هل شاعرية المترجم شرط لترجمة الشعر؟
أجرى الاستطلاع: محمد الهويمل
محور لا يحتاج الا ان يفصح عن نفسه ويضعها جدارا عازلا ما بين ما كان ومايجب ان يكون (هل شاعرية المترجم شرط لترجمة الشعر؟) اننا هنا ننبش علامة الاستفهام من مدفنها بعد ان امتلأت رفوف مكتباتنا وذاكراتنا بالأسماء والنصوص والعبارات الشعرية المترِجمة والمترجمة.
الناقمون كثر والمنقوم عليهم اكثر غير ان البعض هونوا من الخطب واكدوا ضمنا على نجاح تجربة الترجمة. (ثقافة اليوم) استطلعت آراء جملة من الأكاديميين والمترجمين الذين خاضوا هذه التجربة ابداعا ونقدا حيث صوتوا إلى ضرورة الشاعرية أو الذائقة الشاعرية في الأقل للتصدي لهذه المسؤولية الجسيمة.
أول الضيوف هو الدكتور محمدد عبداللطيف الاستاذ المشارك في كلية اللغات والترجمة في جامعة الملك سعود في الرياض الذي بدت غيرته لهذا الحقل حيث افتتح مداخلته بالسؤال الأصعب ووسّطها بعرض الرأي السائد وختمها بالتأكيد على أنه لا يمكن لثقافة أن تتلبس ثقافة أخرى..
هل يمكن ترجمة الشعر؟
.. لهذا السؤال مثل غيره من الأسئلة التي تثار حول الترجمة عدة اجابات ممكنة، ويعتمد ذلك على المستوى العلمي والفلسفي الذي تتم بموجبه الاجابة عليه، فمن ناحية عملية كل ترجمة ممكنة، وأي شيء يمكن ترجمته لأنه، في المحصلة النهائية، لا يمكن منع أحد من الترجمة، كما انه لا توجد معايير موضوعية للتأكد من مستوى الترجمة، فالجميع يترجم، نثرا وشعرا، ادبا، وعلما، وفلسة كيفما اتفق وحسبما اتفق، فلا رقيب ولا حسيب.
ولكن طرح السؤال ذاته بشكل علمي فلسفي يستدعي اجابة أخرى مختلفة تماما، فهناك تساؤل عن امكانية الترجمة كونها ممارسة بين نظم مفاهيم مختلفة، وهناك من الفلاسفة والمختصين من يقول باستحالة الترجمة سواء كان ذلك ترجمة عملية، او علمية، او أدبية، ولا مجال هنا لعرض الجدل الفلسفي الذي يحيط بهذه المسألة.
وهناك من يقول بنسبية التشابه بين الترجمة والأصل وبناء على ذلك يرى امكانية الترجمة لأن الترجمة بالنسبة له تشابه الأصل في بعض الأوجه فقط، ونحن هنا نتكلم عن الترجمة بمعناها العام، ولكن القول بنسبية تشابه الأصل بالترجمة يفضي بنا الى متاهات نسبية النسبية، وصعوبة تحديد أوجه التشابه، والمعايير التي تحكمها.
والرأي السائد بين المشتغلين بالترجمة، أقول المشتغلين وليس المختصين بدراسات الترجمة، هو امكانية الترجمة في بعض المجالات اليومية، والعملية، والعلمية، وصعوبتها او استحالتها في مجالات أخرى مثل المجالات الأدبية أو الشعرية لأن لهذين الموضوعين خصوصية ثقافية وحضارية، فترجمة الأدب تتطلب حضور الثقافة الأصل بكاملها، والترجمة بهذا المعنى لابد وان تستدعي حضور الثقافة الملتقية كاملة لأن الأدب لا يترجم الا بأدب، ولذلك فهناك شبه استحالة في تطابق النسقين الثقافيين، وعليه فمجال الخيانة في الترجمة واسع جدا في المجالات الأدبية.
أما ترجمة الشعر خاصة فقد عبر عنها "روبرت فروست" بصدق عندما عرف الشعر بانه "ذلك الذي يضيع في الترجمة" اي ان الذي يضيع في ترجمة الشعر هو الشعر نفسه، فالشعر يعبر عادة عن معنى مغرق في الذاتية، معنى له جوانب ايحائية وايقاعية يستحيل نقلها من لغة لأخرى، وفي بعض أنماط الشعر الحديث يعمد بعض الشعراء الى محاولة هز أو اقلاق العلاقة التلازمية بين الألفاظ ودلالتها، او ما يسميه البنيويون "الدال" و"المدلول"، ولذلك فالمعنى الحاضر في الشعر يستدعي بالضرورة المعنى الغائب في اللغة، والترجمة لا يمكنها بأي حال من الأحوال الجمع بين المعنيين، وفي احيان اخرى فإن السر في جمال الشعر لا يكمن في المعنى أو الصورة الشعرية وانما باسلوب قولبتها والتعبير عنها التي غالبا ما تكون طريفة أو غير مألوفة وهذا ما لا يمكن الاستعاضة عنه باسلوب مشابه في اللغة المتلقية.
ولذلك فالرومانسيون كانوا يرون في اللغة تعبيراً عن روح الشعوب، ويرى الناقد "ستانلي بيرنزشو" بأن للشعر بعداً روحياً ينبع من روح الأمة وثقافتها، ولا يمكن لثقافة أن تتلبس روح ثقافة أخرى، والعرب، وهم طبعا ملوك الشعر في العالم، لأن ثقافتهم تتأصل في شعرهم، كانوا يرون في الشعر عالماً يجمع الإنس بالجن، وفي تصوري فان هناك، ربما ومع قبول بعض التعسف، امكانية لترجمة الجانب الأنسي من الشعر، غير انه من المستحيل ترجمة جانبه الجني).
الضيف الثاني هو الدكتور المترجم شهاب غانم الذي أكد على ضرورة الشاعرية مستشهدا بتجربة ترجمة رباعيات الخيام حيث تصدى لها شعراء كما أ لح على الالمام البيئي المكتنز بالاشارات..
قد تكون الترجمة مضحكة
.. ترجمة الشعر يمكن أن تكون إلى نص شعري بالشكل البيتي العمودي أو الشكل التفعيلي او يمكن ان تكون إلى نص نثري الشكل.. فاذا كانت الترجمة إلى نص شعر فلابد ان يكون المترجم شاعرا وعلى سبيل المثال رأينا العديد من ترجمات رباعيات الخيام إلى العربية في شكل شعري، وكان المترجمون شعراء أمثال أحمد الصافي النجفي وأحمد رامي وابراهيم العريض.
أما اذا كانت الترجمة الى نص نثري تكون شبيها بما يسمى قصيدة نثر فهي تحتاج الى مترجم مرهف متمكن ويستحق ان يكون شاعرا متمرسا، ويجب ألا ننسى ان الشعر يستعمل الرمز والاشارات والتلميحات وفهمه يحتاج إلى شاعر او قارىء متمرس غير متعجل والشعراء في العادة متأنون، والمترجم علاوة على ذلك يجب أن يكون عارفا معرفة جيدة باللغة التي ينقل منها ومتمكنا تماما من اللغة التي ينقل اليها، وهو في حاجة الى معرفة جيدة بالثقافة التي ينقل منها وبيئة الشاعر والفترة التاريخية التي كتبت فيها القصيدة خصوصا ان كانت هناك اشارات في القصيدة لظروف تاريخية وقد ينقل المترجم العربي قصائد من اللغة الانجليزية مثلا كتبها شعراء انجليز من القرن السادس عشر او القرن الحادي والعشرين والفرق شاسع في ثقافة وتعابير الفترتين والاهتمامات والمدارس الادبية ثم يمكن ان يترجم للشاعر الاسكوتلندي روبرت برنس فيجد الاختلاف في اللغة والثقافة كبيرا جدا عن الفترتين اعلاه. فاذا ما ترجم لشعراء امريكيين او استراليين أو هنود يكتبون بالانجليزية أو شعراء من جنوب افريقيا فعليه ان يلم ببيئة كل هؤلاء الشعراء والاشارات في شعرهم فالاختلافات شاسعة.
بل مدلول الألفاظ يتغير عبر الزمن، واذا ما وصف شكسبير حبيبته وقارنها بيوم صيفي فلأن الصيف جميل في انجلترا بينما هو قاس في الجزيرة العربية وقد تسقط الترجمة وتكون مضحكة إن لم يكن المترجم مدركا لكل ذلك).
أما الدكتورة لمياء باعشن المترجم الاستاذ المساعد في قسم اللغات الاوروبية وآدابها في جامعة التي اشترطت استدعاء الحس الزمني والثقافي واللغوي..