أحمد رامي شاعر الحب والشباب
على الرغم من أن شاعر الحب والشباب أحمد رامي كما أطلق عليه ذلك النقاد والمؤرخون
يعتبر في قائمة الشعراء المحترفين من الذين كتبوا أغاني لأم كلثوم بالعامية المصرية. إلا أن بداية تعامله مع سيدة القصيدة العربية في عام , 1924.بدأ مع شعر القصبجي ، وهذه ملاحظة على جانب كبير من الأهمية ومع ذلك لم يلتفت إليها أحد غيرنا ، وبالتالي لم يعرها أحد انتباهه الحسي أو البحثي . فقد غنت أم كلثوم أولى قصائد أحمد رامي وهو متغيب عن مصر حين كان في بعثة في فرنسا ، وهي بعنوان: "الصبُّ تفضحه عيونه" من تلحين الشيخ أبو العلا محمد ، وقد امتلأت الكتب والدراسات التي تناولت علاقة أم كلثوم بأحمد رامي بالحديث عن هذه القصيدة وعن بداية التعارف بين هذين العملاقين ، وكذلك تناولها بالحديث أحمد رامي في معظم أحاديثه الصحفية وكتاباته الخاصة . وعلى الرغم من أننا اخترنا الشاعر أحمد رامي كعمدة للشعراء الذين تعاملت معهم أم كلثوم في مجال شعر العامية .. فهو لم يفقد هذه الصفة عندما كتب لها أيضاً بعض القصائد الفصيحة، ولذلك فلسوف نسوق كلمات قصيدة "الصبُّ تفضحه عيونه" .. ومن بعدها نستكمل حديث الشاعر المحترف أحمد رامي في مجال الأغنية العامية ، هذا الحديث الذي سوف يتطرق إلى نواحي كثيرة وأسرار معروفة وغير معروفة عن علاقة أم كلثوم بهذا الشاعر الكبير وبدايات تعارف هذه العملاقين الكبيرين . وتقول كلمات أول قصيدة تغنت بها سيدة القصيدة العربية للشاعر أحمد رامي موظف دار الكتب آنذاك : الصب تفضحه عيونه وتنم عن وجد شئونه إنا تكتمنا الهوى والداء أقتله دفينه
وكما سبق وأشرنا فإن هذه القصيدة قد غنتها أم كلثوم في عام 1924وهي من ألحان الشيخ أبو العلا محمد .. وسجلتها كوكب الشرق على اسطوانة جرامفون في العام نفسه ، ثم تحول أحمد رامي من بعد كتابتها وكتابة قصائد قليلة أخرى إلى العامية . وتشير الدكتورة نعمات فؤاد إلى أن سبب تحول أحمد رامي بعد كتابة هذه القصائد لأم كلثوم من الشعر الفصيح إلى الأغاني العامية ، هي أم كلثوم نفسها والتي أقنعته بالانتقال من الشعر إلى الزجل .. وفي تعليق لطيف للكاتبة فيما يخص ما ذكره رامي نفسه عن هذا التحول قالت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد (( ولا أحسب أن أم كلثوم في ذلك الوقت كانت قادرة على إقناع شاعر بتحول فني .. ولكن المسألة في تقديري أن رامي وجد فيها صوتاً واعداً وتذكر أن شوقي أمير الشعراء ألف الأغاني بالعامية وقبله إسماعيل صبري .. والأغنية جناح يطير بشهرة أصحابها فاندفع بوحي من تفكيره وعاطفته الوليدة معها في طريق الزجل ولعل نفسه حدثته أن عبد الوهاب مغني شوقي فلتكن هذه الفتاة ذات الصوت الجميل مغنيته - أي مغنية كلماته )) . وقد نظن أن الشاعر أحمد رامي قد قبل بسهولة التحول من شعر الفصحى إلى العامية وفق ما طلبت منه ذلك أم كلثوم .. بل بالعكس حيث أخذ سلطان القصيدة يسيطر عليه فترة من الزمن وربما وصلت إلى عامين ، بدليل أنه قدم لأم كلثوم وحتى من بعد أن طلبت منه التحول في عام 1924من القصائد العظيمة إلى العامية قصيدتين بالفصحى .. الأولى غنتها في عام 1925بعنوان: "إن حالي في هواها عجب".. من ألحان محمد القصبجي ، وسجلتها على اسطوانة جرامفون في العام نفسه .. وقد أشارت إلى ذلك أم كلثوم في أوراقها الخاصة حين ذكرت، ))فلما عدت من مصيف رأس البر اتصلت به - أي بأحمد رامي - وقلت له إن الجمهور يجب أن ينتقل من الأغاني المسفة التي يسمعها إلى القصائد والشعر العظيم على مراحل . فقال رامي: ولكن أعددت لك قصيدة "إن حالي في هواها عجب .." قلت بعد أن قرأت كلماتها : تبدو في كلماتها سهلة.. سوف أغنيها ، ولكن أفضل أن تستعمل في كلمات الأغاني ما هو سهل ومتداول .. ما يمكن أن يفهمه الناس دون عناء .. فقال باحتجاج: هو الذي يسمعه الناس الآن .. فقلت، أنا أريد خطوة أبعد ، خطوة أوسع .. أريد لغة مثل لغة الصحف يفهمها الناس ، فلا هي إسفاف.. ولا ألغاز..)) .ولقد تصورت سيدة القصيدة العربية أنها حققت بهذا القول أغراضها بشأن تحول رامي من الشعر الفصيح إلى العامية .. ولكن سرعان ما خاب هذا التصور إذ كان شيطان الشعر الفصيح لا يزال راكباً فوق قلب وعقل أحمد رامي.. فقدم لها قصيدة ثالثة لكي تغنيها.. وقبلتها رغماً عنها ، وهي القصيدة التي لحنها الشيخ أبو العلا محمد في عام 1926بعنوان "أقصر فؤادي" .. كما قدم لها قصيدة رابعة بعنوان: يقظة القلب.. من تلحين الموسيقار محمد القصبجي وفي العام نفسه . ونظراً لحالة الإعجاب المبكرة التي استولت على شاعرية "أحمد رامي" تجاه الآنسة أم كلثوم التي لم ترفض له كلمات قصائده .. رغم أنها كانت عكس رغبتها.. فقد استجاب لتلك الرغبة أخيراً وتحول كلية إلى كاتب أغنية باللهجة العامية.. فقدم لها أول ما قدم مونولوجاً بعنوان "خايف يكون حبك" .. من تلحين الدكتور أحمد صبري النجريدي .. ومنذ أن كتب رامي هذه الكلمات العذبة التي ربما أراد بها أن يفتح من خلالها طريقاً طويلاً يعبر منه قلبه إلى قلب أم كلثوم ، ظل الشعر العامي مسيطراً عليه حتى كتب لأم كلثوم أكثر من مائة أغنية ما بين عاطفية ووطنية ، وكان بين حين وآخر يكتب بعض القصائد بالفصحى .. خاصة في المناسبات الوطنية ، وأغنيات بعض الأفلام وفق ما يقتضيه السيناريو وشخصية الممثل. وقد بلغ عدد هذه القصائد جميعها حوالي ست عشرة قصيدة ما بين نشيد ومناسبة وطنية ورثاء . ولو جمعنا ما كتبه أحمد رامي لأم كلثوم على مدى رحلة حياته الطويلة والتي استغرقت أكثر من خمسين عاماً .. سواء بالفصحى أو بالعامية سوف نجد 135أغنية ما بين مونولوج ودور وقصيدة أغنية ولقد تصدى لوضع الألحان لهذا الكم الكبير من الأغنيات تقريباً كل ملحني أم كلثوم بدءاً من الشيخ أبو العلا محمد وحتى محمد الموجي و سيد مكاوي مروراً بالشيخ محمد القصبجي وزكريا أحمد وداود حسني ورياض السنباطي ومحمد عبدالوهاب . وإذ كنا قد ذكرنا من قبل كلمات أولى القصائد التي تغنت بها سيدة القصيدة العربية من تأليف أحمد رامي .. وكذلك كلمات أولى أغنياته بالعامية.. فقد رأينا من الضرورة الإشادة إلى آخر ما غنت أم كلثوم لأحمد رامي . ففي عام 1972وبالضبط في الحفل الذي أذيع في أوائل شهر أبريل من العام نفسه .. غنت أم كلثوم لأحمد رامي أغنية "يا مسهرني" من تلحين الموسيقار الراحل سيد مكاوي .. وكانت تلك أول وآخر أغنية يلحنها سيد مكاوي لكوكب الشرق ، كما كانت هذه الأغنية ذاتها من بين آخر ما غنت أم كلثوم قبيل رحيلها عام 1975.حيث دخلت قبل هذه الفترة بأيام قليلة في غيبوبة دائمة انتهت برحيلها.
وتقول كلمات هذه الأغنية: ما خطرتش على بالك يوم تسأل عني وعنيه مجافيها النوم يا مسهرني وأنا قلبي بيسألني إيه غير أحواله ويقولي بأه يعني ما خطرتش على باله أومال غلاوة حبك فين وفين حنان قلبه عليا وفين حلاوة قربك فين فين الوداد والحنية يا ناسيني وانت على بالي وخيالك ما يفارق عيني ريحني واعطف على حالي وارحمني من كثر ظنوني لا عيني بيهواها النوم ولا باخطر على بالك يوم تسأل عني يا مسهرني
هذا عن الشعر والكلمات العذبة.. ورحلة أحمد رامي مع صوت أم كلثوم على مدى خمسين عاماً.. فماذا عن سيرة حياة الشاعر نفسه؟
إن هناك بالفعل عشرات من الكتب ومن الموضوعات الصحفية التي تحدثت وباستفاضة عن رحلة شاعرنا أحمد رامي في الحياة منذ ميلاده وحتى يوم رحيله .. ونحن هنا نقتبس من سيرته بعض لمحاتها .. لأجل أن تكتمل لدينا ولديكم الفائدة المرجوة . فقد ولد الشاعر أحمد رامي حسن عثمان الكرتيلي ، وهذا اسمه بالكامل وفق الأوراق الرسمية في شهر أغسطس من عام 1892، في مدينة القاهرة وإن كان المؤرخ والناقد الراحل محمد السيد شوشة قد أشار إلى أن يوم ميلاد أحمد رامي كان مجهولاً .. وقيل في ذلك إنه ولد في أحد أيام شهر أغسطس من عام 1898. عاش أحمد رامي فترة طفولته وصباه بحي الناصرية بالسيدة زينب .. وترجع أصوله إلى إحدى مدن اليونان حيث أن جده لأبيه هو الأميرالاي حسن عثمان الكريتلي نسبة إلى جزيرة كريت اليونانية ، وكان يعمل ضابطاً بالجيش العثماني ، وجاء إلى مصر مع عائلته في عهد الخديوي إسماعيل .. أما جده لأمه السيدة فاطمة فهو الشيخ محمد الغزولي الذي كان يشغل منصب رئيس السجلات بالمحكمة الشريفة . والد الشاعر أحمد رامي الذي كان يعمل ضابطاً طبيباً فهو الدكتور محمد رامي الذي تخرج من كلية الطب بعد ميلاد ابنه بعامين . واسم أحمد رامي اسم مركب كما أنه اسم أبيه أيضاً مركب . نال أحمد رامي الشهادة الابتدائية في عام 1907، وهو في سن الخامسة عشرة ، ثم التحق بعدها بالمدرسة الخديوية الثانوية ، وحصل منها على شهادة البكالوريا في عام , 1911. وكان من المقرر وفق ميوله أن يلتحق بمدرسة الحقوق إلا أنه عدل هذه الرغبة والتحق بمدرسة المعلمين التي تخرج منها في عام 1914وبعدها التحق بالعمل مدرساً للترجمة بمدرسة المنيرة الابتدائية ، وفي عام 1921اختير للعمل في وظيفة مساعد أمين مكتبة بمدرسة المعلمين العليا ، كما اختير للسفر في بعثة علمية في عام 1923 لمدة عامين في فرنسا .. ومن هناك عاد حاملاً دبلومين عاليين الأول في فن تنسيق الوثائق والمكتبات من جامعة السربون والثاني في اللغة الفارسية . ارتبط الشاعر أحمد رامي منذ شبابه بالشعر الذي أجاد تأليفه من الصغر وأخذ ينشر هذه القصائد في الصحف والمجلات.. مما لفت إليه أنظار المغنيين في عصره فكانوا يقبلون على الشدو به .. حتى إن إحدى قصائده المنشورة بالصحف آنذاك كانت بداية تعارفه مع أم كلثوم .
ولقد ظل أحمد رامي يكتب الشعر بالفصحى والعامية حتى آخر حياته