عمانوئيل كانط: (1724-1804)
عمانوئيل كانط (Emmanuel Kant ) فيلسوف بروسي (ألماني) ولد في كنجسبرج والتحق بمعهد فريدريك الديني في العام 1732، وفي العام 1740 التحق بجامعة كنجسبيرج. درس اللاتينية والأدب في المعهد ودرس الفلسفة والرياضيات وعلوم الدين والفيزياء في الجامعة. وفي العام 1755 حصل على شهادة الماجستير وعمل مدرسا في الجامعة التي تخرج منها. بقي مدرسا مدة خمسة عشر عاما قام خلالها بتدريس العديد من المواضيع ومن ضمنها الميتافيزيقا والمنطق والرياضيات وعلم الأخلاق، وفشل في ان يصبح أستاذا حتى العام 1770 حين فرغ كرسي المنطق والميتافيزيقا وعين فيه. استمر بالعمل في الجامعة حتى العام 1796.
اصبح عضوا في مجلس الشيوخ الأكاديمي في العام 1780. وفي العام 1787 صار عضوا في الأكاديمية الملكية للعلوم في برلين.
توفي في عام 1804 ودفن في قبو الأساتذة في مقبرة الجامعة. ومن ثم أقيم له ضريح في العام 1880 ونقشت على جداره عبارته الشهيرة التي أنهى بها كتابه "نقد العقل العملي": "السماء المرصعة بالنجوم من فوقي والقانون الأخلاقي في باطن نفسي".
كان كانط ذا نزعة عقلية واهتم بالعلوم الطبيعية التجريبية، لكنه اتخذها منطلقا من أجل تكوين نظرة فلسفية شاملة للكون ولما نعرفه عنه. وقد انتقل إلى تحليل المعاني العقلية المجردة (التصورات). وكان إيمانه بقدرة العقل شديدا جدا إلى حد اعتبر معه ان إمكانية المعرفة العقلية غير محدودة.
انقسمت حياة كانط الفكرية إلى مرحلتين أطلقت عليهما أسماء المرحلة قبل النقدية، والمرحلة النقدية المرتبطة بمؤلفه "نقد العقل المحض"، والذي عمل فيه كانط على دراسة العقل البشري المجرد، أي غير المرتبط بالحس والتجربة. وقد طور كانط في هذا المؤلف مجموعة من المفاهيم التي تعبر عن مراحل المعرفة، من مثل المعطيات القبلية (apriori) الضرورية من اجل ان تتم المعرفة العلمية، مثل الحس والتجربة، والمتعالي (transcendental) السابق للتجربة ولكنه موجود في نطاق العقل، ويشكل شرطا قبليا للتجربة. وميز كانط بين العقل (Vernunft) والفكر (Verstand) الذي هو ملكة التفكير في موضوعات الحس وهو معرفة تصورية، أما العقل فهو التفكير فيما هيأه الذهن وهو ملكة المبادئ والاستدلال.
ويعمل كانط في كتابه الذي يشكل بحثا في نظرية المعرفة أو في العقل النظري (العلم والفلسفة) على بيان فساد كل من التيارين التجريبي والعقلاني. الأول لقصوره، والثاني لتجاوز حدوده.
أما المقال الذي نقرأه هنا، فهو عبارة عن إجابة عن سؤال كانت قد طرحته المجلة "البرلينية الشهرية"، ويعالج فيه كانط موضوعة قدرة الأفراد على اتخاذ القرارات المستقلة باستخدام أفكارهم ومعارفهم الخاصة دون الرجوع إلى وصاية المجتمع والدولة في بعض المجالات.
كانط: ما هو عصر الاستنارة؟
ما هو عصر الاستنارة؟ هو خروج الإنسان من حالة القصور التي يبقى هو المسؤول عن وجوده فيها. والقصور هو حالة العجز عن استخدام الفكر [عند الإنسان] خارج قيادة الآخرين. والإنسان [القاصر][1] مسؤول عن قصوره لأن العلة في ذلك ليست في غياب الفكر، وإنما في انعدام القدرة على اتخاذ القرار وفقدان الشجاعة على ممارسته، دون قيادة الآخرين. لتكن تلك الشجاعة على استخدام فكرك بنفسك: ذلك هو شعار عصر الاستنارة.
إن الخمول والجبن هما السببان اللذان يفسران وجود عدد كبير من الناس قد حررتهم الطبيعة منذ زمن بعيد من قيادة غريبة [عنهم]، لكنهم ظلوا قصّرا طوال حياتهم عن رضى منهم، حتى ليسهل على غيرهم فرض الوصاية عليهم. وما أسهل ان يبقى المرء قاصراً. فإذا كان لدي كتاب يحتل عندي مكان الفكر، وقائد يعوض الوعي فيّ، وطبيب يقرر لي برنامج تغذيتي، الخ... فلا حاجة لي في ان أحمل نفسي عناء [البحث]، ولا حاجة لي في ان أفكر ما دمت قادرا على دفع الثمن لكي يقبل الآخرون على هذه المشقة المملة.
إن الأغلبية الكبيرة من الناس [بما في ذلك الجنس اللطيف إجمالا] تعتبر تلك الخطوة نحو الرشد عظيمة الخطر، فضلا عن أنها أمر مرهق. ويساعدهم على القبول بحالة القصور هذه، أولئك الأوصياء الذين آلوا على أنفسهم ممارسة سلطة لا تطال على الإنسانية. فبعد ان أطبقوا [سجن] البلاهة على قطعانهم وعملوا على مراقبة هذه المخلوقات الهادئة مراقبة دقيقة، حتى لا تسمح لنفسها بالمجاسرة على أدنى خطوة خارج الحقل الذي حشرت فيه، أظهروا لها الخطر الذي يهددها ان هي غامرت بالخروج وحدها. لكن الخطر ليس كبيرا في حقيقة الأمر لأنها [لو أقدمت عليه] فسوف تتعلم السير، بعد عثرات قليلة. إلا ان مثل هذه الكبوات تولد الاحتراز وعادة ما يحملنا الخوف، الذي ينتج عن ذلك، على العدول عن محاولة أخرى. لذلك فإنه من العسير على أي شخص بمفرده الإفلات من حالة القصور التي كادت ان تصبح طبيعية فيه، إذ صار يرتاح إليها، غير قادر في هذه الفترة، على استخدام فكره الخاص، وقد حرم من فرصة المحاولة. فالمؤسسات والصيغ [الجامدة]، أي تلك الآلات المختصة باستعمال العقل، أو بتعبير أدق، باستعمال سيء للمواهب الطبيعية هي الجلاجل التي علقت على أرجل القاصرين، في حالة القصور التي ما زالت قائمة. وحتى إذا تخلص أحدهم من هذه الجلاجل فهو لا يستطيع القيام إلا بقفزة غير واثقة من فوق أصغر الأخاديد، لأنه لم يتعود بعد على تحريك ساقيه بحرية. لذلك فإن قلة من الناس توصلت من خلال إعمال ذهنهم الخاص[2]إلى الانعتاق من حالة القصور والقدرة على السير بخطوة ثابتة.