في حوارأدبي مع الكاتب المغربي محمد سعيد الريحاني " أُريدُ أَن أَقول رَأيي وَأُحرر خَيالي وَأفسح المَجال لعَواطفي بكتَابَة نُصُوص حَقيقية تَليق بقُراء حَقيقيينَ" - حاوره صَبيحَة شُبّر
صَبيحَة شُبّر: مَنْ هُوَ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني؟
مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: شاب مغربي عاشق للفنون السبعة ﴿العمارة، الموسيقى، الرسم، النحت، الأدب، الرقص، السينما﴾. حاول في كل مرحلة من مراحل حياته اتقان فن من الفنون التي تستهويه:
جرب في البداية الفنون التشكيلية تم التصوير فالموسيقى ولكنه أدرك مع الوقت صعوبة الجمع بينها أو إتقانها جميعا فتخصص في كل مرحلة في فن من الفنون حتى استقر اخيرا على الكتابة الإبداعية، السرد تحديدا: قصة قصيرة وقصة قصيرة جدا ورواية وسيرة داتية.
صَبيحَة شُبّر: كيف كانت البداية؟ ومن وقف بجانبك مشجعا؟ وما تأثير ذلك على حياتك الأدبية؟
مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: بداياتي الحقيقية كانت مع الفن التشكيلي الدي أحببته من خلال أختي البكر التي كانت فنانة في الخياطة والطرز كما كانت فنانة في الرسم. وقد تعلمت من هدا الفن الرائع القدرة على عدم إهمال ادق التفاصيل الصغيرة التي تصنع في النهاية الأثر والوقع الفني الكبير على المتلقي.
بموازاة مع الفن التشكيلي، كانت مهارات الحكي تختط طريقها صامتة. فقد كانت تزورنا كل زوال إحدى صديقات أمي وكانت تروي لنا بطريقتها الاخادة حكايات لا تنتهي علمت فيما بعد بأنها حكايات "ألف ليلة وليلة". وهي الحكايا التي كنت اعيد حكيها لأصدقائي من اطفال الحي واتفنن في إثارة اهتمامهم وتشويقهم قبل ان ينادي علينا آباؤنا بعد آدان العشاء للدخول للبيت.
أما الكتابة، فقد كان لأساتذة الإعدادي جميعهم الفضل في تشجيعي على الكتابة. لكن أول من انتبه إلى قدراتي على الكتابة الإبداعية كان محمد الرهوني أول أستاد لي في مادة الغة العربية في أول قسم في المرحلة الاعدادية. فلن انسى اول موضوع تخييلي اعددته في اول مادة "إنشاء" / Composition في تلك السنة الدراسية حول فصل الخريف. فلا زلت ادكر انني كتبت الموضوع في اقل من فقرة بينما بقيت "الورقة المزدوجة" شبه فارغة ففكرت في "توسيع" الفقرة اليتيمة بالاستغاثة الصور المجازية والتشبيهات البلاغية حتى شارف الموضوع على صفحتين. وعند توزيع الاوراق في الأسبوع الموالي، فوجئت بالأستاد محمد الرهوني يعلن أن أعلى نقطة في القسم كانت من نصيب ورقتي ورايت الأستاد يضع ورقتي هي السفلى ليؤجل قراءتها حتى بعد توزيع باقي الأوراق على التلاميد ليتفرغ لقراءتها وإظهار خصوصية الكتابة عندي والوقوف عند الصور والتشبيهات التي وظفتها بينما كنت أجلس مشدوها لا أصدق أن الأستاد يفتخر بي حقا ولا يستهزئ.
بعد دلك التاريخ، قررت أن يكون الخيال والبلاغة يداي اليمنى واليسرى في كل كتاباتي في مادة "الإنشاء" ولم يخب ظني في كل السنوات الموالية مع الأساتدة الآخرين. بعد دلك، بدأت أفكر في الكتابة الحرة. وبعد دلك بكثير، نضجت فكرة النشر الورقي على الدوريات الأدبية ثم كان في الاخير دخول تجربة الطبع والنشر والتوزيع بمعناه الواسع.
صَبيحَة شُبّر: كتبت القصة القصيرة والقصيرة جدا والبحث والنقد الأدبي، ايا من هذه الفنون أكثر قربا منك؟ واقرب إلى تمثيلك؟ ولماذا؟
مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: لكل منها مكانتها. فالبحث العلمي ينير لي الطريق: كتابي الأول "الاسم المغربي وإرادة التفرد" الدي اعتبر في حينه اول دراسة سيميائية للإسم الفردي العربي والصادر سنة 2001 كان بالنسبة لي أول بحث أنجزته انتصارا للحرية. فقد كانت خلاصة الكتاب في خاتمته على الصفحتين 61-62:
"لقد كان الزمن عاملا كبيرا في نمو الأسماء الشخصية وتطور تنظيمها الداخلي تماما كما كان فاعلا في المجال الخارجي الذي تحيا فيه الاسماء .فأمام التحولات الاجتماعية المتسارعة ،لم يكن أمام الاسم الشخصي سوى البحث عن توازن أمام المتغير. وهكذا، عرفت شبكة التصنيف الاسمي ، بفعل الاشتقاق والتفريع وغيرهما ، تغيرات متلاحقة كانت أهم نتائجها تقدم أسماء الهوية الفردية الخالــصة على أسماء التصنيف ، تقدم الفرد على المرجع…
وبذلك تكـون الأسـماء الحديـثـة التداول في المعجم الاسمي المغربي ثمرة إرادة في التغيير، إرادة قديمة بدأت مـع صيـغ الــتصغير الاسمي التدللي، وابتكار أسـماء إيحائـية إيجابـية، والتصرف الاسمي في أسماء الصفــات الالـهية… وهي في مجمـلـها علامات احتجـــاج ضـــد هيمنة معـجم محدود من الأسماء، وإشارات إرادة لإنتاج التجديد والتعددية والاختلاف… الاسمي".
كتاب "الاسم المغربي وإرادة التفرد" كان أول بحث أنجزته للتاسيس لانتصاراتي القادمة للحرية. وقد تلته بعد دلك "الحاءات الثلاث: انطولوجيا القصة المغربية الجديدة" التي كان لي، على مدى ثلاث سنوات 2006-2007-2008، شرف الإشراف عليها في شقيها العربي والإنجليزي ونشرها ورقيا والتعريف بها والترويج لأهدافها ول"المدرسة الحائية"، مدرسة القصة العربية الغدوية، التي انبثقت عنها...
وأعترف بأنني "نضجت" إبداعيا ونقديا من خلال هده التجربة الجميلة التي ساندني فيها خمسون كاتبة وكاتبا مغربيا وأدارت لي ظهرها المؤسسات التي تقدم نفسها ل "العوام وللبعيدين عن حرقة الإبداع" نفسها كمؤسسات ثقافية. ولعل النضج الاكبر لهدا المشروع النقدي والتنظيري والترجمي، "الحاءات الثلاث: انطولوجيا القصة المغربية الجديدة"، هو سلوكه طريقا مغايرا للطرق المعروفة غير آبه لإغراء المايكروفون وجاذبية الكاميرا وثقافة حشد الأتباع. فقد جاء في البيان الثالث لإعلان "المدرسة الحائية" مدرسة القصة العربية الغدوية المنشور رفقة باقي البيانات ضمن مواد الجزء الثالث من "الحاءات الثلاث: انطولوجيا القصة المغربية الجديدة" على الصفحة 35:
" تشتغل"المدرسة الإبداعية الأدبية" بمنطق العمل الموسوعي المفتوح/Open Encyclopedia حيث تبدأ المادة الموسوعية ب"البذرة"/Stub ثم تتوسع أفقيا وعموديا بحيث يمكن لأي مهتم إضافة وحذف ما يراه صالحا للمادة الموسوعية قيد التحرير. فلا أحد يستطيع عدَّ كتاب "المدرسة الواقعية النقدية"، ولكن، في المقابل، يمكن بسهولة بالغة عدَّ كتاب "جماعة أبولو" مادامت المجموعة أو الجماعة تجمعا صغيرا ومغلقا.
عكس النادي والجمعية والمجموعة والجماعة، تبقى "المدرسة الإبداعية الأدبية" مفتوحة على الزمان والمكان والإنسان. إنها لا تقتصر على جيل دون غيره، ولا يحصرها تحقيب ولا تحدها جغرافيا...
الفرق بين الجمعية الأدبية والمجموعة الأدبية و"المدرسة الإبداعية الأدبية" هو أن الجمعية الأدبية تسمح بإيداع طلبات العضوية على أن تحتفظ بالحق في قبول أو رفض ملفات الانضمام؛ بينما أبواب المجموعة الأدبية موصدة في وجه العموم لأنها هي التي تختار أعضاءها على أساس الفاعلية والقدرة الثابتة على العطاء؛ أما "المدرسة الإبداعية الأدبية" فلا تتلقى ملفات الانخراط ولا تختار أعضاءها ولا تقبل أحدا ولا ترفض أحدا.
"المدرسة الإبداعية الأدبية" هي أعلى أشكال التكتلات بين الأدباء. ولدلك فشروط الانتماء إليها لا تتطلب المرور عبر لجان القراءة أو غيرها من الهياكل التنظيمية. إن شَرْطَ "المدرسة الإبداعية الأدبية" الوحيد هو الالتزام بقواعدها الفلسفية والجمالية كمرجعية في "الإنتاجات" الأدبية. أي، أن غير المنتجين أدبيا ممن يهتمون بالأدب لا يمكنكهم الانتساب لمدرسة أدبية وإن كان بإمكانهم الانتساب لنادي أدبي أو مجموعة أدبية أو جماعة أدبية مثل أساتذة الأدب والإعلاميين الثقافيين والفاعلين الجمعويين في حقل الأدب وغيرهم."
أما القصة القصيرة التي راكمت منها حوالي مائة 100 نص قصصي قصير منشور ورقيا وموزع على أكثر من ستة مجاميع قصصية: "في انتظار الصباح"، "هكدا تكلمت سيدة المقام الاخضر"، "موسم الهجرة إلى أي مكان"، "وراء كل عظيم اقزام"، "موت المؤلف" و"حوار جيلين" المجموعة المشتركة مع القاص المغربي الكبير إدريس الصغير...
فيما بلغت حصة نصوصي القصصية القصيرة جدا مائة وخمسين 150 قصة قصيرة جدا، وأنا سعيد بدلك.
صَبيحَة شُبّر: ما هي الأسماء التي أضاءت مخيلتك وتأثرت بها، وما زلت تقرأ لها إلى اليوم؟
مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: تربيت "حرا طليقا" مقارنة مع أقراني في الحي. فقد كان كل فرد من أفراد عائلتي يقصد مقر عمله فيخلو لي الجو لأفعل ما أشاء وأقضي نهاري دون حسيب او رقيب لا في البيت ولا خارجه وربما انتبه أصدقائي من اطفال الحي للأمر واعتبروا دلك امتيازا. فقد كان صغار الحي من عشاق القراءة يضعون في حوزتي الكتب والمجلات التي لم يكن في استطاعتهم إدخالها على بيوتهم. وقد كان دلك تشجيعا لي على القراءة مند مرحلة الطفولة.