(3)
وحين تذللت العقبة الأولى، وسافرت إلى القاهرة، عانت الأمرين لتلتقي محمد عبد الوهاب ومن دون جدوى، ففي كل مرة كان يقال لها إن الأستاذ في الحمام أو نايم أو غير موجود وهكذا أصيبت بخيبة أمل بعد ثلاثة أسابيع من المحاولات اليائسة. وعادت إلى بيروت مثقلة بالحزن. لكن اليأس لم يراودها لحظة، فجاءت الفرصة لكي تلتقي عبد الوهاب في دمشق حيث كانت متزوجة من مختار العابد وتقضي وقتها بين بيروت ودمشق.
ففي أيام الوحدة بين سوريا ومصر، وصل وفد كبير من مصر لإحياء حفل "أضواء المدينة" من دمشق. كان الراحل يقضي معظم بعد الظهر في صالون فندق "قطان"، فكانت فرصة عظيمة لفايزة أن تراه من دون موعد مسبق في ذلك الوقت، فما كان منها إلا أن ركضت نحو مقعده بسرعة خارقة ورمت بنفسها بين يديه، أمسكت بساقه ودموعها تنهمر، قالت:
ـ أستاذ عبد الوهاب، أنت أملي، أنت كل شيء في حياتي. أنت اللي ممكن تعمل كل شيء في حياتي والناس مش عايزين يوصلوني إليك...أنا بترجاك.. أبوس إيدك..
وبات عبد الوهاب لا يدري ماذا يفعل. يطبطب على كتف المرأة التي تبكي، والتي فشل أحد في أن يعرف من هي ولماذا تفعل ذلك، فقد كانت دموعها تغرق وجهها.. وطلب منها عبد الوهاب أن تهدأ وسألها عن اسمها، قالت: أنا المطربة .. فايزة أحمد.
طلب لها فنجان قهوة وقال لها:
ـ ودلوقت ياستي، إيه حكايتك بالضبط؟
روت له فايزة حكايتها كاملة وذهابها إلى مصر لكي تلقاه، ووو...ومن دون طلب منه أسمعته صوتها، وقال لها:
ـ شوفي يا فايزة إنت صوتك حلو بدون شك، وأنا مستعد أعمل لك لحن، بس طبعاً مش دلوقت.
أنا عارفة ذلك لكن متى تعدني بأن تلحن لي؟
ـ حين أعود إلى القاهرة بإذن الله. سأنتقي كلاماً جيداً وألحنه لك خصيصاً.
في القاهرة مستحيل. لقد جئت وحاولت الاتصال بك طوال شهر دون جدوى فأنت أما خارج البيت أو في الحمّام.
ضحك عبد الوهاب وقال لها:
ـ هذا لأني لم أكن أعرفك ولم أسمع صوتك من قبل. الآن سمعتك وعرفتك وأعجبت بصوتك. وعلى العموم سأعطيك هذه البطاقة وهي جواز مرور للدخول إلى بيتي وحين تقدمينها للبواب سيسمح لك بالدخول. ولن يقول لك الأستاذ في الحمام.
أخذت فايزة البطاقة وقبلتها، وما برحت أحلام الشهرة تراودها حتى تزوجت من عازف الكمان المصري عبد الفتاح خيري، في الفترة نفسها التي كان مقرراً زواجها من مختار العابد.
وتعترف فايزة: عبد الفتاح قدمها في الأوساط الفنية في القاهرة وبخاصة الإذاعة والملحنين، وبأنه خدمها في هذا المجال بشكل فعال.
وحول شعورها بالاضطهاد والمحاربة الذي كان يشاع عنها قالت: أنا لا أحس باضطهاد ولا حاجة لأن الذي يحس بالاضطهاد فنان يعاني من الفشل وأنا الحمد لله في القمة، وربنا يعطيني أكثر مما أستحق. ولا يهمني الناس الذين يشيعون عني أخباراً كهذه، وإنما يهمني الناس الذين يتابعونني في أعمالي ويعجبون بي.
ولطالما عبّرت عن رأيها بصراحة حول السؤال المطروح بشكل دائم وهو: من هي خليفة أم كلثوم فتقول:
ـ نحن لا نريد خليفة لأم كلثوم، ذلك أنها كانت نسقاً خاصاً. وما حدث بعد وفاتها إن الأصوات الجيّدة استمرت والأصوات الرديئة تراجعت. والناس تقدّر عادة الفنان الذي لا يقصّر في عمله. ومن هنا نلمح وراء ميكروفون الغناء وجود أصوات يستحسنها الناس سواء في مجال الأغنية الطويلة أو مجال الأغنية القصيرة.
وعن نفسها تقول:
ـ أنا بطبعي قنوعة. أحب الناس البسطاء وأرتاح إليهم. ولا أحب المجتمعات الأرستقراطية لأنني لا أحب النفاق. ولست ميالة إلى السهر في الملاهي، كما أنني لا أستسيغ السفر.
وأجد سعادتي في العيش مع أناس بسطاء مثلي. وأحس أن ربنا يسعدني ما دام لدي الطموح. لقد عرفت طعم النجاح والفشل، ولو لم أفشل وأكافح لما عرفت النجاح.
زيجاتها
تزوجت فايزة أحمد من عمر نعامي، المنولوجيست المعروف في أواخر الأربعينات. وكانت حينذاك في بداية مشوارها الفني. تم التعارف بينهما على باب الإذاعة اللبنانية حين جاءت فايزة عام 1946 تطلب منه ومن الراحل محيي الدين سلام مساعدتها على قبولها عضواً في كورس الإذاعة. وقُبلت شرط تكثيف التمارين على يد عمر نعامي، وتطورت العلاقة وحدث ارتباط مصلحة لفائدة الاثنين معاً. دفعها نعامي إلى العمل في الملاهي فنالت الكثير من الإقبال، وبدأت طريق الشهرة، لتدبّ الغيرة في قلب الزوج من نجاحاتها وصعود نجمها. بخاصة بوجود من كان يحرضها على التوجه إلى القاهرة حيث كبار الملحنين. أنجبت منه فريال، زوجة أحمد نجل رياض السنباطي.
تزوجت عبد الفتاح خيري عازف الكمان المعروف في الفرقة الماسية، وكان مسالماً ، هادئ الطباع لا يحب الدخول في معارك ومشاحنات، وهذا الهدوء هو ما كان ينقص حياة فايزة أحمد فتم الانفصال. وكانت قبل خيري على معرفة بمختار العابد، النقيب في الجيش السوري، ورغم الاتفاق على الزواج، إلا أنها وبشكل فجائي تزوجت بخيري في دمشق بعد أسبوع من لقائها به، إذ وجدت فيه الرجل الفنان الذي سيساعدها في التواجد والانتشار في الساحة المصرية. أما زواجها من مختار فجاء بعد طلاقها من خيري في القاهرة، بعد أن ترك الجيش للتفرغ لأعمالها الفنية، وفي القاهرة أنجبا أكرم وأماني. إلا أن الزواج لم يستمر.
أما أعزّ الأزواج لديها فكان محمد سلطان إذ استمر زواجهما ما يقارب السبعة عشر عاماً رغم طلاقهما ثلاث مرات، وعادت إليه قبل وفاتها بأشهر وعلى يد ولديهما طارق وعمرو.
وكان طامة أزواجها، ضابط البوليس الشاب عادل عبد الرحمن، الذي كان يصغرها بعشرين عاماً. ويقال إنها تزوجت منه نكاية بمحمد سلطان. فكان زواجها منه بمثابة كارثة ألحقت بها أضراراً بالغة، نفسية وجسدية.
(غداً حلقة ثانية)
رصيدها الغنائي 230 أغنية
حسب الإحصاءات غير الرسمية فإن الراحلة تركت 230 أغنية، هذا إذا أضفنا إلى هذا العدد أغنيات سجلتها في العراق إبان الخمسينات، قبل توجهها إلى مصر، لا نعرف عددها بالضبط لكننا بالصدفة، وبصفة شخصية عثرنا على أربع أغنيات بصوتها، باللهجة العراقية المحلية، من أعمال الملحن المعروف رضا علي، والأغنيات من إنتاج شركة "جقماقجي" أقدم شركة أسطوانات في العراق.
غنت فايزة لغالبية الملحنين المعروفين في وقتها، في العالم العربي، لكن:
ـ محمد سلطان كان له النصيب الأكبر بحكم زواجهما الذي دام 18 عاماً، كان حصيلته 140 لحناً، من أبرزها:
"جيالك"، "الأيام"، "العيون الكواحل"، "اعتراف"، "أحلى طريق"، "نقطة الضعف"، "علمتني الدنيا"، "أيوه تعبني هواك" وغيرها.
ـ ويأتي محمد الموجي في المرتبة الثانية بعد سلطان إذ غنت له "أنا قلبي إليك ميال"، "يامّا القمر ع الباب"، "بيت العزّ"، "إلهي يحرسك من العين"، "من الباب للشباك"، "حيران"، غلطة واحدة" وغيرها.
ـ أما بليغ حمدي فغنت له 12 لحناً منها: "ما تحبنيش بالشكل ده"، "مسادك علموك"، "رجعني لقلبك"، "كفاية"، "موال القمر"، "توهوني"، "ما تشغلنيش"، "وأخيراً حبيبي يا متغرب" وغيرها.
ـ ولحن لها عبد العظيم محمد 11 أغنية: "يا ربيع الحياة"، "بكره تندم"، "مش كفاية"، "ثلاث أيام"، "خسارة دمع العين"، "دوبني دوب يا هوا"، "اشتقت لك"، "عيد سعيد" وأخرى.
ـ وكان محمد عبد الوهاب قدم لها عشرة ألحان من أبرزها: ست الحبايب"، "حمال الأسية"، "بريئة"، "حبيبي يا خويا"، "تراهني"، "بصراحة"، "تهجرني بحكاية" وآخرها "وقدرت تهجر".
ـ ورياض السنباطي الذي ختمت حياتها مع أغنيته "لا يا روح قلبي أنا" غنت له 8 ألحان منها "الغريب والحبيب"، "يا أكرم من حكم"، "سريق الحب"، "بعيوني حا راعيه"، "يللي ما لكش غالي"، "عايزني أقولك إيه"، و"راية العرب".
وغنت ست أغنيات لعبد المنعم الحريري منها "تمللي"، "أوعى تنسى"، "حادي بادي"، "أغلى الأحبة". ومن فؤاد حلمي خمسة ألحان: "بتسأل ليه عليّ"، "من قلبي"، "آه ياني"، "أيها الغائب عن عيني"، و"حلفتك".
ومن زكريا أحمد خمسة: "من يوم ما عرفت الحب"، "شكوت إليه الجوى"، "أمرك يا مالكني"، "سكن الليل"، و"إمسحوا عن ناظري".
وثلاثة ألحان من كمال الطويل: "ياما قلبي قال لي لأ"، "تنساني" و "أقوله إيه".
ولفريد الأطرش : "يا حلاوتك يا جمالك"، و "يسألوني". منير مراد: "باغير عليه" و"شغلوني عيونك". محمود الشريف: "قول يا عذول"، "يا ليل كفاية". سيد مكاوي: "يانسيم الفجر"، "مش كتير على قلبي". أحمد صدقي: "حلو يللي ماشي"، "خايف على قلبي". حلمي بكر: "الله ع الشعب"، "موكب فرح".
وقدّم لها بعض الملحنين أغنية واحدة: حسين جنيد "إيه يا غريب". محمود كامل "يا لولي يا غالي". أمين عبد الحميد "ساعات وساعات". يوسف شوقي "عشر مرات". حلمي أمين "الزوج". عطية شرارة "مين اللي غير قلبك". محمد محسن "شفتك حبيتك"، وآخرين.