ناصر حكيم
--------------------------------------------------------------------------------
ولد عام 1910 في ناحية عكيكه (بمنطقة ريفية تدعى البندربات على ضفاف نهر الفرات) بقضاء سوق الشيوخ في محافظة ذي قار المدينة التي انجبت كبار الغناء العراقي. و هو الاول بين تسلسل اخوانه الاربعة(مؤنس و عبد و علوان و كريم). و كان راعيا لاغنام اهله ومنذ طفولته كان يغني بين اهله واصدقائه و يدندن بصوته الطفولي الاغاني التي كانت ترددها بنات العيد (و هن مجموعة نساء كن يحملن الدفوف و يرددن بعض الاغاني الشعبية المعروفة انذاك) ثم لاحت له فرصة عام 1925 في احتفال كبير بالمحافظة ضم اكثر من ثلاثين مطرباً وعندما غنى معهم لفت الانظار اليه وهو ما يزال فتى ويمتلك صوتاً جميلاً يضاهي افضل الاصوات الموجودة في الساحة فجاءه (نسين الساعاتي) احد الحاضرين في الاحتفال وطلب اليه تسجيل اسطوانات عند صاحب شركة اسطوانات (بلفون) فسافر ناصر حكيم الى فرع الشركة في البصرة وسجل سبع اسطوانات بمبلغ 50 ربية قدم فيها عدة اطوار ريفية مختلفة وابرز الاغاني التي سجلها هي( بولفي سبع اوصاف –سوده شلهاني- رد يا بو زويني-يمهيرة البدران-بالشطرة شبت نار- بوية سوادي- هلبت منيرة وغيرها) وقد منحته الشركة 50 روبية كاجور عن كل اسطوانة وفي العام التالي استدعته الشركة الى مقرها الرئيس في بغداد مع زميلة ملا شنين وخضير حسن وسجل اسطوانات جديدة تضمنت اغنيات بالراض –وبهية- بطل يدالي غنتها من بعده صديقة الملاية - وفي عام 1927 سجل لشركة (بيضافون) اسطوانات مع الفنان حضيري ابو عزيز وخطار جابر. و لهذا الفنان خصوصية في الغناء الريفي لانه يمتلك صوتا عريض المساحة و طاغيا حتى على الموسيقى و ميالا الى الحزن اكثر منه الى التطريب الا ان صوته لا يخلو من النبرات المحببة التي تخرج من حنجرته كأنها زغاريد على هيئة اغنية و كذلك الارتعاشات الموجودة في حبال صوته و لذلك جعل منه فنانا يشار له بالبنان و فنانا من الصعب تقليد نبرات صوته
غنى في الاذاعة بـ 8 دنانير
وفي عام 1948 ذهب الى فلسطين مع مجموعة من المطربين لاحياء عدة حفلات للقوات المسلحة اللتي كانت تقاتل في فلسطين كما سجل اغنياته لشركة محطة الشرق الاوسط في بيروت عام 1955 مع ناظم الغزالي ووحيدة خليل وداخل حسن وجواد وادي وحسن خيوكه و قد شغف بحب الموسيقى و الغناء و لم يتجاوز عمره الـ10 سنين و يعد الفنان ناصر حكيم من الرعيل الاول الذين دخلوا الاذاعة العراقية (التي انشئت عام 1936) و من المنتسبين الاوائل اليها و قد كان يتقاضى اجرا مقداره 8 دنانير عن كل حفلة مع زميليه حضيري ابو عزيز و داخل حسن لان الحفلات كانت تبث بشكل مباشر و حي لعدم وجود اجهزة تسجيل كما في وقتنا هذا و لان الاغنية في ذلك الوقت كانت تحمل هموم الانسان و تعبر عن افراحه و احزانه .و يعتبر صوت الفنان من طبقة التينور(صوت عالي جدا ولكنه جميل )و صوته لا يخلو من القهقهات و العرب و شجن .
مقهى للغناء الاصيل
وبعد دخوله الى الاذاعة واستقراره في بغداد مع عائلته كان لابد ان يجد مصدر رزق اخر لمعيشته لان الاجور كانت لا تكفي فافتتح له مقهى في منطقة علاوي الحلة ثم تحولت الى مدرسة فنية في الغناء تخرج فيها العديد من الفنانين الذين كانوا يتعلمون الغناء فيها على ايدي رواد الاغنية العراقية وكان ابرز رواد المقهى عبد الامير الطوير جاوي ومسعود العمارتلي وشخير سلطان وحضيري وداخل حسن وجبوري النجار وبدر الحلي وكانت الآلات الموسيقية لا تتعدى الطبلة والعود والكمان احياناً، وقد احتلت المقهى واجهة كبيرة في مسيرة الاغنية العراقية لاسيما الاغنية الريفية و لقد استمر الفنان الغناء في هذه المقهى حتى منتصف الستينات و بعدها انتقل الى عدة مقاهي في الكرخ و منها كازينو القناديل في منطقة الصالحية ببغداد و المجاورة لدار الاذاعة انذاك. حتى صدر قانون التقاعد للفنانين فأعتزل الغناء عام 1971
يلحن ويكتب لنفسه
وكان الرائد ناصر حكيم يكتب ويلحن اغنياته بنفسه دون الاعتماد على غيره لانه يشعر انه اكثر صدقاً وتعبيراً من غيره في هذا المجال، ومعظم الاغاني التي يتغنى بها المطربون الريفيون حالياً تعود له بالاصل رغم انهم لا يذكرون ذلك من هذه الاغاني (لسري لهم بالليل- مالي شغل بالسوك- فرد عود- بالراض امش- نخل السماوة- على الله ويا زماني- بهية) و قد كان الفنان يجيدعددا كبيرا من الاطوار الريفية منها المجراوي و الشطراوي و الملا جابر و الصبي و الحياوي و الجادري و العياش و الشطيط و النايل و كذلك غنى الابوذية و البستة و قد اجاد بها و مطوعا صوته لاداء تلك الاطوار المتعددة.
اغنية لها قصة
ومن الحوادث المشهورة في حياة ناصر حكيم قصة اغنية (رد يابو زويني) التي يتحدث عنها دائماً في احاديثه الصحفية والتلفزيونية والاذاعية فقد كان حكيم معتاداً على لقاء حبيبته في صباح كل يوم بعد ان يعبر ضفة النهر الى الجهة الاخرى حيث سكن الحبيبة وكانت الاشارة بينهما صوت الرحى عندما تطحن الحنطة وفي يوم شتائي بارد عبر (ناصر) النهر (بالبلم) وهو يرتدي مقطع (زويني) وقبل الوصول الى الحبيبة جاء اولاد عمها فصاحت بصوت عال قريب للغناء حتى تنبه لذلك:
رد يابوزويني عدوانك مغربين
لنته جنيني ولنته لي واسلاك
فرمى ناصر بنفسه في الماء وعاد سباحة في عز البرد وهو يجيب على قول الحبيبة بصوته العذب.
حجلي الي وياج يا من تطحنين
يتفسر البولاذ بس لا تونينن
لشرك ضلوعي كون بيهن واخليج
خلهة اتهجع وتنام روحي التهم بيج
وبعد رحيل الرائد ناصر حكيم في نيسان عام 1991 نكون قد فقدنا آخر فرسان رواد الاغنية الريفية (بعد وفاة الفنان حضيري ابو عزيز عام 1963و وفاة الفنان داخل حسن عام 1985) بعد مسيرة حافلة بالعطاء قدم فيها لاسماعنا اروع الاغاني واعذبها اضافة الى تشكيلة مدرسة فنية نجد اثارها واضحة في اكثر من جيل فني. غاب عنا الصوت المفعم بالحنان والجمال تاركا وراءه ثروة هائلة من الاسطوانات والتسجيلات ستجعله خالداً في الاذهان.