الفصل الثاني
التضمين
نوع من المجاز ، لأن اللفظ لم يوضع للحقيقة والمجاز معا ، والجمع بينهما مجاز خاص يعرف بالتضمين ، وهو على وجه الخصوص : أن يتضمن فعل معنى فعل آخر ، وبذلك قد ينتقل الفعل إلى أكثر من درجة ، فإن كان لازما يصبح بالتضمين متعديا ، وإن كان متعديا لمفعول به ، فإنه يتعدى بالتضمين لأكثر .
والأفعال المتضمنة معنى بعض كثيرة ، ومنها على سبيل المثال الآتي : ـ
أتمَّ : 143 ـ نحو قوله تعالى : { فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم }1 .
تعدى " أتم " بحرف الجر " إلى " لتضمنه معنى " فأدوا " .
أحب : 144 ـ نحو قوله تعالى : { فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي }2.
فـ " حب " مفعول به لأحببت ، لأنه تضمن معنى آثرت .
تخشى : 145 ـ نحو قوله تعالى : { وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه }3 .
الناس " مفعول به لتخشى ، لتضمنه معنى تستحي ، أي : وتستحي الناس والله أحق أن تستحييه .
سمع : 146 ـ نحو قوله تعالى : { وإن يقولوا تسمع لقولهم }4 .
فضمن تسمع معنى تصغي ، فتعدى لمفعوله باللام في قوله : لقولهم .
ومن الأفعال المتعدية لمفعولين عن طريق التضمين التالي :
وصَّى : نحو قوله تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا }5 .
قيل : ضمن " وصينا " معنى " ألزمنا " فتعدى لاثنين ، الثاني : إحسانا ، وقيل مصدر {6} . زوَّج : 147 ـ نحو قوله تعالى : { وزوجناهم بحور عين }7 .
ـــــــــــــــــــــــ
1 ـ 4 التوبة . 2 ـ 32 ص
3 ـ 37 الأحزاب . 4 ـ 4 المنافقون .
5 ـ 15 الأحقاف . 6 ـ البحر المحيط ج8 ص60 .
7 ـ 54 الدخان .
زوج يتعدى بنفسه إلى المفعولين ، وتعدى في الآية إلى المفعول الثاني بـ " الباء " لتضمنه معنى قرناهم {1} .
رابعا ـ تضمن بعض الأفعال معنى الظن
هناك قول يتضمن معنى الظن ، ويشترط في هذا القول أن يكون الفعل مضارعا مسبوقا باستفهام ، وأن يكون للمخاطب ، وفي هذه الحالة يمكن لفعل القول أن يعمل عمل " ظن " ، فينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر .
نحو : أتقول محمدا مسافرا ، وأتقول أخاك ناجحا .
أما إذا اختل شرط من الشروط السابقة ، وجب رفع المفعولين باعتبارهما مبتدأ وخبر ، وهما في محل نصب مقول القول .
خامسا ـ هناك أفعال تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ غير التي ذكرنا ، ومن هذه الأفعال :
آتي ـ آجر ـ بخس ـ بلّغ ـ بوأ ـ اتبع ـ جرم ـ جزى ـ حذّر ـ أحضر ـ أحل ـ أخسر ـ خوّف ـ أرهق ـ أدخل ـ زوّج ـ زاد ـ سلب ـ سمّى ـ سام ـ أصلى ـ أضل ـ أغشى ـ غشّى ـ قدّر ـ كتم ـ كلّف ـ لقّى ـ ملأ ـ منع ـ أنذر ـ أنسى ـ أنكح ـ ذرّ ـ أورث ـ أورد ـ وصّى ـ وعد ـ واعد ـ وفّى ـ ولّى ـ اختار ـ صدّق ـ وغيرها كثير {2} .
ـــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ انظر الجمل ج4 ص210 .
2 ـ انظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم القسم الثالث ج2 ص293 وما بعدها .
نماذج من الإعراب
143 ـ قال تعالى : { فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم } 4 التوبة .
فأتموا : الفاء حرف عطف ، وأتموا فعل أمر مبني على حذف النون ، والواو في محل رفع فاعل ، والجملة معطوفة على ما قبلها .
إليهم : جار ومجرور متعلقان بأتموا .
عهدهم : عهد مفعول به منصوب ، وهو مضاف ، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة .
إلى مدتهم : جار ومجرور ، ومدة مضاف ، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة ، وشبه الجملة متعلق بمحذوف في محل جر بدل من إليه .
144 ـ قال تعالى : { فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي } 32 ص .
فقال : الفاء حرف عطف ، وقال فعل ماض مبني على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقدير هو . إني : إن واسمها في محل نصب .
أحببت : فعل وفاعل ، وحب هنا متضمنة معنى آثر فيتعدى بعن ، والجملة الفعلية في محل رفع خبر إن . وإن وما بعدها في محل نصب مقول القول .
وجملة قال وما بعدها معطوفة على ما قبلها .
حب الخير : حب مفعول به للفعل أحببت ، أو مفعول مطلق ، وقيل مفعول من أجله ، وحب مضاف ، والخير مضاف إليه .
عن ذكر : جار ومجرور متعلقا بأحببت ، وذكر مضاف .
ربي : مضاف إليه ، ورب مضاف ، وياء المتكلم في محل جر بالإضافة .
وقد ذكر أحد المعربين القدامى أن " حب الخير " فيه أوجه كثيرة منها : 1 – أنه مفعول أحببت ، لأنه بمعنى آثرت ، و " عن " على هذا بمعنى " على "
2 ـ أن حب مصدر على حذف الزوائد ، والناصب له أحببت .
3 ـ أنه مصدر تشتهي ، أي : حباً مثل حب الخير .
4 ـ أنه ضمن معنى أنبأت ، فلذلك تعدى بـ " عن " .
5 ـ أن حببت بمعنى لزمت .
6 ـ أن أحببت من أحب البعير إذا سقط وبرك من الإعياء ، والمعنى قعدت عن ذكر ربي ، فيكون حب الخير على هذا مفعولاً من أجله ، وعن ذكر ربي متعلقان بأحببت ، والإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول ، أي : عن أن أذكر ربي ، أو إلى الفاعل ، والتقدير : عن أن يذكرني ربي .
145 ـ قال تعالى : { وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } 37 الأحزاب .
وتخشى : الواو للحال أو عاطفة ، تخشى فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت . الناس : مفعول به منصوب بالفتحة .
وجملة تخشى في محل نصب حال ، أو معطوفة على ما قبلها .
والله : الواو حالية أو عاطفة ، وكونها حالية أحسن ، والله مبتدأ مرفوع بالضمة .
أحق : خبر مرفوع بالضمة ، والجملة الاسمية في محل نصب حال .
أن تخشاه : أن حرف مصدري ونصب ، وتخشى فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت ، والضمير المتصل في محل نصب مفعول به ، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مؤول في محل رفع بدل اشتمال من لفظ الجلالة ، ويجوز أن يكون المصدر المؤول منصوباً على نزع الخافض متعلق بأحق ، وقال أبو البقاء يجوز أن يكون المصدر المؤول في محل رفع مبتدأ ، وأحق خبره مقدم عليه ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر لفظ الجلالة .
146 ـ قال تعالى : { وإن يقولوا تسمع لقولهم } 4 المنافقون .
وإن يقولوا : الواو حرف عطف ، وإن حرف شرط جازم لفعلين ، ويقولوا فعل
الشرط مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة في محل رفع فاعل .
تسمع : فعل مضارع مجزوم جواب الشرط ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت . لقولهم : جار ومجرور متعلقان بتسمع ، وتسمع متضمن معنى تصغي ، وقول مضاف ، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة .
وجملة إن يقولوا معطوفة على ما قبلها .
قال تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا } 15 الأحقاف .
ووصينا : الواو حرف استئناف ، ووصينا فعل وفاعل .
الإنسان : مفعول به منصوب بالفتحة ، وجملة وصينا لا محل لها من الإعراب مستأنفة مسوقة لبيان العبرة في اختلاف حال الإنسان مع أبويه .
بوالديه : جار ومجرور متعلقان بوصينا ، ووالد مضاف ، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة .
إحساناً : مفعول به أول منصوب بالفتحة على تضمين وصينا معنى ألزمنا ، ويجوز أن يكون إحساناً مفعول مطلق منصوب لفعل محذوف تقديره يحسن ، أي : وصيناه أن يحسن إليهما إحساناً ، وقيل أن إحساناً منصوب على أنه مفعول من أجله ، والتقدير : وصيناه بهما إحساناً منا إليهما .