الفن والسياسة
سالم سيف
فيلم أثار ضجة في دول العالم وظل أسابيع طوال ملء الشـاشة و ملء الحديث والتحليل بمختلف أبعاده و زواياه ، فلم ( Fahrenheit 9/11 - فهرنايت 11/9) للمخرج الأمريكي (مايكل مـور) - صاحب كتاب (الرجال البيض الأغبياء) – فيلم سياسي سردي وثائقي عن أحداث (11/9)،حيث يوثق مجريات تلك الأحداث وما تلاها من ردود أفعال.
ولست أدري كيف استعدت خلال مشاهدتي لهذا الفيلم أنماط العلاقة بين الفن والسياسة تلك العلاقة التي يمكننا أن نطلق عليها (علاقة جدلية ) ، واستعاد ذهني في ذات الوقت عناوين لأفلام أثارت الشارع السياسي لما تحمله من تصوير لأحداث سياسية بشكل مباشر أو غير مباشر أو من حيث إسقاطاتها المختلفة ، لكنها رغم ذلك أثارت ردود أفعال متباينة ،كان بعض هذه الأفلام يحاول الاقتراب من واقع الأحـداث وكان بعضها يسعى من أجل تكريس أفكار سياسية معينة لدى مشاهديه ، أو غرس وتعميق فكرة معينة أو إعطاء تبريرات لأحداث سياسية .. أو غير هذه وتلك من أسباب و أهداف .
فمن الأفلام التي أثارت جدل ونقاشات على سبيل المثال :
· (فيلم Schindllr's List - قائمة شندلر) للمخرج اليهودي ستيفن سبيلبرج عن حرق اليهود في ألمانيا النازية .
· ( KJF) ، ( مقتل كينيدي ) و ( رجال الرئيس ) وكلها حول مقتل الرئيس الأمريكي (جون كينيدي).
· فيلم ( زد ) الذي أنتج في أوائل السبعينات وتناول الحكم العسكري في اليونان وساهم بدور مباشر في إسقاطه .
· فيلم (صائد الرءوس) الذي أيقظ الضمير الشعبي الأمريكي والعالمي ضد حرب فيتنام وساعد على إيقافها .
والقائمة طويلة ..
إن المتتبع لهذا الموضوع يجد أن علاقة الفن بالسياسة لا تقتصر على الأفلام فقط ، فهناك مثلا ارتباط غير واضح بين الموسيقى وبين الأفكار السياسية المختلفة فعلى سبيل المثال فإن التاريخ يذكر بأن ( هتلر ) و زعماء النازية كان يجتمعون لسماع سيمفونية (سيجفريد ) لـ(فاجنر) لأنه يجسد لهم مغزى التفوق والقوة الألمانية وسـيادة العنصر الآري ، ورأى آخرون إن سيمفونيات (بيتهوفن) الخامسة والتاسعة تمثلان الثورة والتقدم الإنساني في مواجهة القهر والخوف والإستبداد .
وفي مجال الأدب نجد أن السياسة تلعب دورا كبيرا وهاما بل وأحيانا بشكل مباشر في كثير من الروايات على سبيل المثال : (كانديد) لـ(فولتير) ، (آلام فرتر) لـ(جوته) ، (الحرب والسلام) لـ(ليو تولستوي) , ( الصنم الذي هـوى )
لـ(أندريه جيد) ، (مزرعة الحيوان) لـ(جورج أورويل) ، (لمن تدق الأجراس) و (وداعا أيها السـلاح) لـ(أرنست همنجواي)، (العقب الحديدية) لـ(جاك لندن) ، (الرعب في عام 1989) لـ(بول أردمان) ،(النار السوداء ) لـ(مايكل ريبون) و القائمة طويلة طويلة جدا .
وفي المسرح نجد إن العلاقة المتبادلة بين القيم الفنية والأهداف السياسية أكثر وضوحا وسطوعا ، يكفى أن تلقي نظرة على بعضها حتى تراها تتجاوز بمراحل مسرح (بريخت) التعليمي المباشر و (بيتر فاس ) و (جـون أسبورن ) و (جون آردن) في أعمالهم ..
و هنا نتذكر المقولة المعروفة " أعطنى مسرحا أعطيك شعبا "
وحتى الفنون التشكيلية لم تخلو من البعد السياسي في كثير من اطروحاتها ، وربما كانت أداة فعّالة في توصيل فكرة سياسية ما أو التعبير عنها في شكل فني معبر كل التعبير ، على سبيل المثال لوحة (إعدام الثوار) لـ(جويا) ، جدارية (جورنيكا) لـ (بيكاسو) ، ولوحة (الثورة) لـ(مارك شاجال) ...
ومن نافلة القول أن نذكر إن هذا المقال ليس إلا مجرد إطلالة سريعة أو بالأصح إضاءة خاطفة على موضوع كبير يمكن تناوله في دراسات أكاديمية متخصصة ، يتم من خلالها تناول العلاقة بين الفنان المبدع و السلطة المتحكمة وتطوراتها عبر الأزمنة ، هذه العلاقة التي يلاحظ عليها إنها كانت تتسم بطابع الخوف والحذر من الجانبين وفي أحسن الأحوال علاقة حيادية ونادرا ما كانت علاقة وثيقة كالعلاقة التي كانت بين (مكسيم جوركي) و(لينين) أو بين (أندريه مارلو ) و (ديجول) أو بين (ليوناردو دافنشي) و عائلة (آل ميدتشي) الحاكمة .
وتطورت إلى تحول الفنان إلى رئيس أعلى سلطة تنفيذية في الدولة فنجد إن الممثل (رونالد ريجان ) أصبح رئيسا للولايات المتحدة ، والروائي (فاتسلاف هافل) أصبح رئيسا لجمهورية تشيكوسلوفاكيا ، مما يذكرنا بآراء (أفلاطون) في كتابه (الجمهورية ) حين دعا لأن يتولى الفلاسفة أمور الحكم في بلادهم .