معلقة عنترة خليط لا فت للنظر من التعبير الرعوي اللطيف ولحظات القتل والثأر الشرسة. في البيات ( 14-19) يقارن الشاعر فاه حبيبته بروضة عطرة:
أو روضة أنفاً تضمن بنتها- غيث قليل الدمن ليس بمعلم
تجعل هذه القصيدة ربما أفضل من أي شيء آخر في المعلقات الأخرى. نتزود بلمحات مثيرة للاهتمام عن حياة العرب في هذه الفسيفساء من الأريج الشعري: هدم مضارب العائلة في الصحراء ليلاً- الإبل محملة وملجمة تأكل الحبوب، نعام صغير يحوم حول طائر- ذكر مثل قطيع إبل سوداء يمنية تجتمع عند نداء حاذيها: الشاعر البطل يحتسي النبيذ العتيق الذي اشتراه بقطع نقدية لامعة - وبين فينة وأخرى يملأ كأس الكريستال من الجرة جيدة الإقفال: مقابلة مسروقة مع فتاة جميلة من قبيلة معادية: معارك شرسة طويلة مع أشهر المحاربين.
معلقة عمرو بن كلثوم الوحيدة التي لا تبدأ بمخاطبة حبيبة حقيقية أو متخيلة. يخاطب عمرو بصوت مرتفع جرعة الصباح من نبيذ في كأس كبير، ويذهب لإطراء التأثير السحري للشراب السخي وجعله البخيل ينسى خزانة ذهبه بعض الوقت، وتحويل انتباه العاشق عن رغبته. مع ذلك، مغادرة الحبيبة لا مناص من ذكره ويوصف سحر جمالها بدقة متناهية في البيت العشرين من القصيدة. ما تبقى من المعلقة تفاخر متغطرس لبني تغلب - عظمتهم وقوتهم - غنى ممتلكاتهم وعظمة أعمالهم وجمال نسائهم واحترام المحاربين الشجعان لهم.
في شكل رزين ثابت يناسب سنوات عمره المهيبة، جاءت معلقة الحارث، رداً على الخطابة الرنانة المفرطة لخصمه المتفاخر. مع ذلك، لا يتردد في أن ينسب إلى قبيلته كل الفضائل التي ينبغي أن يتصف بها العرق النبيل. يقول السير ويليام موير " مدى الفكر في الشعر العربي القديم محدود. توصف التجارب القديمة ومشاعر اللحظة بصور مشتقة من الحياة الرعوية. لا تفكير بالمستقبل، وليست هناك محاولة لاستخلاص دروس من الماضي. يعيش الشاعر العربي في الحاضر كطفل.. تصور الحياة الرعوية بصور بسيطة لمنظر ريفي بكر. الموكب الحامل كل حاجيات القبيلة الدنيوية - العجائز والفتيات المحملات في هوادج على ظهور الجمال - يمر في الصحراء بشجيرات شديدة القدرة على التحمل بزخارفه القليلة المتفرقة، وبعد مسيرة متعبة يخيم الموكب، ربما في وادٍ حيث الينابيع تسيل من على تل مجاور. الخيام المجتمعة تجعل الخلفية سوداء، في حين تحيط خضرة وأيكة نخيل بالنافورة المستحبة، التي تقف في تناقض بهيج مع المنظر البري الكئيب. تتقدم الفتيات بأباريقهن إلى النبع وتعود الإبل والماعز من المرعى مليئة الضرع بالحليب.
تعيش الحياة العربية حقاً حياتها الخاصة. ليست هناك حضارة متقدمة لإعادة صياغة الصورة المحيطة وفقها. أقرب ما في لغتنا إلى الشعر العربي القديم هو كتاب أيوب، بتصويره الأرانب الأوروبية والماعز والحمير البرية، وحياة الصحراء ما زالت هكذا في أيامنا هذه. حافظ العربي، المعزول عن العالم بالبراري وعادات الرحل، على بساطته دون تغيير ولم يتأثر إلا قليلاً بترف وحضارة الأمم المجاورة كما تأثر بسياستهم. تلامس القصائد الكلاسيكية الحياة المدنية، لكن هنا نضارة وحرية الصحراء القاسية لا يمكن بلوغها بأكثر أساليب العالم المشغول قوة. لا يسمع هنا ضجيج المدينة، ولا حتى همهمة الكوخ الريفي. لا يعي الشاعر وجودها.
وعن أصالة الشعر العربي القديم قال جونز: مثل إلياذة هوميروس، التي تكونت من الأغاني الملحمية الزاخرة بالانفعال العاطفي، ليست المعلقات بنى منتظمة بل قطعاً مسرفة في التعبير العاطفي جمعت معاً. لكن هناك ثمة فرق، كما لاحظ فون هامر بوربجستال " أن كتاب القصائد العربية القديمة الفائزة لم ينافسوا ولم يمزق ذئب عربي المعلقات كما حدث والإلياذة وألقى بالقطع إلى مؤلفين متعددين." لم يعد وجود لهذا الفرق، أو في حين أن أصالة المعلقات ما زالت قائمة، إلا أن عبقرية بعض الأبيات ما زال موضع تساؤل من قبل الدارسين الألمان. إذا اعتبرنا قصائد عرب ما قبل الإسلام مثل القصائد الغنائية للتخوم الاسكتلندية، أي حفظت عبر عديد من الأجيال شفوياً فقط (لأن الكتابة لم تكن معروفة بين العرب إلا بشكل ضئيل) فإن وجود التحريف في الشعر العربي القديم أكثر من محتمل. حين بدأ جامعو الشعر في نهاية القرن السابع التعليق على قصائد العرب القديمة كتابة، لم يجدوا إلا قطعاً - لكن عديدة - عند القبائل في الصحراء، وكانت معرضة للأخطاء نفسها وحتى الخداع، كما كان الحال وآثارنا الأدبية عندما ذهب الدارسون إلى المناطق الريفية لجمع القطع التقليدية من القصائد الغنائية من شفاه كبار السن من السكان، إذ تداخلت القصائد، وخدع الشعراء الذين ملكوا موهبة خاصة قاتلة في تقليد الشكل الخارجي ولغة قصائد أغاني التخوم، جامعي القصائد الأسطورية المتحمسين. وبالمثل يبدو جامعو الشعر العربي المبكر أحياناً أنهم ناسخون للرواة الخادعين أو من يلقون القصائد، الذين عديد منهم ليسوا شعراء ماكرين، بل يمكن أن ينظموا قصائد بشكل مرتجل بالأسلوب والمشاعر نفسها الكائنة في الشعر القديم الأصيل مما يجعل الكشف عنها مستحيلاً. وليس هؤلاء فوق الشبهات في وضع بيت أو اثنين من نظمهم هنا وهناك لتوضيح قطعة مبهمة.
قام البرفسور أهلفارد، هر فون كريمر، ومستشرقون ألمان آخرون في السنوات الأخيرة بدراسة الشعر العربي القديم دراسة نقدية بهدف فصل المنحول منه عن الأصلي. يعزز الانتقال المفاجىء من موضوع إلى آخر، الشائع في القصائد الطويلة، أكثر من فرص الانتحال. معرفة الأبيات المنتحلة هذه ليست بالمهمة السهلة، وكثيراً ما يمكن للطالب أن يستخلص الأخطاء وعدم الدقة فقط عندما يجد أن قوانين بناء القصيدة قد انتهت. على سبيل المثال، شطري البيت الأول فقط يجب أن تكون بقافية واحدة، وإذا وجد بيتين أو أكثر في القصيدة نفسها يجب أن تكون منتحلة أو افتتاحية قصيدة أخرى. مرة أخرى، ثمة قانون باستثناءات قليلة فقط (لأن هناك دوماً أسباباً بديهية) أن تبدأ القصيدة بذكر الأطلال ولا تكتمل القصيدة دون ذلك إذا لم تعتبر منتحلة. لكن أخطاء مثل هذا النوع بديهية لكل طالب ولا تتطلب فطنة نقدية عظيمة لاكتشافها.
المهمة الأصعب هي معرفة وفصل الأبيات التي نظمت وأدخلت للقصيدة من قبل الرواة ببراعة، أو حتى من طرف الجامعين بهدف ربط القطع معاً. يصعب تقصي مثل هذا الموضوع دون تحيز. إذا كان عند الطالب فكرة مسبقة عما يمكن للعرب القدامى أن يقولون عن أشياء معينة ووجد في القصيدة ما يناقض نظريته، فإنه يميل لاعتبارها منتحلة، وهكذا، عن وعي أو لاوعي، يصبح الناقد في عملية التقصي عرضة لتأسيس نظرية أكثر مما يوضح الحقيقة. لكن المستشرقين المطلعين العاملين على تمحيص الشعر العربي القديم يحثون بالتأكيد بفضل هذه الدوافع الضيقة، وأهمية العمل الذي يقومون به يمكن بصعوبة أن تقدر كثيراً، حيث دون التأكد من أصالة بقايا الشعر العربي لفترة ما قبل الإسلام، فإن المعرفة الدقيقة للعرب القدامى أنفسهم مستحيلة. مع ذلك، بعض النتائج التي استخلصوها موضوع تساؤل من دارسين آخرين.
قيل إن الجامعين والنقاد اهتدوا بمشاعر دينية قوية لتخليص الشعر المبكر من كل التلميحات إلى العادات الوثنية والألوهية الزائفة، وإن كان هناك معلقتين من السبع تذكر فيهما الخرافات الوثنية. لبيد في البيت 76 من معلقته يلمح إلى موت الجمل عند قبر صاحبه، وعنترة في البيت 70 يذكر الخرافة الوثنية المتعلقة بالتطير، اعتقاد منعه القرآن بصرامة. توجد عادات وثنية قديمة وألوهية الأصنام في قصة عنترة بكثرة، لكن ربما تبخرت المشاعر الدينية القوية بتقديم الإسلام لعلم الدنس. مع ذلك، إذا كان الجامعون قد تشربوا الروح الدينية المتقدة ليتخلصوا من التلميح للأصنام في الشعر المبكر، فيبدو من الغريب أنهم سمحوا بعديد من التلميحات إلى شرب الخمر: إذا أن كثرة ذكر شرب الخمور في شعر الشرق ستفسر بمعناها الغامض. لكن النقاد الورعين الذين خلصوا الشعر من كل ذكرٍ للخرافات الوثنية، عوضوا ذلك، كما يقال، بمشاعر تتمشى والقصيدة الإسلامية. من المعروف جيداً أن هذا تم وكتاب " ألف ليلة وليلة " في القصص المشتقة من المصادر الهندية، لكن ألا يعني هذا أنهم تبعوا ذلك في الشعر المحلي للعرب القدامى وعاملوه بالطريقة نفسها. يأخذ البرفسور فون كريمر استثناءات من الأبيات 27 و28 من معلقة زهير، التي يذكر فيها بالضبط الله الواحد وكتاب الموتى، ويعتبرها غريبة على روح الشعر القديم. الاعتراض نفسه، إن كان منصفاً، يصدق أيضاً في الأبيات 85 و86 من معلقة لبيد، حيث يتم التعرف على شرائع العناية الإلهية، والبيت 25 ممن معلقة امرؤ القيس والبيت 81 من معلقة طرفة حيث يذكر الخالق بصريح العبارة. لكن بالإضافة إلى العدد الوافر من الآلهة الزائفة - التي لم يبجلها العرب كثيراً في الفترة السابقة تماماً لبدء الدعوة العظيمة - وجد بين بعض القبائل في الجزيرة اعتقاد بالله. بالفعل كما لاحظ السيد لاأول بحق " دون الافتراض أن مثل هذا الدين كان معروفاً عند الناس، كان جزء كبير من القرآن مستحيلاً: أن الرسالة موجهة لمن ربط الآلهة بالله وليس لمن ينكره." وإعادتهم إلى عبادة الله وحده، كان غاية الرسول الكبرى.
أن بقايا الشعر العربي القديم تم التلاعب به - بالحذف أو الانتحال - من قبل علماء النحو والجامعين والنقاد وآخرين ثبت الآن أنه في غاية الوضوح، هذه هي الحالة مع شعرنا التقليدي المبكر والطبيعة الإنسانية في الجوهر واحدة في البصرة والكوفة كما هي في لندن وأدنبرة. لكن من المرضي معرفة من رجل دارس مرجع مطلع حاد الذهن مثابر مثل البرفسور أهلفاردت أن كثيراً مما يعرف بالشعر العربي القديم قد قرر أنه منتحل، ودون قليل من الشك، يبقى قدر كبير منه النسل الأصيل للعبقرية الأمية واللامعة المتقدة لشعراء ما قبل الإسلام.
وعن الأدب العربي في عهد الخلافة قال جونز أيضاَ: إبان معظم النصف الأول من القرن الأول الهجري، انهمك من تبع الرسول في توسيع رقعة سلطانهم فلم يلتفتوا إلى العلم والأدب. قرر علماء النحو في البصرة والكوفة قواعد اللغة العربية القحة وجمعوا من أجل هذه الغاية قطعاً من شعر الجاهلية الذي ما زال في صدور الرجال في اليمن والحجاز، لكن في عهد الأمويين، اقتصر الأدب العربي على شرح القرآن والشعر في اللغة الأم. يقول أبو الفرج " لكن عندما منح الله عائلة هاشم (بيت عباس) الحكم وسلم لهم مقاليد البلاد عادت القلوب من تراخيها واستيقظت العقول من سباتها." بدأ في عهد المنصور، ثاني الخلفاء العباسيين، دراسة علم المحرمات وقلد من خلفه حماسه لتقدم المعرفة. وبالفعل، يقال عادة إن الأدب العربي نهض ونما وتحلل إبان حكم هذه السلالة التي حكمت من العام 749 ميلادية وحتى العام 1258. أصبحت كنوز الأدب الفارسي التي لم يلحق بها الدمار على أيدي المسلمين الأوائل الفاتحين أكثر قيمة مما هي مزدرية.
ترجمت في عهد المنصور (775-754 ميلادية) نسخة البهلوي من الحكايات الهندية الشهيرة لفيشنوسارمان إلى العربية تحت عنوان "كليلة ودمنة"، عمل ترجم إلى عديد من اللغات أكثر من أي كتاب آخر باستثناء الإنجيل. في القرن نفسه كتب الأصمعي قصة عنترة الفروسية الرومانسية. في بداية القرن التاسع أسس المأمون، سابع الخلفاء العباسيين، المعاهد في بغداد والبصرة والكوفة وبخارى وطلب ترجمة كتابات أرسطو، وأبوقراط، وجالين، وديوسكوريديس، وثيوفراستوس، وأكليد، وارخميدس وبيتولمي. قال أبو الفرج " لقد اختار الله أكثر وأفضل عباده فائدة، من كرسوا حياتهم لتطوير ملكات عقولهم? مدرسو الحكمة هم الأنوار الحقيقية ومشرعو العالم الذين لولا مساعدتهم لكان العالم قد غاص في الجهل والبربرية." في هذه الفترة أقيمت في بغداد ودمشق المراصد لدراسة الفلك. وشيد وزير كريم على نفقته كلية عظيمة في بغداد بتكلفة 200000 قطعة ذهبية، وخصص لها مبلغ 15000 دينار سنوياً. في هذه المؤسسة درس آلاف من الطلاب من أبناء النبلاء إلى أبناء الصناع كل علوم العصر. ودفعت للأساتذة رواتب مجزية وخصص للطلاب المتفوقين عطايا سخية.
من سمرقند إلى بخارى، من فاس إلى قرطبة، كانت الإمبراطورية الإسلامية كلها تصدح بالغناء، والحياة الثقافية صحية ومتقدة. أخذ الشعر الذي فقد نضارة الصحراء مداً أوسع ولم يعد يقتصر على اللحظة، بل أصبح تأملياً وبالتالي فلسفياً. زين بلاط الخلفاء في بغداد بأقمار ساطعة من رجالات المعرفة والعبقرية جذبوا إلى هناك من كل أنحاء المعمورة.
لم يكن هؤلاء الأمراء مجرد أسياد أحرار متنورين في العلم والأدب: كان عديد منهم شعراء بعبقرية معتبرة وبارعين في النظريات الموسيقية والعزف. أحفاد المتعصبين الذين أحرقوا مكتبة الإسكندرية لم يدمروا الأدب الفارسي القديم أثناء عصور الظلام في التاريخ الأوروبي، بل أصبحوا متحمسين مثقفين محافظين على ما تبقى من المعرفة القديمة. في الوقت الذي كان ثمن نسخة من الإنجيل يعادل ثمن تعمير كنيسة عادية، وفي الوقت الذي كان فيه عديد من الرهبان المسيحيين في أوروبا يتلعثمون في الصلوات التي ليس بوسعهم فهمها، كانت مكتبة ملوك إسبانيا من المسلمين تحتوي على 600000 مجلد وكانت هناك 70 مكتبة في مدن الأندلس، بينما مكتبة سلاطين مصر كانت تتألف من 100000 مخطوط مكتوبة بخط جميل ومجلدة بشكل أنيق، وتعار بالمجان للدارسين في القاهرة.
علوم الفلك والكيمياء الزائفة التي كرس العرب (وقلدهم الأوروبيون الحالمون) أنفسهم بحماس متقد لها أملاً في قراءة المستقبل عبر حركة الكواكب في الأولى، ولاكتشاف فن تحويل المعادن إلى ذهب خالص وتطويل الحياة إلى ما لا نهاية في الثانية. تحولت هذه أخيراً إلى علوم الفلك والكيمياء الحقيقيين.
لا يدين الأوروبيون إلى سلالة المسلمين المتنورين الذين استقروا في إسبانيا في القرن الثامن في بعض الفنون المفيدة والمعدات المستخدمة في الحياة اليومية فقط، بل من بين أخريات لفن صنع الورق من القطن الذي أدى إلى فن الطباعة العملي - وتداول الكتب بشكل زهيد الثمن. وتم تقديم النظام العشري العربي في الأعداد ( الذي يدين العرب أنفسهم للهنود به ) إلى أوروبا بواسطة جيلبرت من أولريلاك، وبعد ذلك بواسطة البابا سلفستر الثاني الذي درس في الجامعة الإسلامية في قرطبة في القرن العاشر. علاوة عبر النسخ العربية في إسبانيا انتبه الدارسون أول مرة إلى كتابات أرسطو. غير أن التأثير العربي في الآداب الأوروبية كان جلياً. يدين شعراء " التروفيري في شمال فرنسا وأخوتهم التروبادور في المناطق المشمسة الذين أشعلت عبقريتهم شعلة الأدب الإيطالي، كثيراً إلى قصص الترحال وشعر الشرق اللامع لأنهما شكلت أرضية عملهم الرائع. باختصار، تخللت القصص المدهشة العربية الأدب الأوروبي في فترة مبكرة، وحلم الكاهن الذي قرأ على رواد كنيسته القصص الأخلاقية Gesta Romanorum قليلاً بإعادة الاختراعات الحاذقة للمسلمين المكروهين ونسل عرق إبراهيم المحتقرين، لأن عديد من قصص هذه المجموعة التي تعود إلى العصور الوسطى مقتبسة من مصادر عربية وتلمودية.
من المفيد في رسم صورة الأدب العربي أن نخلص إلى أنه " بسقوط الخلافة العباسية عام 1258 ميلادية 656 هجرية، انحدر الأدب في الشرق سريعاً، وإن كان ما يزال يلاقي الرعاية مع ذلك في عهد سلاطين مصر لكن بنجاح لا يقدم ولا يؤخر، وبظهور الأتراك قضي فعلياً على المعرفة الشرقية. لكن من الخطأ القول إن الأتراك قد قضوا على الأدب العربي ( أو أصابته آفة لا تشفى " كما عبر عن ذلك الدكتور كارليل. كتب السيد ريدهاوس، أعظم مرجع حي في هذا الموضوع الشاسع:
"كان تيمور ومن خلفه في الشرق كما العثمانيون في الغرب، وطنيين بما فيه الكفاية ليحبوا لغتهم الجميلة ويستخدموها في حياتهم اليومية وفي الأغراض الأدبية، لكنهم رعوا حشوداً من الشعراء الفرس وعلماء النحو العربي والمشرعين ? الخ. ولما لم تعد العربية اللغة المهيمنة وصار لها قسط من الاهتمام فقط - لكنه قسط كبير - قسط علمي، إذ ملك الفرس الزخرف والأتراك ما هو عملي مفيد. أسس الأتراك معاهد لا تحصى لدراسة العربية في تركيا والهند وبلاد فارس وروسيا. كان الدارسون في السفطاس في استنبول لا يدرسون سوى العربية."
تاريخ الأدب العربي بالإنجليزية أمنية كبيرة. يملك الألمان مخزوناً ثرياً من الشعر العربي قدم لهم عبر الدارسين المتحمسين والمجدين فون هامر- بيرجستال ولاحقاً دارسين من أشهرهم أهلفاردت، فون كريمر وروكيرت. لكن بإمكان إنجلترا الآن التباهي بثلاث لا يقلون تميزاً: شينري، بالمر، ورايت. نأمل أن يفتح هؤلاء المختصون بالعربية أبواب كنوز الأدب العربي لمواطنيهم غير المطلعين على الأدب العربي.
اعتمدنا في ذلك على المقدمتين اللتين ترجمهما صلاح صلاح، لكتاب ليدي آنا بلنت وولفريد شافن بلنت الذي نشر عام 1903، والكتاب الذي حرره وقدمه دبليو إى كولستون ونشر لأول مرة عام 1881 وأعيد نشره مؤخراً في العام 1986، وقد تضمن كتابه دراسة قيمة عن المعلقات للسير وليم جونز تعود إلى عام 1782. يمكن الرجوع إليهما في ما يلي: Blunt, Lady Anne (Translated from the original Arabic) & Blunt, Wilfred Scawen (done into English Verse). The seven golden Odes of Pagan Arabia, known also as the Mo-Allakat. London: The Chiswick press, 1903, PP. ix- xxii. Clouston, W A (edited with introduction and notes). Arabian Poetry and English Readers. London: Darf Publishers Limited, 1986 (First Published, 1881), PP. xvii- lxvi.
واحة المعلقات