الفصل السادس
عن المجتمع المدني أو السياسي
حين يتحد عدد من الناس في مجتمع واحد بحيث يتنازل كل واحد عن سلطته في تنفيذ قانون الطبيعة ويسلمها للجمهور، عندها فقط ينشأ مجتمع سياسي أو مدني. ويحصل هذا عندما يدخل عدد من الناس في الحالة الطبيعية إلى المجتمع لإنشاء شعب واحد أو جسم سياسي واحد يكون خاضعا لحكومة عليا واحدة، وأيضا عندما ينضم الفرد إلى حكومة سبق وتم إنشاؤها. فهو بهذا يخول المجتمع، أو السلطة التشريعية فيه، بسن القوانين التي تتطلبها المصلحة العامة للمجتمع، والتي عليه أن يعمل ويساعد على تنفيذها وكأنها قوانين سنها لنفسه. وبهذه الطريقة ينتقل الناس من حالة الطبيعة إلى حالة الدولة، وذلك عندما يتم تعيين حاكم (قاضي) له سلطة البت في جميع الخلاقات وإصلاح أي ضرر سببه أي فرد في الدولة. وهذا القاضي هو السلطة التشريعية أو الضباط المعنيين من قبلها. وحين لا يكون لعدد من الناس، وان اتحدوا، سلطة حاسمة يستطيعون اللجوء إليها، فهم لا يزالون في حالة الطبيعة.
ومن هنا فان من الواضح أن الملكية المطلقة، والتي يعتبرها البعض نظام الحكم الوحيد في العالم، لا تنسجم في حقيقة الأمر مع المجتمع المدني، ولا يمكنها أن تكون شكلا من أشكال الحكم المدني بتاتا. وذلك لان هدف المجتمع المدني هو تجنب وإصلاح متاعب الحالة الطبيعية والناشئة بالضرورة من كون كل فرد حاكم نفسه وذلك بواسطة تأسيس سلطة معروفة يستطيع كل فرد اللجوء إليها إذا حصل له ضرر، أو إذا نشب خلاف، وعلى كل فرد واجب طاعتها. وبناء على ذلك، ففي غياب مثل هذه السلطة التي تبت في الخلافات بين الناس، فان هؤلاء الناس لا يزالون في حالة الطبيعة. وهكذا بالنسبة للأمير ذي السلطة المطلقة في علاقته مع الخاضعين لحكمه.
فبما أنه (أي الأمير) من المفروض أن يجمع كل السلطة بيديه، التنفيذية منها والتشريعية، فلا مكان لوجود قاض، ولا مكان لوجود ملجأ يتوجه إليه الناس لكي يحكم بينهم بنزاهة ودون تحيز، وتكون له سلطة اتخاذ القرار، ويتوقع من قراره أن يساعد وان يصلح الضرر الذي يلحقه الأمير أو ينتج عن أوامره: ان شخصا كهذا، كان لقبه قيصرا أو سلطانا أو ما شئتم، ما زال في حالة الطبيعة في علاقته مع الذين يحكمهم، تماما كما هو كذلك مع بقية البشر.
ومن يعتقد بأن السلطة المطلقة تطهر دماء الناس، وتصلح دناءة الطبيعة البشرية، فما عليه الا أن يقرأ تاريخ هذا العصر، أو أي عصر آخر، كي يقتنع بعكس ذلك.
الفصل السابع
عن بداية المجتمعات السياسية
جميع الناس، كما ذكرنا، أحرار، متساوون ومستقلون بطبيعتهم، ولا يجوز إخراج أي منهم من هذه الحالة وإخضاعه للسلطة السياسية للآخرين دون الحصول على موافقته. ان الطريقة الوحيدة التي يجرد الفرد بها نفسه من حريته الطبيعية، ويقبل بقيود المجتمع المدني هي باتفاقه مع الآخرين على الاتحاد في مجتمع واحد من أجل العيش المشترك، المريح والآمن، ومن أجل التمتع الآمن بالممتلكات وبالأمن الأكبر من الغرباء. يستطيع أي عدد من الناس أن يقوموا بذلك، لأنه لا يلحق الضرر بالآخرين الذين يُترَكون كما هم، يتمتعون بحريتهم الطبيعية. حين يكوّن عدد من الناس، وباتفاق كل فرد منهم، مجتمعا، فانهم بذلك المجتمع جسم واحد، له سلطة العمل كجسم واحد بإرادة وقرار الأغلبية ... وبما أن أي جسم واحد يجب أن يتحرك باتجاه واحد، فمن الضروري أن يتحرك ذلك الجسم بالاتجاه الذي تدفعه إليه القوة الأكبر، وهي موافقة الأغلبية. وبدون ذلك لا يستطيع ان يعمل أو ان يبقى جسما واحدا، مجتمعا واحدا. لقد وافق جميع المتحدين به على ان يكون كذلك، ذلك الاتفاق الذي يلزم كلا منهم بقبول قرار الأغلبية. ونتيجة لذلك فاننا نرى انه في حالة الجمعيات (البرلمانات) المخولة بالعمل حسب قوانين وضعية، حيث لا ذكر في تلك القوانين للعدد، فإن قرار الأغلبية يعتبر قرار الجمعية كلها، وهو بالطبع ملزم. وكأن لها، حسب قانون الطبيعة والعقل، سلطة الكل.
وهكذا، فمن يتفق مع الآخرين على تكوين جسم سياسي واحد، له حكومة واحدة، يأخذ على عاتقه تجاه كل فرد من أفراد هذا المجتمع أن يلتزم بقرار الأغلبية، وان يعتبر نفسه مشمولا به. وبدون هذا فإن الاتفاق الأصلي، والذي بموجبه اتحد مع الآخرين في مجتمع واحد، يكون عديم المعنى، وهو يفقد صيغة الاتفاق إذا ترك الفرد حرا، غير خاضع لقيود سوى قيود حالة الطبيعة.
الفصل الثامن
عن أهداف المجتمع السياسي وأهداف الحكم
إذا كان الإنسان في الحالة الطبيعية حرا، كما أوردنا، وإذا كان سيدا مطلقا على نفسه وعلى ممتلكاته، مساويا لأعظم الناس وغير خاضع لأحد، فلماذا يتنازل عن حريته؟ ولماذا يتنازل عن ملكوته، ويخضع نفسه لهيمنة وسيطرة سلطة أخرى؟ والإجابة على هذا واضحة: مع أن له مثل هذا الحق في حالة الطبيعة، الا ان ممارسته لهذا الحق غير مضمونة، ومعرضة دائما لاعتداء الآخرين. لأن كل فرد سيد مثله، ولأن الجميع متساوون، وبما أن معظم الناس لا يراعون متطلبات الإنصاف والعدالة، فإن التمتع بالملكية في هذه الحالة غير مأمون وغير مؤكد. وهذا ما يبرر رغبة الفرد في الانضمام إلى مجتمع مع آخرين سبق واتحدوا أو فكروا بالاتحاد من أجل الحفاظ على حياتهم، حرياتهم وممتلكاتهم، والتي أطلق عليها الاسم العام "ملكية".
ان الهدف الرئيسي من اتحاد الناس في دول، ووضع أنفسهم تحت سلطة حكومات، هو الحفاظ على الملكية. في حالة الطبيعة هناك نقص لأشياء كثيرة في هذا المجال.
أولا ينقصها قانون دائم ومعروف للجميع، مقبول ومعترف به بالاتفاق العام، كمقياس للحق والباطل، وكمعيار مشترك للبت في الخلافات بين الناس. فمع أن قانون الطبيعة واضح ومفهوم لجميع المخلوقات العاقلة، فلكون الناس منحازين إلى مصالحهم وجاهلين لعدم دأبهم على دراسته فانهم غير مستعدين لقبوله قانونا ملزما في انطباقه على حالاتهم الخاصة.
ثانيا، لا يوجد في الحالة الطبيعية قاض معروف ومحايد، له سلطة البت في الخلافات حسب القانون الدائم. فبما أن كل فرد في هذه الحالة هو القاضي وهو المنفذ لقانون الطبيعة، وبما أن الناس ينحازون إلى أنفسهم، فإن العاطفة وحب الانتقام قد يؤديان بهم إلى تجاوز الحدود في الحالات التي تخصهم، بينما قد يدفعهم الإهمال وعدم الاكتراث إلى التهاون في الحالات التي تخص غيرهم من الناس.
وثالثا، تفتقر حالة الطبيعة أحيانا إلى القوة اللازمة لمساندة الحكم العادل وتنفيذه بشكل سليم. فالذين يقترفون الجنايات يحاولون دائما، وقدر المستطاع، الدفاع بالقوة عن ظلمهم. وهذه المقاومة كثيرا ما تجعل فرض العقاب شيئا خطرا، وأحيانا مدمرا على الذين يحاولون فرضه.
وهكذا فإن البشر، وبالرغم من جميع امتيازات حالة الطبيعة (وهم في وضع سقيم طالما انها فيها )، يسرعون إلى حياة المجتمع. وقلما نجد عددا من الناس يعيشون معا في هذه الحالة.
ان المتاعب التي يتعرضون لها هناك، نظرا للاستعمال غير المنظم وغير المأمون لكل فرد لسلطته لمعاقبة المعتدين، تدفعهم إلى اللجوء إلى قوانين الحكم الدائمة، وذلك بغية الحفاظ على ملكيتهم. ان هذا هو الذي يجعل كلا منهم راغبا في التنازل عن سلطته المنفردة في فرض العقاب، وأن تستعمل هذه السلطة فقط من قبل أولئك الذين تم تعيينهم لهذا الغرض، وحسب القواعد التي يتفق عليها أفراد المجتمع أو المفوضون من قبلهم. وهنا يكمن الحق الأصلي للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وللحكومات والمجتمعات ذاتها.
الفصل العاشر
عن مرتبات سلطات الدولة
في المجتمع القائم، والذي يرتكز على قاعدته الخاصة، ويعمل حسب طبيعته الخاصة، أي يعمل من أجل الحفاظ على بقاء أبناء المجتمع، لا يمكن أن تكون أكثر من سلطة عليا واحدة، هي السلطة التشريعية، والتي تخضع ويجب أن تخضع، لها باقي السلطات. ومع هذا، ولكون السلطة التشريعية سلطة ائتمانية مرهونة بالعمل لتحقيق أهداف معينة، تبقى لدى الناس سلطة عليا لعزل أو تغيير السلطة التشريعية إذا وجدوا أنها تتصرف بشكل يناقض الثقة التي وضعت بها. كل سلطة معطاة كأمانة من أجل تحقيق هدف معين، ومحدودة بهذا الهدف. وعندما يهمل هذا الهدف أو يعارض بصورة جلية، تسحب الأمانة وتنتقل السلطة إلى أيدي اللذين أعطوها، والذين لهم حق وضعها مجددا في الموضع الذي يعتقدون انه الأفضل من أجل سلامتهم وأمنهم. وهكذا يحتفظ أبناء المجتمع دائما بالسلطة العليا في إنقاذ أنفسهم من نوايا أي شخص، وحتى المشرعين، عندما يكونون على قدر من الغباء والشر بحيث يحبكون المؤامرات ضد حريات وممتلكات الرعية. فلا يملك أحد، أو مجتمع من الناس، السلطة في تسليم الحفاظ على هذا الوضع العبودي، فان لهم دائما الحق في الحفاظ على ما ليس لهم السلطة في التنازل عنه، وان يتخلصوا من أولئك الذين يعتدون على هذا القانون للحفاظ على النفس، هذا القانون الأساسي، المقدس وغير القابل للتغيير، والذي من أجله أقاموا المجتمع. ولهذا يمكن القول أن أبناء المجتمع فيما يتعلق بذلك هم دائما السلطة العليا.
الفصل الحادي عشر
عن حل الحكم
ان سبب دخول الناس في المجتمع هو الحفاظ على ملكيتهم. والهدف الذي من أجله اختاروا وفرضوا السلطة التشريعية هو لسن القوانين ووضع المبادئ لحراسة وحماية ملكية جميع أفراد المجتمع، والحد من سلطة أو نفوذ أي فرد من أفراده. وبما أنه لا يحق الافتراض بأن إرادة المجتمع تسمح بقيام سلطة تشريعية لها السلطة في تدمير ما يهدف الفرد إلى حمايته عن طريق إقامة المجتمع (والذي من أجله خضع الناس لمشرعين قاموا هم باختيارهم)، فإذا حاول المشرعون القضاء على ملكية الناس، أو استعبادهم، أو فرض سلطة اعتباطية عليهم، فانهم بذلك يجعلون أنفسهم في حالة حرب مع الناس، الذين يتحررون عندها من واجب الطاعة، ويلجأون إلى الملاذ المشترك الذي زودهم الله به ضد العنف والقوة. حين يعتدي المشرعون على هذا المبدأ الأساسي للمجتمع، ويحاولون (بدافع الطموح، الخوف، الغباء، أو الفساد) تركيز سلطة مطلقة في أيديهم (أو وضعها في أيدي أي شخص آخر) على حياة، حريات وممتلكات الناس، فانهم بهذا الخرق يفقدون حقهم في السلطة التي وضعت في أيديهم من أجل أهداف مناقضة لذلك، وتنتقل [السلطة] إلى الناس الذين لهم الحق في استعادة حريتهم الأصلية، وإقامة سلطة تشريعية جديدة (وكما يرون مناسبا) لتأمين سلامتهم، وهي الهدف الذي من أجله أقاموا المجتمع. ما أقوله هنا عن السلطة التشريعية بعامة ينطبق أيضا على المنفّذ الأعلى، والذي وضعت في عنقه أمانة مضاعفة، وهي أن يكون جزءا من السلطة التشريعية والمنفذ الأعلى للقانون. وهو يعمل ضد اثنتيهما إذا حاول فرض إرادته الاعتباطية كقانون للمجتمع. وهو يتصرف بصورة تناقض الثقة أيضا، إذا استخدم قوة المجتمع، ثروته وخدماته من أجل إفساد الممثلين وشرائعهم لخدمة أهدافه، أو عندما يحاول صراحة رشوة الناخبين والإيعاز إليهم باختيار أولئك المرشحين الذين، بالإغراء والتهديد والوعود والطرق الأخرى، كسبهم إلى جانبه، والذين يستخدمهم من اجل اختيار أولئك الذين وعدوا مسبقا كيف يقترعون وما هي القوانين التي يسنونها. ان من ينظم المجتمع بهذه الصورة يقطع الحكم من جذوره ويسمم منابع الأمن العام.
وقد يقال بأن هذه الفرضية تعمل على التحريض على العصيان لأوقات متقاربة. وعلى هذا الزعم أجيب:
أولا: ليس أكثر من أية فرضية أخرى: حين يشعر الناس بالبؤس ويجدون أنفسهم عرضة لسوء استخدام السلطة الاعتباطية، فلو أعلنت صارخا بأن حكامهم من أبناء الآلهة، أو قديسون، أو نازلون أو مفوضون من السماء، أو أغدقت عليهم ما شئت من الأوصاف، فان نفس الشيء سوف يحدث. عندما تُساء معاملة الناس، ويعاملون بما يناقض حقوقهم، فانهم على استعداد، وحين تسنح الفرصة، لإزالة عبء يثقل كاهلهم. سوف ينتظرون ويبحثون عن الفرصة التي قلما تتأخر بسبب التغيير، الضعف وعوارض الأمور الإنسانية. قصير العمر مَن لم ير أمثلة على ذلك في عصره، وقليل القراءة من لا يستطيع ان يسوق أمثلة على ذلك من مختلف الحكومات في العالم.
ثانيا: أجيب بأن مثل هذه الثورات لا تحدث نتيجة للأخطاء الطفيفة والقليلة في إدارة الشؤون العامة. يتحمل الناس دون تأفف أو تمرد أخطاء كبيرة قد ترتكبها الفئة الحاكمة، وكثيرا من القوانين المتعبة والجائرة، وكل زلات الضعف الإنساني. ولكن سلسلة طويلة من الفساد، المراوغة والمكائد، كلها تصب في نفس الاتجاه، وتبرز المؤامرة للناس الذين لا يسعهم الا ان يدركوا ما ينتظرهم وان يروا إلى أين هم سائرون، فلا داع للغرابة إذا استيقظوا عندها وحاولوا وضع الحكم في أيدي من يؤّمن لهم الأهداف التي من أجل تحقيقها أقيم الحكم أصلا، والتي بدونها لا تكون الأسماء القديمة والصور الخادعة أفضل، بل أسوأ من حالة الطبيعة، أو الفوضى التامة. فالمصائب كبيرة وقريبة بينما العلاج أبعد وأكثر صعوبة.
ثالثا: أجيب بأن هذه النظرية عن سلطة الناس في توفير الأمن لأنفسهم مجددا، وإقامة سلطة تشريعية جديدة، إذا تصرف المشرعون بصورة مناقضة للثقة التي وضعت بهم، وذلك إذا اعتدوا على ملكية الناس، هي السياج الأفضل ضد العصيان وأكثر الوسائل الناجحة لمنعه. وبما أن التمرد ليس معارضة للأشخاص، بل للسلطة المبنية على قوانين ودساتير الحكم فقط، فان من يخرقها، أو يبرر خرقها بالعنف فهو المتمرد بكل معنى الكلمة. حين أقام الناس المجتمع والحكم المدني فقد استثنوا العنف، ووضعوا القوانين من أجل الحفاظ على الملكية، على السلام وعلى الوحدة بينهم. ومن يقاوم القوانين بالعنف يقوم بما يمكن تسميته (rebellare)، أي إعادة حالة الحرب، وهو حقا المتمرد، وأولئك الذين في السلطة (وبسبب الحق المزعوم بالحكم، وإغراء القوة التي في متناول اليد، وتملق الذين من حولهم) هم الأكثر عرضة لعمل ذلك. ان الطريق الصحيح لمنع هذا الشر هو تبيان الخطر والظلم في ذلك لكل من هو عرضة للوقوع تحت إغرائه الكبير.
في كلتا الحالتين المذكورتين أعلاه، أي عند تغيّر السلطة التشريعية أو حين يتصرف المشرعون بشكل يناقض الهدف الذي من أجله عُيّنوا، فان الجرم هو العصيان. فمن يقضي بالعنف على السلطة التشريعية القائمة في أي مجتمع، وعلى القوانين التي سنتها تلك السلطة بموجب الثقة التي وضعت بها، فإنه بذلك يلغي سلطة المحكم الذي وافق عليها الجميع للبت سلميا في الخلافات، وكحاجز في وجه حالة الحرب، بينهم. فمن يغير أو يعزل المشرعين يكون قد سلبهم سلطة البت، والتي لا يستطيع أحد الحصول عليها الا بتعيين من الناس وبموافقتهم. فمن يدمر السلطة التي أقامها الناس، ولا يستطيع إقامتها سوى الناس، ويجيء بسلطة غير مفوضة من قبل الناس، فهو بهذا يبدأ فعلا حالة الحرب، وهي العنف بدون سلطة الحكم. وهكذا فمن يعزل السلطة التشريعية التي أقامها المجتمع (والتي قبل الناس بكل قراراتها وكأنما قرارات صادرة عن إرادتهم الخاصة)، فإنه يحل الروابط ويعرض الناس مجددا لحالة الحرب تلك. وبما أن الذي يلغي بالعنف السلطة التشريعية هو المتمرد، فإن المشرعين أنفسهم، كما بيّنا، يجب اعتبارهم متمردين إذا اعتدوا على، وحاولوا سلب، حريات الناس وممتلكاتهم، والتي من أجل حمايتها والحفاظ عليها تم تعيينهم. فعندما يجعلون أنفسهم في حالة حرب مع الذين جعلوهم حماة وحراس سلامتهم يصبحون حقا، وبأكبر قدر من الضرر، متمردين (rebellantes).
إذا كان على الرجل الأمين والبريء، ومن أجل السلام، أن يتنازل بهدوء عما يملك لمن يستعمل العنف للاغتصاب، فعلينا أن نتساءل أي نوع من السلام سيكون في العالم، إذا كان يقوم على العنف والألم، والذي يصان فقط من اجل منفعة اللصوص والطغاة. كل من يستعمل العنف بدون حق، مثله مثل الذي يستعمل العنف بدون قانون في حال المجتمع، يجعل نفسه في حالة حرب مع الذين استعمله ضدهم. وفي هذه الحالة، تكون كافة الروابط السابقة لاغية، وتكون لاغية أيضا كافة الحقوق الأخرى، ولكل فرد الحق في الدفاع عن نفسه، وفي مقاومة المعتدي.
ترجمة د. سعيد زيداني
جميع الحقوق محفوظة، 1424-2004 ©، موقع فلسفة.