Fati المديــــر العــام
اسم الدولة : فرنسا
| موضوع: (( فن النحت )) الأربعاء يوليو 16, 2008 2:35 am | |
|
النحت * - يختلف فن النحت في أسلوبه عن باقي الفنون فهو لا يتعامل مع الأشكال المسطحة مثل فن التصوير وإنما يتضمن أشكال مجسمة ذات أبعاداًً ثلاثة نجد أن المتعة الفنية التي تتصل بأعمال
النحت لا تأتي من خلال المشاهدة فقط وإنما عن طريق الملمس والحركة المجسمة أيضاًً ويشكل النحات الأعمال بيديه التي هي أقدر الوسائل لنقل الحس الفني العالي باللمس، إلي جانب استخدامه لبعض الخامات التي تنقل لدينا الإحساس بواقعية الشكل المنحوت ومن هذه الخامات: الرخام المصقول والخشب والصلب.
* النحت والفنون الأخرى: تتصل جميع الفنون ببعضها علي الرغم من اختلافاتها الجوهرية وكون اندراجها تحت مصطلح عام يسمي باسم الفنون يعطي لها طابع الارتباط أو الاتحاد إلي جانب عاملين آخرين، حيث نجد أن الفنون ترتبط ارتباطاًً وثيقاًً ببعضها من: 1- ناحية الجودة. 2- من ناحية الغرض الوظيفي أي أنه يمكن أن يؤدي نوعاًً من الفنون وظيفة نوعاًً آخر أي تبادل للوظائف والأغراض: فالعمارة يغلب عليها الطابع الزخرفي وقد يكون لها طابع تصويري كما في الجوامع والقصور، وقد اتحد فن النحت مع فن العمارة منذ قديم الأزل.
* استخدامات النحت:
- قد تم استخدام فن النحت منذ قديم الأزل للوفاء بأغراض عديدة: 1- كغرض تذكاري وتخليدي. 2- كغرض تاريخي. 3- كغرض ديني. 4- وفي بعض الأحيان يستخدم كسجل لتدوين الموضوعات اليومية لبعض العادات المتبعة. إلا أن هذا الغرض الأخير استخداماته ضئيلة بالنسبة للموضوعات الأخرى المستخدمة إلي جانب الموضوعات الأدبية.
* الحجم وفن النحت:
- تتدرج أبعاد التمثال المختلفة إلي بعدين: 1- بعد يزيد عن الحجم الطبيعي ليصل إلي الحجم الضخم وكثيراً ما يتواجد في أعمال النحت القديمة خصوصاًً تلك التي ارتبطت بفن العمارة مثل تمثال أبو الهول في الحضارة الفرعونية المصرية القديمة. 2- بعد يقل عن الحجم الطبيعي ليصل إلي حجم أصغر من الحجم الطبيعي مثل العملات. ونجد أن الحجم في فن النحت يتأثر بالغرض الوظيفي ما لم يكن العامل الوحيد مثال: وظيفة تمثال خفرع الاجتماعية والمعمارية هي تخليد عظمة فرعون. وتخضع الأحجام أيضاًً في فن النحت حسب الخامات المتوافرة في مرسم النحات، وحسب إمكانياته المادية المحدودة.
* أنواع أعمال النحت: - تنقسم أعمال النحت إلي قسمين: 1- النحت المستقل: وفيه يتم رؤية التمثال من جميع النواحي. 2- النحت البارز.
* خامات النحت: - التيراكوتا (Terra Cotta): تعتبر من أقدم الخامات المستخدمة في النحت في عصور ما قبل التاريخ، كما استخدمها قدماء المصريين والإغريق والصينين وشعوب الهند علي مستوي فني عالٍ. ويتم فيها تجهيز الطينة الأساسية داخل إطار معدني ثم تحرق بطريقة لا تكلف كثيراً، وتتميز بسهولة الاستخدام وقوة تحملها حيث لا تتعرض للتلف أو التآكل أو التشقق إلا أنه يمكن كسرها لأي تصادم يقع عليها. ويمكن استعمال الطينات ذات الألوان المختلفة أو بإضافة طبقات من الطلاء الزجاجي حيث تثبت علي سطح التمثال أثناء عملية الحرق الثانية في الفرن المعد لذلك أو في الفرن العادي.
- البرونز والمعادن الأخرى (Bronze and other ****ls): وتم استخدام هذه المادة بعد استخدام الطين لفترة طويلة من الزمن لكن تاريخه يرجع الوراء حتى العصر البرونزي نفسه من 3000-1000 ق . م. وفيه يستطيع المثال عمل نموذجه الأصلي من الطين ثم صبه بمعدن البرونز دون أية صعوبة كما يمكن إعادة الصب مرات متعددة. والميزة الكبرى في ذلك المعدن هو قدرته علي التماسك وعلي الثني وعدم التشقق أو الكسر ويظهر تطبيق هذه الخامة بوضوح في عمل التماثيل التي بها انحناءات أو حركة.
* النحاس الأصفر (Brace): من الخامات التي تم استخدامها قديماًً حيث كان يطرق إلي ألواح معدنية أما اليوم فهو يستخدم في أعمال السباكة. ويتميز بدقة لمعان سطحه إلا أنه ينطفئ إذا لم يحفظ بطريقة جيدة.
- النحاس الأحمر (Copper): هذا المعدن له مزايا عديدة أتاحت له الاستخدام علي عصور التاريخ منها قابليته للطرق لأنه أكثر ليونة من النحاس الأصفر، ويقاوم التآكل عند تعرضه للجو، لا يتطاير عند صهره مثل البرونز، وبإضافة معدن الصفيح له يصبح أساساُ لجميع أنواع البرونز والنحاس الأصفر وغيرها من المعادن، وبتحويله إلي ألواح مثل الذهب والرصاص والقصدير والصفيح يمكن تشكيلها إلي أشكال مجسمة ذات أبعاد ثلاثة أو أشكال بارزة.
* الحديد (Iron): يمكن استخدامه كخامة من خامات النحت لكن بعد طرقه والذي يعرف باسم الحديد المطروق أو المطاوع، ويتم تشكيله بواسطة جهاز اللحام للحصول علي أشكال لها طابع خيالي.
* الصلب والألومنيوم (Steel & Aluminium): ومن الخامات التي تلت ظهور الخامات القديمة في عصور ما قبل التاريخ والحضارات بأنواعها، حيث يزداد اكتشاف الخامات يوماًً بعد آخر.
* الحجارة (Stone): إن كانت الحجارة أكثر صعوبة في الاستعمال عن الطين الذي يمكن تشكيله وصبه بسهولة، إلا أنها أكثر بقاءاًَ من التيراكوتا كما أنها أكثر لمعاناًً من البرونز. وعلي الرغم من عدم توافر السرعة في إنجاز الأعمال بالحجارة إلا أنها تتميز بالقوة والصلابة وتتجاوب مع التيار المعماري وخير مثال علي ذلك تلك التماثيل والمعابد المنحوته من الحجر البازلت أو الجرانيت في الحضارة الفرعونية القديمة التي ظلت باقية حتى الآن منذ آلاف السنين.
* الخشب (Wood): للخشب عيوب ومزايا، إلا أن عيوبه تطغي علي مزاياه فهو مادة تتآكل نسبياً، وعرضة للتشقق نتيجة لتغيير درجة الحرارة، ويتقوس من الرطوبة، ويتفتت نتيجة لهجمات حشرة السوس. كما أن هناك بعض أنواع من الأخشاب تفرض طريقة لنشرها وتحد من حرية الفنان لطبيعة أليافها. ومن الناحية الأخرى نجده أخف وزناً من الحجر، وخامة تتجاوب مع أعمال الدهان، رخيص التكاليف، كما يمكن تطويعه بسهولة في الأشكال الصعبة التي توجد بها انحناءات أو حركة عميقة.
| |
|
Fati المديــــر العــام
اسم الدولة : فرنسا
| موضوع: رد: (( فن النحت )) الأربعاء يوليو 16, 2008 2:37 am | |
| النحت في الحضاره المصريه
كانت التماثيل بين أهم العلامات المميزة للفن المصري القديم، وكانت للتمثال مهمة أساسية في المقبرة عبر العصور الفرعونية؛ وهي تمكين الروح من التعرف على ملامح الشخص المتوفى، فلا تخطئه في الدار الآخرة. وازدهر فن النحت في الدولة القديمة والوسطي والحديثة، وأثمر عددا من التماثيل بأنواع مختلفة. واستخدم المصريون حجم التمثال للتعبير عن الوضع الاجتماعي. فحجم تمثال الفرعون كان يفوق الحجم الطبيعي، ويزن أحيانا عدة أطنان. وكانت تماثيل الكتبة وموظفي البلاط بالحجم الطبيعي تقريبا. وأما تماثيل الخدم والعمال فكانت، رغم دقتها العالية، أصغر حجما؛ ولا يزيد ارتفاعها في العادة على 50 سنتيمترا. وقد أظهرت تلك التماثيل الخادم في أوضاع العمل المختلفة. وهذا إضافة إلى تماثيل الشوابتي بالغة الصغر التي لا يزيد ارتفاعها على بضعة سنتيمترات. وهذه يستدعيها صاحبها ، في الدار الآخرة ، لكي تؤدي عنه العمل الصعب الذى لابد وأن يقوم به . وكان هناك 365 من هذه التماثيل الصغيرة (الأوشابتى)؛ أي بعدد أيام السنة.
والمسلات من المعالم الرئيسية المميزة للنحت المصري، وقد اعتمدت في صناعتها على تقنيات معمارية عالية؛ إذ كانت المسلة تنحت من كتلة صخرية واحدة. وكانت المسلات من أبرز معالم العمارة القديمة، وتقام عادة على جانبي مداخل المعابد. وكان للأعمدة وضع خاص في العصرين الفرعوني واليوناني. ويتكون العمود، سواء كان رباعي الشكل أو مستديرا، من ثلاثة أجزاء: قاعدة، وبدن، وتاج. واتخذت التيجان أشكالا شبيهة بالزهور وأوراق النبات؛ مثل النخيل ونبات اللوتس. ومن الأشكال الشائعة أيضا، شكل السلة المجدولة؛ بأشكال حليات نباتية وعناقيد عنب في داخلها. وفي العصر البطلمي اكتشف الملوك والأباطرة أنواعا كثيرة من الرخام في جبال البحر الأحمر، واستخدموها بكثافة في التماثيل والإنشاءات.
وأصبحت الحركة وثنايا الملابس واضحة في أساليب النحت، وعثر على تماثيل كثيرة للملوك والأرباب. وظهر نوع خاص من التماثيل في ذلك العصر عرف بالتيراكوتا أو الطين المحروق، وهي تماثيل صغيرة مصنوعة من الفخار يتراوح ارتفاعها بين 20 و50 سنتيمترا. وقد عثر على تماثيل كبيرة تصور الحيوانات؛ مثل القط والقرد والثور والأسد والكلب، إلى جانب الأشكال الآدمية.
وركزت الحضارة القبطية فقط على نوعين محددين من النحت. الأول هو شاهد القبر، وهو لوح من الحجر الجيري يكون الجزء العلوي منه غالبا مثلث الشكل و به رسوم. ويحمل شاهد القبر صورة لشخصية المتوفى وبيانا بتاريخ الوفاة. والنوع الثاني من النحت هو الإفريز، وهو عنصر زخرفي منحوت؛ يعلو الحوائط أو يزين أسفلها: ويستخدم في زخرفة أبنية الكنائس والأديرة. وتحمل الأفاريز عادة حليات بأشكال حيوانات؛ وفي حالات خاصة، بأشكال آدمية. وأضيف شكل الصليب في منتصف الإفريز، منذ القرن السادس الميلادي.
ولم يكن للنحت سوى دور ضئيل جدا في عهود المسلمين؛ حيث يرفض الإسلام جميع مظاهر الوثنية. ولذلك، عثر فقط على تماثيل قليلة؛ لكنها لم تكن منحوتة، وإنما كانت تصب في قالب. وكانت تلك التماثيل الصغيرة، في معظمها، لحيوانات؛ مثل الأرنب والغزال.
بينين— قصر فن النحت الافريقي
ينساب نهر النيجر بهدوء ليلا ونهارا ويتلوى عبر غرب افريقيا، ويروى آراضيها الواسعة ويربي أبناءها جيلا بعد جيل. وعلى ضفتيه نشأت حضارة بينين الزاهية التي يفتخر بها الشعب الافريقي. ورمز هذه الحضارة ثقافة البرونز التي تعتبر زهرة رائعة بديعة في بستان الثقافة والفنون الافريقية. فيمكنك أن ترى تماثيل برونزية أو أعمال منحوتة برونزية في المتحف الوطني أو أسواق المنتجات الفنية في أى دولة بغرب إفريقيا. يبلغ طول تماثيل رؤوس الملوك والملكات والفرسان 50-100 سينتمتر، وتتميز بحيوية الصور ودقة التشكيل، وتجسّد ازدهار مملكة بينين القديمة. وتحكى اللوحات البرونزية المنحوتة حياة الملوك في قصر مملكة بينين القديمة.
وتشكلت دولة بينين التي تقع في الغابة الاستوائية غرب افريقيا في القرون الوسطى، وظلت أحد المراكز الثقافية المتقدمة في القارة الافريقية منذ 800 سنة. ونشأ الفن البرونزي في هذا الجو الثقافي الخاص وتطور حتى وصل ذروته وأصبح رمز حضارة بينين العريقة.
غير أن المنطقة الافريقية الغربية لا تنتج البرونز في الحقيقة. ونقلت قوافل الجمال البرونز من افريقيا الشمالية البعيدة الى بينين. وكان البرونز معدنا نادرا وثمينا في ذلك الوقت. وفيما بعد جلب البرتغاليون البرونز من أوربا عبر البحر الى بينين، الأمر الذي وفّر للفنانين مجالا واسعا للإبداع بالبرونز..
ولم تكن لدي البينيين كتابة في تاريخ حضارة بينين العريقة. وظل البينينيون يسجلون تاريخهم بنحت أو نقش الصور على البرونز أو العاج. ويمكننا أن نرى تطور تاريخ بينين من خلال اللوحات البرونزية المنحوتة التي تجسد حياة الملوك الفخمة والمعارك القاسية بل المفعمة بالبطولة والتي وسعت من خلالها مملكة بينين القديمة آراضيها. وظهرت ملامح الأوربيين في الأعمال الفنية مع مجيئهم. هكذا عكست هذه الأعمال الفنية تاريخ المملكة القديمة الى الناس في العصر الحديث وتطوّر الفن البرونزي من خلال تسجيل التاريخ حتى وصل الى ذروته.
وأصبح النحت البرونزي في بينين منذ القرن الثالث عشر فنا ملكيا، حيث كان الملوك في بينين يعيلون دفعة من النحاتين والفنانين ليبدعوا ويقدموا جميع أعمالهم الفنية للقصر. وأبدع الفنانون الكثير من تماثيل الشخصيات واللوحات البرونزية المنحوتة وزينت هذه الأعمال الفنية قاعات القصر وأروقته وأعمدته. ومن القرن الخامس عشر الى القرن السابع عشر أصبحت الأعمال البرونزية أكثر واقعية ومفعمة بالحيوية.
وفي القرن التاسع عشر انهارت مملكة بينين القديمة وتعرّض الفن البرونزي للسلب من قبل المستعمرين الغربيين، وتبعثرت الأعمال الفنية البرونزية في أنحاء العالم. رغم ذلك ما زال فن النحت والتشكيل البرونزي له حيوية قوية وينتشر وسط شعوب الدول في غرب أفريقيا، ويعكس حضارة الشعوب الافريقية العريقة والساحرة والجذابة...
| |
|
Fati المديــــر العــام
اسم الدولة : فرنسا
| موضوع: رد: (( فن النحت )) الأربعاء يوليو 16, 2008 2:38 am | |
| النحت في العصر الحديث
رغم الصلة الواضحة القائمة بين فن النحت من جهة وفن التصوير والفنون الترسيمية (الجرافيك) من جهة أخرى إلا أن تاريخ كل منهما مختلف إلى حد ما عن الآخر، كما أن كلا منهما يخدم أغراضا تختلف بوجه عام عن تلك التي يخدمها الآخر.
وفي الوقت الذي أصبحنا نشهد فيه. وبالذات في القرن العشرين. إقبالا متزايدا على اقتناء اللوحات الزيتية. فيما عدا بعض الأعمال ذات الأحجام الضخمة. لسهولة توفير الأماكن المناسبة لتعليقها داخل بيوت الأشخاص حتى العاديين منهم. لكنهم أغنياء بطبيعة الحال. نجد الأمر على غير ذلك تماما بالنسبة إلى النحت الذي يواجه مشكلة رئيسية هنا وهي صعوبة توفير المكان الملائم لوضع الأعمال النحتية داخل البيوت. ويزد الأمر سوءا أن البيوت نفسها أصبحت تميل إلى الصغر والضيق. ويعود ذلك إلى أن العمل النحتي بطبيعته يفرض وجوده الكلي على المشاهد ويدفعه بقوة إلى تأمل العمل بأكمله. بمعنى أنه يمكن لنا أن نتجاهل لوحة معلقة على جدار أو أن نكتفي بنظرة عابرة تجاهها. لكن التمثال يستلزم منا التوقف والتأمل ثم الالتفاف حوله. بل وحتى الارتفاع فوقه لأمكن ذلك. ولذلك كان من الطبيعي أن يكون المكان الأمثل لإقامة المنحوتات هو الميادين والساحات العامة والمتاحف دون البيوت العادية التي لا يتوفر بها عادة مثل هذه المساحات.
تقليدياً، لعب النحت دور الرديف لفن العمارة، لأن وظيفته كانت إضفاء اللمسات الجمالية على التصميم بحيث تسهم في تحسين الصورة العامة للمبنى وبالتالي فقد كان يعتبر جزءاً من المبنى إلى حد ما. وضمن هذا الإطار الوظيفي صورة في أعمال مايكل انجلو التي نفذها في مقابر آل مديتشي في فلورنسا وأيضا في أعمال برنيني في كنيسة سان بيتر في روما لو أردنا مثالا يوضح هذا المفهوم. لكن الأمر أخذ في التغير مع حلول أواسط القرن التاسع عشر حيث اخذ النحت يقتصر على افاريز المباني والعمارات باعتباره عنصرا زخرفيا أكثر منه عنصرا أساسيا له دور رئيسي في إبراز الفكرة المعمارية في التصميم. ورغم ذلك فقد احتفظت تلك العناصر بقدرتها على شد الانتباه وظلت قادرة على فرض وجودها الكلي لتستوقف المشاهد لتأملها والتمعن فيها. وأخذت المسارح والمنتزهات والقاعات والميادين تضم الكثير من المنحوتات باعتبارها ضرورة جمالية يصعب الاستغناء عنها. أما في العصر الحديث فقد تغير الأمر تماما فأصبح النحت يعتمد إلى حد بعيد . خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة للتصوير على تلبية رغبات واحتياجات الغير ويمكن القول أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر فنادرا ما تم تنفيذ عمل نحتي لغرض خلاف ذلك. ولعل الاستثناء الوحيد يتمثل في تلك الدراسات لبعض الأعمال الكبرى أو الأعمال التي تنجز لتعرض كنماذج تغري البعض للتوصية على عمل منحوتة على نمطها. وكان من نتيجة ذلك أن أصبح النحاتون. أكثر من الرسامين. مرغمين على العمل لتلبية مطالب وتواصي الأشخاص أو المؤسسات الراغبة في المنحوتات ويكون ذلك وفقاً للمعايير والمفاهيم الفنية لتلك الجهات وليس وفقا لرؤية الفنان أو مفاهيمه الفنية الخاصة. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن (على الأغلب) اتسمت تلك الطلبات والاحتياجات باتجاهها إلى الأعمال المنفذة بأسلوب يغلب عليه الاتجاه الكلاسيكي بشكل أو بآخر. وعليه فإن من السهل علينا أن نستنتج السباب التي جعلت النحت ينحو نحو الاتجاه المحافظ.
ولكن كان من الصعب على الرسامين التأثيريين الاستمرار آنئذ في رسم صور زيتية بأساليب ثورية وفي نفس الوقت لا يقبل أحد على شرائها، فالأمر كان أكثر صعوبة بالنسبة للنحاتين. ومع ذلك فقد شهدت أواخر القرن التاسع عشر ثورة في النحت لا تقل في أهميتها وتأثيرها عن تلك التي أطلقها التأثيريون في مجال التصوير الزيتي.
والمفجر الحقيقي لتلك الثورة كان رجل واحد. ولكنه واحد من اعظم النحاتين في تاريخ الفن الغربي بعد دوناتيللو ومايكل انجلو وبرنيني. ونعني بذلك النحات العظيم رودان (1840-1917) وسيكون أمرا طبيعيا أن تقارن تأثير رودان كنحات بأثر التأثيريين في التصوير مع أنه بروحه لم يكن تأثيريا على الإطلاق، ولكنه اتفق معهم في نظرتهم إلى الفن آنئذ من انه اصبح هزيلا. خاصة الفن الرسمي العادي. وان النحت بالذات قد اعتراه والذبول كونه أصبح يقوم على تكرار الأعمال الممجوجة لعصر النهضة ويدور في فلك أفكارها.
وحين كان منكبا على إنجاز أحد أشهر أعماله وهو تمثال "مواطنو مدينة كالاس" كتب إلى عمدة المدينة معلقا على التمثال قائلا أنه سيتضمن ما يمكن أن يكون حسيناً وتطويرا نحو الأفضل، لأن التماثيل والنصب المقامة في مختلف المدن تكاد تكون هي نفسها باستثناء بعض الاختلافات بالزيادة أو النقصان في بعض التفاصيل. ونخرج من ذلك أنه كان يرفض النمطية في الأعمال الفارغة التي ينفذها معاصروه من الأكاديميين المتأثرين بالنحاتين التاريخيين، باعتبارهم أساتذتهم ومعلميهم، رغم أنه نفسه كان متأثرا جدا بنفس أولئك الأساتذة حيث لا مجال للشك بأن جذوره الفنية كانت ضاربة في روائع النحت اليوناني ونحت عصر النهضة.
ورغم أن رودان لم يلتحق بمدرسة رسمية للفنون. وتلقى تدريباته الأولية في مدرسة للصنا يع والحروف وهي مدرسة "بتايت" إلا أن سر تميزه كمدرسة قائمة بذاتها يكمن في قدرته المهلة على التشكيل كنحات مشكل، والمعرف إن هناك أسلوبان أساسيان في النحت بصورته التقليدية وهما الحفر والتشكيل. فبالحفر يعالج الفنان خامته من الحجر أو الخشب أو غيره عن طريق إزالة الأجزاء الزائدة من الخامة. فالصورة بالنسبة إليه موجودة داخل كتلة الخامة وهو يراها طيلة الوقت بعين خياله ودوره أن يعمل على إظهارها وإطلاقها من معقلها. فهي واضحة في ذهن من يباشر العمل. ومن هنا فعمله لا يحتمل أي خطأ جسيم يمكن أن يشوه تلك الصورة. أما النحت بأسلوب التشكيل فأمره عكس ذلك تماما إذ نرى المثال هنا يبني ويضيف ليصل إلى الشكل المطلوب عن طريق خامات طيعة مرنة هي في العادة الصلصال أو الشمع. وخلال كل مراحل العمل يكون التمثال قابلا للتعديل أو التغيير، وليس هناك أخطاء جسيمة لأن أي جزء يمكن إزالته وإعادة تشكيله، ولذلك فإنه بالنسبة للمشكل (مثال الطين). فالفكرة يمكن أن تتبلور أثناء العمل. لأن الخامة تستجيب فورا للمسات الفنان ويداه التي تعتبر أكثر أدواته حساسية تعمل مباشرة لتجسدها ما في ذهنه.
وما من شك بأن رودان واحد من أعظم ، وبعضهم يقول بل هو الأعظم. المثالين في تاريخ النحت. فالطين بالنسبة له يعتبر امتداد للتصور القائم في ذهنه. وكانت لمسته واثقة إلى حد أن الشكل النابض بالحياة كان يبدو وكأنه يتدفق من ذهنه منسابا عبر أصابعه التي تعالج الطين. ورغم إن هذه الميزة والقدرة فيه كانت كافية لتصنيفه في مصاف العظام إلا أن إسهامه في وضع مفاهيم الجمال الحديث يحتل منزلة أكثر عظمة وأهمية.
فلقد كانت الدارج آنذاك لا يخرج عن كونه أعمالا إيضاحية تمثل نماذج معروفة ومتعارف عليها وميادين المدن وساحاتها كانت مليئة بمجسمات ذات أوضاع بطولية كلها متماثلة وعلى نفس الوتيرة. فجاء رودان واستطاع بقدرة مذهلة أن يضفي على تماثيله واقعية شديدة الإقناع. وعمله الضخم الأول " عصر البرونز" آثار اعــتقادا بأنه قد صبه على نموذج حي . وهذه الواقعية استكملت عظمتها في الاختيار المناسب لاسم العمل وهو "عصر البرونز" لأن الرمزية فيه كانت واضحة تماما وتوحي بيقظة الإنسانية في ثوب الشباب الكامل.
ورغم ذلك فلم يكن رودان مجرد نحات واقعي فقط بل حاول أيضا أن يعبر عن المضمون العاطفي مستخدما الشكل البشري لإبراز الأمل والألم لدى الإنسان محدثا ثورة في تغيير أسس المفاهيم الجمالية في النحت الحديث. وفي تمثاليه "مواطنو مدينة كالاس" و "بلزاك" اللذين ربما كانا أعظم أعماله يقدم نماذج غير عادية لما يجب أن تكون عليه تماثل الميادين العامة إذ أرسى من خلالها قواعد جديدة في كيفية التفكير بالعمل النحتي.
أما معاصره ادوار ديما (1834-1917) فقد عرف بأنه أحد رسامي مدرسة ما بعد التأثرية ولكنه قام بعدة منحوتات في وقت لاحق من حياته ومنها تمثال "الراقصة الشابة" الذي نفذه عام 1879 بواقعية مذهلة ولكنها تميزت باختراق سيكولوجي ظاهر تجلى في تعبير تلك الصبية الشريدة ذات الأربعة عشر عاما يسكنها الخوف وتبحث عن الأمان جعل العمل شديد التأثير العاطفي ويتجاوز كونه قطعة فنية للمشاهدة فقط. وكل دراسات ديا على مواضيعه المفضلة الراقصات، النساء المستحمات، الخيول، تظهر بوضوح براعته الفائقة في التشكيل الذي يتدعم بتعاطفه وتفهمه الواضح لتلك المواضيع.
وهناك معاصر آخر لرودان هو"ميداردو روس" (1858-1938) وهو إيطالي عمل في باريس خلال ثمانينات القرن الماضي تميز بالاتجاه التأثيري أكثر من رودان كان نحاتا مشكلا مستخدما الشمع في غالب الأحيان. استلهم مواضيعه من الصور الحياتية اليومية التي توحي بالشكل أكثر مما تخلقه.
سطوح تشكيلاته لم تكن مستوية فبدا وكأنه يحاول أن يشكل الضوء ذاته. وأهميته تكمن في أنه يوحي بتفكيك أو تحليل عناصر الأجسام. وهو أسلوب جديد يتيح حرية أكبر في معالجة الشكل إلا انه يعتمد على الملاحظة الشديدة.
كان هناك العديد من النحاتين الذين انتهجوا نهج الحركات الجديدة للفن الحديث في أوائل هذا القرن.وأحيانا ما كانوا هو أنفسهم رواد هذه الحركات وغالبا ما كانوا نحاتين ورسامين معا. فبوتشيني مثلا كان أشهر المبدعين في حركة "المستقبلية". وعملاه "أشكال فريدة في الفضاء و"تطور زجاجة في الفضاء" تعتبر من أهم الأعمال في الحركة إن لم تكن ضمن اعظم منحوتات القرن. ونذكر أيضا بيكاسو وماتيس اللذين عملا منحوتات مهمة جدا. حتى النحاتين الذين لم يتقيدوا بمدرسة معينة إلا أن يكون الأمر استجابة لحالات مزاجية خاصة كان منهم بعض البارزين الذين رغم انفصالهم تماما عن أي من المدارس المتسمة بالمعاصرة إلا انهم أسهموا بشكل كبير في خلق المفاهيم الجمالية الحديثة. في ذلك الوقت. كما هو الأمر في الوقت الحاضر أيضا.كانت الحاجة مازالت قائمة لتخليد الشخصيات البارزة من سياسيين وجنود أدباء.. الخ بأعمال نحتية. لكن هذا النوع من النحت رغم أنه موجود في كل العصور إلا انه لا يحتل موقعا مهما في التاريخ العام للفن الحديث لأنه نشاط عام ولا يعتد به في دراسة تطور النحت.
كان لوردان تلميذ بدا وكأنه تابع مخلص لمنهج أستاذه وأنه سيكمل رسالته موصلا إياها إلى آفاق أرحب ومجالات أوسع إلا انه لم يحتفظ بذلك الاتجاه بل مال عنه بتأثير الاغراءات المادية التي وفرتها له الطلبات الخاصة والتي كانت كلها وفقاً للمنهج الأكاديمي كان ذلك الفنان هو اميل انطوان بورديللي (1861-1929). أما ميلول(1861-1949) فهو أيضا أحد تلاميذ رودان الذي بدأ حياته الفنية كرسام منتم إلى الحركة النابية ثم اتجه إلى النحت حين شارف على الأربعين من عمره عقب عملية جراحية أجراها لإحدى عينيه. وفي هذا المجال استقر على أسلوب واحد وموضوع قلما تغير وهو الإناث العاريات في أشكال مبسطة وأوضاع محددة بانحناءات واستدارات جميلة رشيقة تذكرنا بموديلات رينوا. ويمكن القول أن كل أعماله الفنية تندرج ضمن هذا القالب : أشكال مبسطة وأوضاع محددة متفقة غالبا في الإيماءات مع تباين طفيف، كل ذلك من خلال تأثر واضح بالنحت اليوناني. إلا أن بصمته كانت واضحة في أيجاد أسلوب في النحت خلا من الرشاقة والإثارة الدرامية المميزة لأسلوب رودان فبدا وكأنه كلاسيكية حديثة احتفظت بمقوماتها الكلاسيكية وعنصر الحداثة فيها هو الإحساس الكامن بها.
وهناك أيضا المثال رايموند دوتشامب (1876-1918) ذو الموهبة الفنية والذي سرعان ما تحول من المدرسة الأكاديمية إلى الأشكال المبسطة التي توحي بالتحليل التكعيبي. وقد تميزت مجموعة أعماله النحتية الموسومة" الحصان" بأنها جمعت بين قوة الحيوان وقوة الآلة.
أما الإيطالي اميديو مودلياني (1884-1920) فكان ذا موهبة نادرة، كان رساما ونحاتا متميزا بأسلوب متفرد. ولكنه كان يوهيميا في حياته منغمسا في الملذات رغم إصابته بالسل. وكان وسيم الشكل وزئر نساء ومدمن مكيفات. وكثيرا ما ردد بأنه سيظل يشرب حتى الموت وحقق ذلك فعلا. اعتبر نفسه أفضل فناني إيطاليا. وكان يقول بأنه نحات في المقام الأول رغم أن لوحاته الزيتية. وخاصة تلك التي تناول فيها النساء العاريات. تأتي في مقدمة أعماله التي اشتهر بها. وقد بدأ واضحاً أنه تأثر بفنون نحت العصور الوسطى وعصر النهضة وكذلك بالفن الأفريقي. ذلك رغم أن الرؤوس المبسطة والاستطالات التي هي عليها لا توحي بارتباطها بعصر محدد بقدر ما هي ضاربة في أعماق التصورات البدائية الموغلة في القدم.
وصداقته مع برانكوزي (1876-1957) وهو فنان روماني كان يقيم في باريس. أثارت شكوكا بأنه في بداياته قد تأثر ببرانكوزي فهناك بالفعل صور من التشابه قائمة. وقد تطور برانكوزي ليصبح أحد أهم شخصيات النحت في القرن العشرين، والمؤثر الأساسي في أحد اتجاهاته المميزة وهو الاتجاه المستمر نحو التجريد. وقد اختلفت الآراء فيما يخص التجريد. إذ رأى البعض أن ليس هناك ما يسمى بفن تجريدي حقيقي. وأن ما يمكن أن يقال في أعمال برانكوزي أنها تنتمي بشكل رئيسي إلى التجريد أكثر من كونها تجريد حقيقي صرف.
ومع ذلك فهو يصقل الأشكال ويهذبها ويحورها برؤية تجريدية مع احتفاظها بكل العلاقات المرتبطة بالموضوع الأصلي. وفي منحوتته " السمك" و"طائر في الفضاء" نرى أن الروح والإحساس والفكرة قد تم اختصارها جميعا وتقليصها إلى شكل موحد بسيط. هذا الاهتمام باستبعاد وإزالة كل العناصر الخارجة عن جوهر الموضوع مع الإصرار على رفض استخدام أي منها كرمز هو أكثر ما يميز برانكوزي عن رودان الذي كثيرا ما أبدى إعجابه الواضح بقدرات ومواهب برانكوزي وحاول كثيرا أن يلحقه به كمساعد له ولكنه لم يوفق إلى ذلك بسبب ميل برانكوزي الشديد إلى الاستقلالية والتفكير الفردي الطليق. وفي سعيه فقد المتواصل لتحقيق الكمال في السطوح فقد استعان بالكثير من التكنولوجيا مع الكثير من الجهد الشاق.
فكان لا يكف عن العمل ويستخدم وسائل تكنولوجية كي يصل إلى الشكل والملمس المطلوبين وقد قال جاك ليتش النحات التكعيبي المعروف الذي كان مرسمه ملاصقاً لمرسم برانكوزي بأنه قادراً على سماع الصوت الناتج عن عملية الصقل بشكل يكاد يكون مستمراً. وعملية الصقل هذه يرى برانكوزي أنها ضرورة أساسية تستلزمها الأشكال المطلقة في حالة استخدام خامات معينة. وهذا الإغراق في اللجوء إلى الصقل والملمس في النعومة حتى ليبدو في العمل في النهاية وكأنه صنع آلة، يوحي بأن هناك شكل نهائي مطلق يسعى الفنان دون كلل للتوصل إليه من خلال عملية التقليص والصقل وهي وجهة نظر تشكل إحدى السمات الجمالية للنحت في القرن العشرين.
وهذا يعني أن الأمر ليس مجرد إزالة أو تخلص من بعض المظاهر الزائدة ولكنها إيمان مسبق بالصورة النهائية البسيطة كهدف بحد ذاته يبعث التوصل إليه في نفس الفنان مقدارا من الراحة أكثر بكثير مما يبدو لنا. فالبيضة يمكن أن نرى فيها معنى يشير إلى بداية العالم أو إلى الأمومة أو الحياة التي لم تتحقق بعد أو أي معنى آخر من هذه المعاني المتضاربة وهي فلسفة عبر عنها أحدهم ببساطة تبدو وكأنها لغز حين قال "كلما قل ازداد"، وأصبحت هذه الفلسفة عقيدة وقناعة تفصح عن نفسها من خلال أعمال لا شيء واضح فيها سوى اسمها حتى الغرف التي توضع فيها تكون خالية من أي شيء ولا يملؤها إلا الفراغ.
وبطبيعة الحال فهذا لا ينطبق على برانكوزي. بل إن الأمر معه على عكس ذلك تماما. فعملية الصقل لديه المثيرة للعواطف والأحاسيس مقصودة وتستهدف والإيضاح وإبراز الجانب المناقض للغموض والغرابة. واختياره للخامات المستخدمة يعتمد على مدى ملاءمتها للموضوع والصورة النهائية التي يحرص على الإبقاء على ارتباطها الوثيق بالشكل الأصلي للموضوع. ذلك رغم أنه في بعض الأحيان يلجأ إلى تكرار الموضوع بخامات مختلفة.
ومكانة برانكوزي في تطور النحت الحديث ليست موضع نقاش أو جدل. وعقب وفاته عام 1957 اتخذ النحت مساراً جديداً حيث اتجه إلى التجريدية المبسطة ذات الفراغات الزخرفية. وهناك أيضا النحات السويسري المولد "البرتو جياكوميتي" (1901-1966) الذي اتخذ من باريس مقراً لعمله منذ عام 1927 وبقي فيها حتى وفاته. تميز هذا الفنان بأسلوب شديد التفرد وحظي بشهرة واسعة. اتجه إلى السريالية في مرحلتها المبكرة ثم هجرها إلى أسلوب آخر يتميز بتقليص الأشكال إلى حد جعلها تبدو كالعصا بسطوح خشنة نافرة ولكنها تنضخ بأحاسيس طاغية بالعزلة الإنسانية الشديدة.
ورغم أنه في أشكاله يبقى فقط على العناصر الأساسية للموضوع حتى ليذكرنا بأسلوب برانكوزي إلا أنه يختلف عنه في خشونة سطح الأعمال وافتقارها إلى الشكل الصريح المحدد. ولكنها في النهاية تثير في النفس الكثير من الأحاسيس والشجون. وأعماله النحتية في جملتها تتضمن تكراراً يبدو وكأنه تكرار قسري يفرض نفسه. عليه مما يجعل تأثيرها الكلي أقل من ذلك الذي تشيعه رسوماته ولوحاته التي تنطوي على الكثير من العناصر المثيرة لمشاعر الرثاء والشفقة والقوة معاً. وإذا ما تطرقنا إلى النحت عند ماتيس نجد أنه بدأ في ممارسة هذا الفن منذ عام 1900 تقريبا. وإذا كان من الممتع حقا أن نتأمل في أعمال ماتيس النحتية كامتداد للمدرسة الوحشية في التوصيل التي كان رائدها. فإن هذا الأمر على ما يحمل من صدق إلا أنه يمكن القول أيضا أن تأثره الأساسي في البدء كان بالفنان رودان.
وتمثاله الأول "الصبر" الذي يصور رجلا واقفا عاريا يشير بوضوح إلى علاقته بتماثيل رودان "الرجل الماشي" و"البابا يوحنا" وبأحد الشخوص في تمثال "مواطنو مدينة كالاس" رغم أن مثل هذه العلاقة لا نرى لها أثراً في المراحل التالية حيث مال إلى التجريد ولكن على نهج مغاير لما كان عليه نهج برانكوزي وجياكوميتي.
وأثر ماتيس في التطوير يبدو واضحا من خلال التماثيل البرونزية الأربعة التي أنجزها خلال الفترة من عام 1909 وحتى عان 1930. وهى تمثل ظهر فتاة عارية بتفاصيل شديدة الوضوح والبروز والتمثال الأول من هذه السلسلة يشير إلى إن في ذلك الوقت كان لا زال متأثرا برودان. وتميز التمثالان الثاني والثالث بتداخلات تحليلية في الأشكال أظهرت بوضوح مدى فهمه واستيعابه الكامل للمذهب التكعيبي رغم أنه لم يكن تكعيبيا على الإطلاق. أما العمل الرابع والأخير فقد كان مزيجاً متناغماً ومؤتلفا من البساطة والضخامة معا، في تشكيلات مترابطة تقدم لنا نموذجا لما يجب أن يكون عليه فن النحت في المقام الأول. ولا شك بأن امتلاك مثل هذه القدرة وهذا التمكن الكثير من الكفاح الصادق والعمل المتواصل. وربما كان ماتيس قد توقع الأسلوب الذي سيأخذه النحت على يده عندما قابل رودان لأول مرة غير أنه في المراحل التالية نرك التفاصيل التي تهدف إلى الشرح ومال إلى أسلوب الدمج الذي ينبض بالحياة والإيحاء.
| |
|