلي)) للرياضي تأتي من خلال المؤشرات الفسيولوجية مثل النبض أثناء أو بعد الأداء مباشرة لمعرفة شدة الحمل البدني الممارس فضلاً عن النبض وقت الراحة لمعرفة هل وصل الرياضي إلى مرحلة الاستشفاء أو لا وفق القدرة البدنية المراد تطويرها إضافة إلى الراحة بين التكرارات والمجاميع.
4- الاختبارات والمقاييس: تعد الاختبارات الفسيولوجية من أهم العوامل التي يجب أن تصاحب المنهج التدريبي حتى نتمكن من التأكد من ملائمة حمل التدريب لمستوى الرياضي ومن ثم يمكن رفع وخفض حمل التدريب على وفق هذه الاختبارات، كما وتساعد الاختبارات الفسيولوجية على الكشف عن أية خلل في الحالة الصحية ومن ثم معالجة ذلك قبل أن تتفاقم لدى الرياضي مما يؤدي إلى عدم المشاركة في التدريب أو المنافسة وحتى إلى خسارة الرياضي.
5- الحالة الصحية: إن تحسين الحالة الصحية للرياضي واحدة من الأهداف التربوية للتدريب الرياضي. إن التقنين الخاطئ لحمل التدريب يؤدي إلى حدوث خلل في أجهزة الرياضي، ولعل السبب المباشر لعلماء الطب الرياضي وفسيولوجيا التدريب عن الكشف على الحالة الصحية للرياضي إنما ناتج عن الزيادة الهائلة لاحمال التدريب من حيث الحجم والشدة، وهذا مما يتوجب على المدرب فهم البيانات الفسيولوجية عن تأثير حالة التدريب على حالة الرياضي الصحية، إن قلة الفهم الفسيولوجية من قبل المدرب واللاعب عن كيفية تخليص الجسم من الحرارة وأهمية تناول الماء في الجو الحار فضلاً عن التغيرات الفسيولوجية التي تحدث أثناء ممارسة النشاط الرياضي قد تؤدي إلى الأضرار بالرياضي من الناحية الصحية فضلاً عن نوع الغذاء المتناول.
من خلال ما تقدم شرحه من مفهوم وأهمية لكل من الفسيولوجيا بصورة عامة وفسيولوجيا التدريب الرياضي بصورة خاصة، إن ما يهمنا بالموضوع هو دراسة الإنسان على وفق كل ما ذكر الذي يعد أكبر اعجوبة في بناءة وتركيب أجزاءه ووظائف أعضاءه ، إن تركيب هذا الكائن الحي الفريد يتكون من:
1. الخلية : وهي أصغر وحدة بنائية في جسم الإنسان فالدماغ مثلاً يحتوي على (( 13 )) مليار خلية عصبية فهي وحدة بنائية ووظيفية، اذ يوجد في جسم الإنسان عدة خلايا .
2. النسيج: وهو عبارة عن مجموعة من الخلايا تتشابه في التركيب والوظيفة والمنشأ (( أي نشأت كلها من نفس الطبقة الجرثومية في الجنين )) وتوجد في جسم الإنسان أربعة أنواع من الأنسجة ((الطلائية ، الضامة ، العضلية ، العصبية)).
3. العضو: هو ارتباط نسيجان أو أكثر بطريقة خاصة وهذه الأعضاء أكثر تعقيداً من الأنسجة وهي تؤدي الوظائف المختلفة والأنشطة التي يمارسها الإنسان.
هناك دائما نسيج واحد رئيسي هو المسؤول عن أداء العضو لوظيفته بينما تقوم بقية الأنسجة الأخرى بالمساعدة والدعم وعليه هناك نسيج رئيسي واحد وعدة أنسجة ثانوية.
مثال / المعدة ----->> النسيج الطلائي الذي يكون الغشاء المخاطي للمعدة هو النسيج الرئيسي الذي يؤدي وظيفة الهضم بينما العضلات، الأعصاب، النسيج الضام هي أنسجة ثانوية .
4. الجهاز: هو ارتباط مجموعة من الأعضاء وظيفياً والأجهزة أكثر وحدات الجسم تعقيداً ويؤدي كل منها وظيفة معينة أو مجموعة من الوظائف .
مثال / الجهاز الهضمي يؤدي وظائف عديدة هي :
- تناول الغذاء وهضمه.
- امتصاص وطرد الفضلات التي لا يمكن هضمها.
هذا إذا هو جسم الإنسان مجموعة من الأجهزة المعقدة يتألف كل منها من عدة أعضاء، وكل عضو من عدة أنسجة، وكل نسيج من عدة خلايا ومحصلة هذه الوظائف جميعها تكوّن ما يسمى بالنشاطات الحيوية للإنسان ((هي الحياة نفسها)).