لن أنسى تلك القصيدة /الصورة التي مطلعها:
مثلما تعصر نهديها السحابه
تمطر الجدران صمتا وكآبه
وقصيدة:
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي
مليحة عاشقاها السل والجرب
ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن
ولم يمت في حشاها الحب والطرب
كانت تراقب صبح البعث فانبعثت
في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نبذة عنه
شاعر ثوري عنيف في ثورته، جريء في مواجهته، يمثل الخصائص التي امتاز بها شعر اليمن المعاصر ،، والمحافظ في الوقت نفسه على كيان القصيدة العربية كما أبدعتها عبقرية السلف، وكانت تجربته الإبداعية أكبر من كل الصيغ والأشكال ...
ولد عام 1348هـ 1929 م في قرية البردون (اليمن)
أصيب بالعمى في السادسة من عمره بسبب الجدري ، درس في مدارس ذمار لمدة عشر سنوات ثم انتقل إلى صنعاء حيث أكمل دراسته في دار العلوم وتخرج فيها عام 1953م.
ثم عُين أستاذا للآداب العربية في المدرسة ذاتها ... وعمل مسؤولاً عن البرامج في الإذاعة اليمنية.
أدخل السجن في عهد الإمام أحمد حميد الدين وصور ذلك في قصائده فكانوا أربعة في واحد حسب تعبيره ، العمى والقيد والجرح ,,
شاعر اليمن وشاعر .. منتم الى كوكبة من الشعراء الذين مثلت رؤاهم الجمالية حبل خلاص لا لشعوبهم فقط بل لأمتهم أيضا‚ عاش حياته مناضلا ضد الرجعية والدكتاتورية وكافة اشكال القهر ببصيرة الثوري الذي يريد وطنه والعالم كما ينبغي ان يكونا‚ وبدأب المثقف الجذري الذي ربط مصيره الشخصي بمستقبل الوطن‚ فأحب وطنه بطريقته الخاصة‚ رافضا أن يعلمه أحد كيف يحب‚ لم يكن يرى الوجوه فلا يعرف إذا غضب منه الغاضبون‚ لذلك كانوا يتميزون في حضرته غيظا وهو يرشقهم بعباراته الساخرة‚ لسان حاله يقول: كيف لأحد أن يفهم حبا من نوع خاص حب من لم ير لمن لا يرى ..
هو شاعر حديث سرعان ما تخلص من أصوات الآخرين وصفا صوته عذبا‚ شعره فيه تجديد وتجاوز للتقليد في لغته وبنيته وموضوعاته حتى قيل‚ هناك شعر تقليدي وشعر حديث وهناك شعر البردوني‚ أحب الناس وخص بحبه أهل اليمن‚ وهو صاحب نظرة صوفية في حبهم ومعاشرتهم إذ يحرص على لقائهم بشوشا طاويا ما في قلبه من ألم ومعاناة ويذهب الى عزلته ذاهلا مذعورا قلقا من كل شيء .
تناسى الشاعر نفسه وهمومه وحمل هموم الناس دخل البردوني بفكره المستقل الى الساحة السياسية اليمنية‚ وهو المسجون في بداياته بسبب شعره والمُبعد عن منصب مدير إذاعة صنعاء‚ والمجاهر بآرائه عارفا ما ستسبب له من متاعب ...في عام 1982 أصدرت الأمم المتحدة عملة فضية عليها صورته كمعاق تجاوز العجز‚ ترك البردوني دراسات كثيرة‚ وأعمالا لم تنشر بعد أهمها السيرة الذاتية..‚
له عشرة دواوين شعرية، وست دراسات. . صدرت دراسته الأولى عام 1972م "رحلة في الشعر قديمه وحديثه" .
أما دواوينه فهي على التوالي:
• من أرض بلقيس 1961 -
• في طريق الفجر 1967 -
• مدينة الغد 1970
• لعيني أم بلقيس 1973
• السفر إلى الأيام الخضر 1974
• وجوه دخانية في مرايا الليل 1977 -
• زمان بلا نوعية 1979
• ترجمة رملية لأعراس الغبار 1983
• كائنات الشوق الاخر 1986 -
• رواغ المصابيح 1989
في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الاثنين 30 أغسطس 1999م وفي آخر سفرات الشاعر الى الأردن للعلاج توقف قلبه عن الخفقان بعد ان خلد اسمه كواحد من شعراء العربية في القرن العشرين ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصائد من الشاعر
من أرض بلقيس
مِنْ أَرْضِ بَلْقِيسَ هَذا اللَّحْـنُ وَالوَتَـرُ
مِنْ جَـوِّهَا هَـذِهِ الأَنْسَامُ وَالسَّحَرُ
مِنْ صَدْرِهَا هَذِهِ الآهَـاتُ، مِنْ فَمِهَـا
هَذِي اللُّحُونُ ، وَمِنْ تَارِيخِهَا الذِّكَرُ
مِنَ « السَّعِيدَةِ » هَذِي الأُغْنِيَاتُ ، وَمِنْ
ظِـلاَلِهَا هَذِهِ الأَطْيَافُ وَالصُّـوَرُ
أَطْيَافُهَا حَوْلَ مَسْرَى خَاطِـرِي زُمَـرٌ
مِنَ التَّـرَانِيمِ تَشْدُو حَـوْلَهَا زُمَـرُ
مِنْ خَاطِرِ « اليَمَنِ » الخَضْرَا وَمُهْجَتِهَا
هَـذِي الأَغَارِيدُ وَالأَصْدَاءُ وَالفِكَرُ
هَـذا القَصِيـدُ أَغَانَيـهَا وَدَمْعَتُهَـا
وَسِحْرُهَا وَصِبَاهَا الأَغْيَدُ النَّضِـرُ
يَكَادُ مِنْ طُـولِ مَا غَنَّـى خَمَائِلَهَـا
يَفُوحُ مِنْ كُلِّ حَرْفٍ جَوُّهَا العَطِرُ
يَكَادُ مِنْ كُثْرِ مَـا ضَمَّتْـهُ أَغْصُنُهَـا
يَرُفُّ مِنْ وَجْنَتَيْهَا الوَرْدُ وَالزَّهَـرُ
كَأَنَّـهُ مِنْ تَشَكِّـي جُرْحِهَـا مُقَـلٌ
يُلِحُّ مِنْهَا البُكَا الدَّامِي وَيَنْحَـدِرُ
يَا أُمِّـيَ اليَمَـنَ الخَضْـرَا وَفَاتِنَـتِي
مِنْكِ الفُتُونُ وِمِنِّي العِشْقُ وَالسَّهَـرُ
هَا أَنْتِ فِي كُلِّ ذَرَّاتِـي وَمِـلْءَ دَمِي
شِعْرٌ « تُعَنْقِدُهُ » الذِّكْرَى وَتَعْتَصِرُ
وَأَنْتِ فِي حِضْنِ هَذَا الشِّعْـرِ فَاتِنَـةٌ
تُطِلُّ مِنْهُ ، وَحِينَـاً فِيـهِ تَسْتَـتِرُ
وَحَسْبُ شَاعِرِهَا مِنْهَا - إذَا احْتَجَبَتْ
عَنِ اللُّقَـا - أَنَّهُ يَهْوَى وَيَدَّكِـرُ
وَأَنَّـهَا فِي مَآقَِـي شِعْـرِهِ حُلُـمٌ
وَأَنَّـهَا فِي دُجَاهُ اللَّهْـوُ وَالسَّمَـرُ
فَلاَ تَلُـمْ كِبْرِيَاهَـا فَهْـيَ غَانِيَـةٌ
حُسْنَاً، وَطَبْعُ الحِسَانِ الكِبْرُ وَالخَفَـرُ
مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ هَذِي الأُغْنِيَاتُ ، وَمِنْ
رِيَاضِهَـا هَذِهِ الأَنْغَـامُ تَنْـتَـثِرُ
مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ حَيْثُ الضَّـوْءُ يَلْثَمُهَا
وَحَيْثُ تَعْتَـنِقُ الأَنْسَـامُ وَالشَّجَـرُ
مَا ذَلِكَ الشَّـدْوُ؟ مَنْ شَادِيهِ ؟ إنَّهُمَا
مِنْ أَرْضِ بَلْقِيسَ هَذا اللَّحْنُ وَالوَتَرُ
* * * * *
من ديوانه " من أرض بلقيس " .
لص في منزل الشاعر
شكراً ، دخلتَ بلا إثارة ، وبلا طُفُورٍ ، أو غَرارهْ
لما أغرتَ خنقتَ في رجليكَ ضوضـاءَ الإغاره
لم تسلبِ الطينَ السكونَ ، ولم تَرُعْ نومَ الحجاره
كالطيفِ جئتَ بلا خُطىً ، وبلا صدىً ، وبلا إشاره
أرأيتَ هذا البيتَ قزماً ، لا يكلفكَ المهـاره؟
فأتيته ، ترجو الغنائم ، وهو أعْرَى من مغاره
* * *
ماذا وجدتَ سوى الفراغ ، وهرّةً تَشْتَمُّ فاره
ولهاث صعلوك الحروف ، يَصوغُ من دمِهِ العباره
يُطفي التوقّدَ باللظى ، ينسى المرارةَ بالمـراره
لم يبقَ في كُوبِ الأسى شيئاً ، حَسَاهُ إلى القراره
* * *
ماذا ؟ أتلقى عند صعلوكِ البيوت ، غِنَى الإمَارَه
يا لصُّ عفواً ، إن رجعتَ بدون رِبْحٍ أو خَسَارَه
لم تلقَ إلاّ خيبةً ، ونسيتَ صندوقَ السجـاره
شكراً ، أتنوي أن تُشرِّفنا ، بتكرارِ الزيـاره !؟
من ديوانه " مدينة الغد "