مؤتمر مدريد وبدء مفاوضات السلام 30 تشرين الأول 1991:
قبل العمل على مؤتمر مدريد، كان هناك العديد من المبادرات لوضع حد للنزاع الحاصل في المنطقة، ولحل سلمي للقضية الفلسطينية، وكان سبق ذلك أيضاً بدء الحوار بين الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة التحرير الفلسطينية في 16 كانون الأول 1988 في تونس وبعد عدة زيارات قام بها وزير الخارجية الأمريكية جايمس بايكر إلى دول المنطقة (مصر، سوريا، الأردن، لبنان، إسرائيل) استطاع اقناع الجميع بضرورة التفاوض المباشر لايجاد حل سلمي للنزاع العربي الإسرائيلي.
وفعلاً عقد المؤتمر في مدريد في 30 تشرين الأول وأول تشرين الثاني 1991 وبحضور جميع المدعوين وبرعاية مشتركة من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وتمثل الحضور في: رئيس الوزراء الاسباني فيليب غونزاليس، والرئيس الأمريكي جورج بوش، والرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف (آخر رئيس للاتحاد السوفياتي). وممثل المجموعة الأوروبية وزير الخارجية الهولندي هانس فان دن بروك، ووزير الخارجية المصري عمرو موسى، ورئيس الحكومة الإسرائيلية اسحق شامير، ووزير الخارجية الأردني رئيس الوفد الأردني الفلسطيني المشترك كامل أبو جابر، ورئيس الوفد الفلسطيني حيدر عبد الشافي ووزير الخارجية اللبناني فارس بويز، ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع. كما حضر في هذا المؤتمر وفد عن مجلس التعاون الخليجي، ووفد عن دول الاتحاد المغاربي. وبعد افتتاح المؤتمر كانت الكلمات لرؤساء الوفود، وبعد ذلك جرت ثماني جولات من المباحثات الثنائية، وكانتالبداية في مدريد، ثم انتقلت الوفود المتفاوضة إلى واشنطن حيث استكملت باقي الجولات.
وفي 16 كانون الأول 1992 أبعدت إسرائيل إلى جنوب لبنان 400 فلسطيني رافضة إرجاعهم إلى فلسطين، وقد رفض لبنان استقبال المبعدين، فبقي هؤلاء المبعدين بين البلدين مقيمين في خيم قدمتها لهم قوات الطوارىء. وكانت عملية الإبعاد هذه سبباً في توقف عملية المفاوضات في واشنطن لمدة أربعة أشهر.
وفي 6 أيار 1993 عاد الفلسطينيون لإجراء الجولة التاسعة من المفاوضات في واشنطن ثم عقدت الجولة العاشرة في 3 تموز 1993. وانتهت بتسليم وثيقة فلسطينية إلى وزير الخارجية الأمريكية توضح الحل الأقرب لبداية فك النزاع.
اتفاقية أوسلو ـ غزة ـ أريحا أولاً 13 أيلول 1993:
برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، عقد في واشنطن حفل توقيع اتفاقية أوسلو بين اسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية معلنين بذلك فتح صفحة جديدة في تاريخ الشرق الأوسط عندما تُصافح الرجلان أمام وكالات الأنباء العالمية.
ويمكن إيجاز أهم النقاط التي تم الاتفاق عليها بما يلي:
ـ وجود سلطة حكم ذاتي للفلسطينيين في منطقتي غزة وأريحا.
ـ تبدأ إسرائيل بسحب قواتها من قطاع غزة وأريحا في 13 كانون الأول 1993
ـ انتخابات مباشرة لتشكيل مجلس فلسطيني يحكم غزة وأريحا لمدة خمس سنوات وستنسحب القوات الإسرائيلية من كل المناطق المأهولة في الضفة الغربية خلال عامين.
ـ إثر مرور ثلاث سنوات على انتخاب المجلس الذي تطول فترته خمس سنوات ستبدأ مفاوضات لتحديد الوضع النهائي للضفة الغربية بما فيها مدينة القدس المحتلة.
قامت في وجه هذا الاتفاق عاصفة من الاجتماعات والاعتراضات في صفوف الفلسطينيين الذي رأوا أن الاتفاق ترك موضوعات كثيرة بلا حل؟ مثل: القدس واللاجئين وحق العودة، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود، والعلاقات والتعاون مع الجيران والأهم في كل ذلك قيام الدولة الفلسطينية وحق اللاجئين بالعودة إلى بلدهم فلسطين.
وبالمقابل، فإن فلسطينيون آخرون، ومع اعترافهم بنواقص الإعلان إلا أنهم وجدوا فيه إنجازات يحققها الفلسطينيون للمرة الأولى. (كاعتراف حكومة إسرائيل بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وبمطالبه العادلة).
وفي 9 أيار 1994 وقع ياسر عرفات ووزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز اتفاقاً ضُّم إلى اتفاق غزة -أريحا وتناول تحديد مساحة منطقة أريحا وبعض الترتيبات الإدارية والأمنية. كما تناول قطاع غزة من حيث المستوطنات والمنشآت العسكرية الإسرائيلية على طول حدود القطاع.
مجزرة الخليل 25 شباط 1994:
في الساعة الخامسة وعشر دقائق فجراً من يوم الجمعة الواقع في 25 شباط 1994، اقتحم باروخ غولد شتاين (طبيب يهودي أمريكي) قاعة المصلين المسلمين في الحرم الابراهيمي حيث كان نحو 800 مسلم يؤدون صلاة الفجر جماعة، وبدأ بإطلاق النار عليهم من سلاحه الناري، وقد حاول حارس المسجد الاستنجاد بالجنود الإسرائيليين إلا إنه لم يجد أحداً. وعندما كان غولد شتاين يحاول تغيير مخزن الذخيرة الخامس في بندقيته، ألقى عليه أحد المصلين قارورة الإطفاء، فيسقط على الأرض، فينهال عليه من لم يصب برصاصة من جمهور المصلين ويضربونه حتى الموت.
وفي النتيجة كان الحصيلة 53 قتيلاً مسلماً.
وعند انتشار الخبر، عمت مدينة الخليل بلبلة وفوضى عارمة، فخرجت المظاهرات وأقفلت الطرقات بالإطارات المشتعلة، واصطدم المتظاهرون بالجيش الإسرائيلي. وقد لقيت هذه المجزرة استنكاراً عالمياً.
وبعد هذه المذبحة واستجابة إلى حاجة الفلسطينيين الملحة للأمن، جرى توقيع اتفاق حول مدينة الخليل في 31 أذار 1994 بالقاهرة وذلك بإدخال قوات دولية إلى المدينة لتساهم في إرساء الاستقرار والأمن.
اتفاق القاهرة وتنفيذ الحكم الذاتي في غزة وأريحا (4 أيار 1994):
وقع هذا الاتفاق ياسر عرفات ورئيس الحكومة الإسرائيلية اسحق رابين بحضور الرئيس المصري حسني مبارك ووزير خارجية الولايات المتحدة وارن كريستوفر، ووزير خارجية روسيا أندريه كوزيريف. وقد نص الاتفاق على كيفية تطبيق اتفاق غزة أريحا. وعلى الصلاحيات المعطاة لسلطة الحكم الذاتي وإلى العديد من الأمور الأخرى التي تنظم العلاقة بين السلطة الفلسطينية، والقوات الإسرائيلية.
وفي 17 أيار 1994 أصدر الحاكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة البلاغ رقم 4 أعلن فيه حل الادارة المدنية الإسرائيلية في غزة، ونقل صلاحياتها إلى السلطة الفلسطينية. في حين استمرت الادارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية (وهو انتهاك واضح لإعلان المبادىء).
وفي 29 أيار 1994 تشكلت السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب قرار من منظمة التحرير باعتبار السلطة امتداداً لها. وهذه السلطة هي سلطة مرحلة انتقالية لا تمارس مهامها إلا بعد إجراء الانتخابات في الأراضي الفلسطينية.
وفي الأول من تموز 1994 دخل ياسر عرفات مع عدد كبير من جماعته الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد غياب طويل، وقد استقبل استقبالاً جماهيرياً حاشداً.
تشكلت أول سلطة فلسطينية في الداخل برئاسة ياسر عرفات.وفي 22 كانون الأول 1995 عين محمود عباس (أبو مازن) رئيساً للجنة المختصة للتحضير والإشراف على الانتخابات المزمع إجراؤها في 20 كانون الثاني 1996. وقد حظي موضوع الانتخابات باهتمامات واسعة في أوساط الفلسطينيين في الداخل والخارج. كما أشرف على هذه الانتخابات مراقبون دوليون، وكانت نسبة المشاركين 88,01% وانتخب ياسر عرفات بنسبة كبيرة جداً. وبالرغم من مقاطعة حركة حماس لهذه الانتخابات إلا أن خمسة من أعضاءها قد فازوا وكان من أهم الفائزين أيضاً: أحمد قريع (أبو علاء)، حنان عشراوي، محمود عباس (أبو مازن)، صائب عريقات، غسان الشكعة، حيدر عبد الشافي، رياض الزعنون، نبيل شعث....) ثم منح المجلس التشريعي الفلسطيني الثقة للحكومة التي تألفت برئاسة ياسر عرفات وكانت إسرائيل منذ بدء المفاوضات تطالب بتعديل الميثاق الوطني لمنظمة التحرير وقد تعهد عرفات بإتمام هذا الأمر في عدة مناسبات، إلى أن جاءت الدورة رقم 21 للمجلس الوطني الفلسطيني والتي خصصت لموضوع التعديل في 24 نيسان 1996.
وقد تضمن قرار التعديل فقرتين: وذلك بإلغاء المواد التي تتعارض مع رسائل الاعتراف المتبادل. ويكلف لجنة قانونية لإعادة صياغة الميثاق على هذا الأساس. وقد لقي هذا التعديل معارضة شديدة من الداخل ومن الخارج.