العبودية المختارة
أتيان دي لابواسي
فأما الآن فلست أبتغي شيئاً إلا أن أفهم كيف أمكن لهذا العدد من الناس، من البلدان، من المدن، من الأمم أن يحتملوا أحياناً طاغية واحداً لا يملك من السلطان إلا ما أعطوه ولا من القدرة على الأذى إلا بقدر احتمالهم الأذى منه، ولا كان يستطيع إنزال الشر بهم لولا إيثارهم الصبر عليه بدل مواجهته. إنه لأمر جلل حقاً وإن انتشر انتشاراً أدعى إلى الألم منه إلى العجب أن نرى الملايين من البشر يخدمون في بؤس، وقد غُلّت أعناقهم دون أن ترغمهم على ذلك قوة أكبر بل هم (فيما يبدو) قد سحرهم وأخذ بألبابهم مجرد الاسم الذي ينفرد به البعض،كان أولى بهم ألا يخشوا جبروته، فليس معه غيره، ولا أن يعشقوا صفاته فما يرون منه إلا خلوه من الإنسانية ووحشيته. إن ضعفنا نحن البشر كثيراً ما يفرض علينا طاعة القوة ونحن محتاجون إلى وضع الرجاء في الارجاء ما دمنا لا نملك دائماً أن نكون الأقوى. فلو أن أمة أجبرت بقوة الحرب على أن تخدم واحداً (مثل أثينا الطغاة الثلاثين) لما وجب الدهش لخادِمِيّتِها بل الرثاء لنازلتها، أو بالأحرى ما وجب الدهش ولا الرثاء بل الصبر على المكروه والتأهب لمستقبل أفضل.
إن من شأن طبيعتنا أن تستغرق واجبات الصداقة المشتركة بيننا قسطاً لا بأس به من مجرى حياتنا. فمن العقل محبة الفضيلة وتقدير الأعمال الجليلة وعرفان الفضل من حيث تلقيناه، والاستغناء أحياناً عن بعض ما فيه راحتنا لنزيد به شرفاً وامتيازاً من نحب ومن استحق هذا الحب.